إذا كانت زيارة نجم كرة القدم العالمي ليونيل ميسي لمصر مؤخرا قد جاءت للترويج للسياحة العلاجية قد أثارت قدرا كبيرا من الاهتمام كما هو واضح في وسائل الاعلام المصرية والعربية والعالمية فان الحاجة قد تكون ملحة لاستلهام فكرة هذه الزيارة لتفعيل السياحة الثقافية عبر استضافة شخصيات ثقافية عالمية وتنظيم فعاليات سياحية ثقافية على مستوى رفيع بامتداد الوطن الذي كان ومازال حاضرا في اهتمامات ووجدان ابرز المثقفين في العالم. وحظت زيارة اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي نجم فريق برشلونة الأسباني والذي يوصف بأنه "افضل لاعب كرة قدم في العالم" لمصر بكثير من الطروحات بعضها له صبغة ثقافية واضحة فيما اكد العديد من المعلقين على التأثير الايجابي لهذه الزيارة فيما يتعلق بتنشيط السياحة على وجه العموم. واذا كان ليونيل ميسي يتمتع بشعبية كبيرة على مستوى العالم بوصفه احد اساطير "الساحرة المستديرة على امتداد تاريخها المديد" فان بالوسع ايضا استضافة نجوم في سماء الفن والثقافة العالمية من اصحاب الشعبية الكبيرة لمصر ضمن خطة مدروسة لتفعيل السياحة الثقافية وبروح "الطاقة الايجابية" . وفيما لم يجانب الصواب هؤلاء المعلقين الذين قالوا ان "صورة لميسي امام الأهرامات تساوي الكثير وقد تشكل افضل الجهود الترويجية للسياحة المصرية في الآونة الأخيرة" فان الأمر ذاته قد ينطبق على "صورة مماثلة للأديب البرازيلي باولو كويلو او الفنان الأمريكي بوب ديلان الحاصل في العام الماضي على جائزة نوبل في الآداب". فمثل هؤلاء النجوم في عالم الأدب والثقافة والفن لهم ملايين وملايين المعجبين في شتى انحاء العالم وهم يشكلون جزءا هاما من صورهم الذهنية وتصوراتهم بناء على صور واخبار نجومهم ومن ثم فزياراتهم لأي بلد تحقق لهذا البلد الكثير من العائدات المنظورة وغير المنظورة ناهيك عن مصر التي تعد اغنى بلدان العالم في تراثها من الآثار ومدهشات وعجائب التاريخ الانساني. ولاريب ان وزارة الثقافة يمكنها ان تكون طرفا رئيسا في منظومة مؤسسية متكاملة لتفعيل السياحة الثقافية في مصر برصيدها الحضاري الثري وقد تتمثل هذه المنظومة المؤسسية في "المجلس الأعلى للسياحة" الذي يضم عدة وزارات. ولعل السياحة الثقافية بفعالياتها ومهرجاناتها يمكن ان تسير جنبا الى جنب في هذه المنظومة المتناغمة مع "السياحة الرياضية" التي تمضي بقوة في وقت تستعد فيه مصر لاستضافة 62 بطولة رياضية دولية وعربية وافريقية خلال الأشهر المقبلة من العام الحالي. وكان وزير الشباب والرياضة خالد عبد العزيز قد اوضح ان استضافة مصر لهذه البطولات تأتي تفعيلا لقرارات المجلس الأعلى للسياحة لافتا في تصريحات منشورة الى ان استضافة سبع بطولات رياضية عالمية ستسفر عن "اشغال اكثر من 15 الف ليلة سياحية في الفنادق المصرية". ولئن قال وزير الثقافة حلمي النمنم في سياق اختتام "مهرجان الشروق لابداع الشباب" مساء الأربعاء الماضي بدار الأوبرا ان "التحدي الحقيقي يتمثل في تأسيس الفعاليات بشكل قوي وصحيح" فان هذه المقولة ينبغي تطبيقها عمليا في مجال السياحة الثقافية وبما يتوافق مع معايير الزمن العالمي ومتطلبات التعامل مع الضيوف الأجانب التي ستجد في المخزون الأصيل للقيم المصرية مايكفي. والثقافة الوطنية المصرية التي قدمت امثلة مضيئة في دعم المشاريع النهضوية الدولة مثلما كان الحال في ستينيات القرن الماضي عندما زار الأديب والمفكر الفرنسي جان بول سارتر مصر على سبيل المثال مدعوة الآن للقيام بهذا الدور البناء وتضافر الجهود داخل وزارة الثقافة وخارجها على مستوى النخب الثقافية المصرية لمساندة كل مايخدم ويروج للسياحة الثقافية بعد ان عانت السياحة عموما من هجمات غادرة للارهاب الآثم. ومن نافلة القول ان انجاز مشروع عملاق للصناعات الثقافية الابداعية كجزء من رؤية وطنية شاملة لتطوير المشاريع الثقافية في ارض الكنانة انما يخدم في المقام الأول "السياحة الثقافية" بقدر مايتطلب تآزر الجهود من جهات متعددة متصلة بمجال "المنتجات الثقافية" بما يتطلبه ذلك من خيال خلاق وافكار للتحديث ومراكز للتعليم والتدريب. . وواقع الحال ان هناك حاجة لتعزيز مايمكن وصفه بثقافة السياحة في مصر والاستفادة من خبرات هامة في هذا المجال لعلها تتجلى في دول بحر متوسطية اسبانيا وفرنسا واليونان وقبرص مع التنويه بحقيقة اساسية تتمثل في اهمية السياحة الثقافية في هذه الدول وغيرها في عالم اليوم فضلا عن الدور المحوري للسياحة في دعم التواصل الثقافي بين الشعوب والأمم و اهميتها غير المنكورة على صعيد الاقتصاد. وفي سياق دعوته لتأسيس مايصفه "بمتحف مصري مفتوح ينثر الحضارة وينشر الجمال" عبر تزيين ميادين مصر" بلد الحضارة الفرعونية " بأعمال فنية وقطع اثرية فرعونية كان الناقد الرياضي والكاتب حسن المستكاوي قد اعاد الى الأذهان انه في دول مثل اليونان توضع مجرد قطعة حجر ضخمة في ميدان ما "وتسلط عليها الأضواء ليلا وتراهم يفخرون بالحجر باعتباره اثرا". وهناك ايضا في ادبيات العالم المعاصر تأكيدات على أهمية "الدبلوماسية الثقافية" التي تحقق التواصل الايجابي بين الدول والأمم ومصر مؤهلة للقيام بدور كبير في هذا السياق باعتبارها من المنظور التاريخي-الثقافي طرف اصيل في صياغة وجدان الانسانية والضمير العالمي ولها صدقيتها وجاذبيتها لدى العديد من المثقفين في العالم. وبحكم عبقرية المكان وثراء التاريخ فان مصر تستطيع دخول عصر الصناعات الابداعية من اوسع الأبواب لهذه الصناعات التي تتيح بيئة جاذبة للسياحة الثقافية فيما لهذه الصناعات الابداعية المتصلة بالتراث الثقافي ان تعبر عن شخصية مصر ومواهب المصريين بقدر ماتسهم في دعم القوة المصرية الناعمة. وفي وقت يكثر فيه الحديث عن "الهامات زيارة ميسي لمصر" فالسياحة الثقافية بحاجة دوما لالهامات بقدر ماتشكل هي ذاتها الهامات للآخرين دون اغفال للجوانب التجارية والابعاد الاستراتيجية والامكانات الاستثمارية في قطاع امسى يشكل احد اهم مصادر القوة الناعمة لأي دولة كما انه يشكل قوة للاقتصاد الكلي. والأمر ليس بعيدا عن "اقتصاد المعرفة" او "الاقتصاد الجديد" الذي يتجاوز "كحالة متداخلة ومركبة" الاقتصاد الكلاسيكي بآلاته الثقيلة وخطوط انتاجه النمطية فيما يتفاعل العقل الانساني مع العقل الالكتروني في بنى شبكية قوامها الابداع الذي يستلزم دوما حرية التفكير. ومصر بمعطياتها التاريخية وتطوراتها وطابعها المنفتح على العالم تشكل موئلا طبيعيا لتكوين كوادر تعمل في مجال السياحة الثقافية وتمتلك مهارات جديدة ومرتبطة باقتصاد العولمة الجديد وبصورة تتوافق مع الحاجة الى "عقل جديد وتفكير جديد وخيال جديد". فلم تعد الطرق التقليدية في التفكير والتعبير والسلوك صالحة لهذا العصر الجديد او القرن الجديد الذي تدعو معطياته للاهتمام بالسياحة الثقافية وبناء" مدن ابداعية جديدة تهتم بالصناعات الثقافية والابداعية" حتى تصل مصر لمكانتها المرجوة المرموقة السامية والتي هي دون شك جديرة بها. والصناعات الابداعية من خصائصها جذب الزوار ومن ثم فبمقدورها ان تنهض بدور كبير لدعم السياحة الثقافية وتفعيل افكار ومقترحات لمحللين ومعلقين بشأن الاستغلال السياحي الأمثل ومن بينها اقتراح باعداد برامج سياحية تشمل برامج قصيرة ليوم او يومين لزيارة المعالم السياحية في القاهرة والجيزة والتسوق من مراكز تجارية كبرى بمنطقة القناة تعرض منتجات ابداعية مصرية . ومن نافلة القول ان دعم السياحة الثقافية يعني دعم "القوة الناعمة لمصر" بقدر ماينطوي على مكاسب اقتصادية تحققها بالفعل الدول التي قطعت اشواطا بعيدة على هذا المضمار. واذا كانت السياحة الثقافية تستفيد من الصناعات الثقافية الابداعية فهي ايضا تنشطها كقطاع في الاقتصاد يتضمن مجالات شتى مثل الفن التشكيلي والتصميمات والحرف اليدوية والعاديات والتحف والأزياء والأفلام والفيديو والتصوير الفوتوغرافي والألعاب التفاعلية والاعلانات والبرمجيات والموسيقى ويهتم بشكل جذري وحاسم بالابتكار خاصة مايتعلق "بالأدوات والشبكات". وتوجيه الاهتمام نحو السياحة الثقافية يمكن ان يجعل من "مصر المبدعة"مركزا او محورا لمنطقة تشكل قلبا ثقافيا عالميا جنبا الى جنب مع كونها قلبا صناعيا وتجاريا وسياحيا في عالم القرن الواحد والعشرين وبما يحقق العائد الأمثل من استغلال الموقع العبقري لمصر الخالدة. و الأرقام الدولية المجمعة والمنشورة تفيد بأن حجم السلع والخدمات الثقافية المصدرة سنويا يقدر بنحو 640 مليار دولار وتستحوذ الولاياتالمتحدة وحدها على نحو 142 مليار دولار من صادرات هذه السلع والخدمات الثقافية وبشكل مايفوق ماتصدره من سلع وخدمات في مجالات الزراعة والطيران. والسياحة الثقافية في العالم المعاصر قائمة على التفكير بصورة غير تقليدية وانتاج افكار جديدة بعيدا عن النمطية ولعل دولة كأسبانيا تجسد معنى "السياحة الثقافية " بمتاحفها التي تستضيف عشرات اللوحات لأشهر الفنانين عبر التاريخ الانساني مثلما حدث عندما استضافت معرضا لأعمال الفنان الايطالى رفاييل سانزيو احد اعظم فنانى عصر النهضة والذى تمكن فى سنواته الأخيرة من ان يكون "الرسام الأكثر تأثيرا فى الفن الغربى". ومثل هذه الفعاليات تكون دوما موضع اهتمام الصحافة الثقافية العالمية ومن الطبيعي ان تجذب المزيد من السياح لأسبانيا على سبيل المثال ومن هنا فثمة ضرورة لتطوير وتحديث خطط العمل من حين لآخر على اساس وطيد من قاعدة بحثية فضلا عما تتيحه فرص التواصل المباشر مع الزبائن من التعرف على الاتجاه الذي ينبغي ان نحشد فيه طاقاتنا. ولئن كانت منظمة اليونسكو المعنية عالميا بالثقافة قد اختارت ان تعرف الثقافة بأنها جماع السمات المادية والفكرية والاجتماعية وتشمل الفنون والآداب وطرق الحياة معتبرة انها وسيلة الانسان للتعبير عن نفسه والتعرف على ذاته فان هذا التعريف يوميء لأهمية الثقافة ضمن اي مشروع للتقدم بقدر مايشير لمعان غير بعيدة الصلة بمفاهيم السياحة الثقافية. والمصريون صناع حضارة بالفطرة وتخصيص حيز مناسب للاهتمام بالسياحة الثقافية انما يعبر عن هذه الحضارة بقدر مايخدم حركة التنمية ويشكل مصدرا هاما للدخل القومي..انها مصر الملهمة التي تشكل اسطورة عشق وتميمة محبة لكثير من المثقفين في العالم.