تجربة جديدة شرعت فيها ندوات معرض الكتاب هذا العام وهي إعادة قراءة كتب التراث الإسلامي، كما جاء في ندوة "قراءة في كتاب إحياء علوم الدين" التي أقيمت في معرض الكتاب الدولي يوم الأحد 29 يناير 2015. وفي الندوة شرح الدكتور فتحي حجازي، استاذ البلاغة بجامعة الأزهر أهمية كتاب الإمام أبو حامد الغزالي "إحياء علوم الدين"، قائلاً، إنه أشهر آثار الإمام الراحل عام 505 ه.، مشيرًا إلى قول صاحب كتاب "كشف الظنون" عن الكتاب "من أجلّ كتب المواعظ، وأعظمها، حتى قيل فيه: إنه لو ذهبت كتب الإسلام، وبقي الإحياء أغنى عما ذهب". وأوضح حجازي أن الغزالي بنى كتابه على 4 أقسام، كل ربع مقّسم إلى عشرة كتب، على النحو الآتي: ربع العبادات، ربع العادات، ربع المهلكات، ربع المنجيات. وذكر مواضيع شتى في تلك المباحث، منها: العلم، آداب الأكل، شرح عجائب القلب، التوبة، قواعد العقائد، آداب النكاح، رياضة النفس، تهذيب الأخلاق، الصبر والشكر، أسرار الطهارة، آداب الكسب والمعاش، آفة الشهوتين، الخوف والرجاء... وغيرها. ويضيف حجازي، أن كتاب الغزالي من أجل كتب الإسلام في معرفة الحلال والحرام، جمع فيه بين ظواهر الأحكام، ونزع إلى سرائر دقت عن الأفهام، لم يقتصر فيه على مجرد الفروع والمسائل، ولم يتبحر في اللجة بحيث يتعذر الرجوع إلى الساحل، بل مزج فيه علمي الظاهر والباطن، وبين معانيها في أحسن المواطن، وسبك فيه نفائس اللفظ وضبطه، وسلك فيه من النمط أوسطه، مقتدياً بقول علي كرم الله وجهه: خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي. كما قال النووي: كاد الإحياء أن يكون قرآنًا. وتابع حجازي: من أراد طريق الله وطريق رسول الله وطريق العارفين بالله وطريق العلماء بالله أهل الظاهر والباطن، فعليه بمطالعة كتب الغزالي خصوصاً "إحياء علوم الدين" فهو البحر المحيط. واحتوى كتاب الإحياء على كثير من الشِّعر، وقد جمعه صالح الشاعر في كتاب "المختارات الشعرية لأبي حامد الغزالي من كتاب إحياء علوم الدين". وعبر الغزالي عن قيمة في قوله: "القلوب وإن كانت محترقةً في حبِّ الله فإنَّ البيت الغريب يهيّج منها ما لا تهيج تلاوة القرآن، وذلك لوزن الشِّعر ومشاكلته للطِّباع، ولكونه مشاكلاً للطَّبع اقتدر البَشَر على نظم الشِّعر، وأمَّا القرآن فنظمه خارجٌ عن أساليب الكلام ومنهاجه، وهو لذلك معجزٌ لا يدخل في قوَّة البشر؛ لعدم مشاكلته لطبعه- بحسب حجازي. تحذير من قراءة التراث من جهته حذر الباحث طارق أبو هشيمة، من قراءة كتب التراث من قبل الأجيال الحالية بدون العلماء، حتى لا يفهم ظاهر النص دون هدفه الحقيقي، مايؤدي إلى تبني هؤلاء الشباب لفكر متطرف يكفر هذا ويخلع على ذاك صفة الإيمان. واضاف أن ما وجه للإمام الغزالي من انتقادات لكتابه إحياء علوم الدين من إيراده لأحاديث ضعيفة وموضوعة أو إيراده لآراء الفلاسفة والمناطقة أراها تماثل ما وجه لإمام المفسرين ابن جرير الطبري من أنه جاء في تفسيره للقرآن بروايات بنبي إسرائيل. وبين أن وجهة نظره أن العالمين كانا راصدين لكل تلك الروايات، فليس بمعقول أن يلتبس عليهما ضعف هذه الروايات أو تلك وهما من هما فكثير من كتب التراث جاء بالصحيح والضعيف وبين حكمهما.. كما أن هذه الطريقة في التصنيف أعطت الفرصة لمن يأتي بعدهم بقراءة هذا التراث وتفويت الفرصة على من يدلسون على الناس بأن يفردوا لهذه الروايات الضعيفة مصنافات ويقدمونها للناس على أنها صحيحة فيقع الجميع ضحية هؤلاء المدلسين. وحذر هشيمة ان الهجوم على التراث الغاية منه الهجوم على ثوابت الأمة، ودعوات هدم التراث وبناء تراث جديد يناسب العصر دعوات خبيثة، لكن هذا لا يمنعنا أن نقول أن هذه الإرث الضخم من التراث بحاجة إلى مراجعة وإعادة قراءة ليتناسب مع العصر. قدم الندوة هاني الضو وعقدت الندوة في قاعة سهير القلماوي، إحدى قاعات الجناح الرئيسي بمعرض الكتاب.