خلق فوز دونالد ترامب برئاسة الولاياتالمتحدة، مأزقا كبيرا للعديد من بلدان العالم الكبيرة والصغيرة على حد سواء ، لتبدأ جميعا في اعادة حساباتها وترتيب أوراقها وفق النظام العالمي الجديد الذى ترسمت ملامحه في البرنامج الانتخابي للمرشح الجمهوري، ولعل حديثه عن رؤيته لمستقبل الاسلام السياسي كان احد ابرز النقاط التي قد تحدد شكل المنطقة العربية مستقبلا. وتعد تونس إحدى أهم الدول المعنية بالتداعيات المحتملة لفوز ترامب، لاسيما فيما يتعلق بوضعية حركة النهضة الإسلامية التي تلعب دورا اساسيا في الحياة السياسية التونسية من خلال استحواذها على 69 مقعدا بالبرلمان البالغ عدد أعضائه 217 نائبا ، و4 وزراء في الحكومة من اجمالي 26 وزارة . ويقول الدكتور أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري بجامعة سوسةالتونسية في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الاوسط أنه ورغم التحفظات التي نبديها على حركة النهضة الاسلامية في تونس ونهجها الا انه من السابق ايضا لاوانه الحديث عن طبيعة العلاقات التونسيةالامريكية مستقبلا أو حتى الامريكية مع اية دولة في العالم في عهد ترامب حيث ان الوعود الانتخابية شئ والممارسة السياسية شئ مختلف. ولفت إلى أن ترامب لن يحتكر السلطة بمفرده كونه رئيسا لامريكا فهناك كونجرس وأجهزة وتوازنات دولية ومصالح لبلاده يجب ان يضعها في الاعتبار ، كما ان العالم ينتظر معرفة شخصية وزير الخارجية الامريكي الذي سيحدد ايضا بشكل كبير كيف ستكون علاقات امريكا بالخارج بشكل عام وموقفها من الاسلاميين على وجه التحديد. وتوقع ان تختلف طبيعة العلاقات الخارجية الامريكية وتعاملها مع الملفات الدولية في عهد ترامب عما كانت في عهد الرئيس الحالي باراك اوباما لكن علينا ان ننتظر لنرى. وأشار محفوظ إلى أنه وبغض النظر عن مجئ ترامب أو غيره فإن على حركة النهضة التونسية ان تجري مراجعات على مبادئها وليست تعديلات ظرفية وأن تتأقلم بشكل أكبر مع دولة القانون والمؤسسات وتزيل كل ما هو ارتباط ديني بما هو سياسي. وأضاف أن حركة النهضة مارست السلطة لبعض الوقت، وتيقنت ان المجتمع التونسي له خصوصيته واكثر من 50 في المائة يرفضون مبادئها حتى لو كان الرافضون لهم توجهات مختلفة وليسوا على ارضية واحدة لكن يجمعهم رفض تعميم مبادئ النهضة. واعتبر أن قيادات حركة النهضة الحاليين الذين عاصروا كثيرا من الحقب والمراحل السياسية باتوا اكثر خبرة في التعامل مع الاحداث ، ويبقى عليهم أن يفتحوا قنوات اتصال حقيقية مع اجيالهم الشابه التالية بهدف التوعية وارساء منهجية اكثر مرونة في الفكر قادرة على تقبل أراء وتوجهات الاخرين. ولفت أستاذ القانون الدستوري بجامعة سوسة إلى أن قيادات حزب النهضة بذلوا بعض الجهد المحمود في الفترة الماضية للتأكيد على انهم حزب سياسي ووافقوا على عدم ادراج الشريعة الاسلامية كمصدر للتشريع في الدستور وهي بادرة طبية لم تحدث في غالبية بلدان المنطقة من التيارات الاسلامية المشابهة، حتى وان جاءت بضغط من المجتمع التونسي، لكن يبقى امامهم الكثير لتحقيقه نحو الفصل الفعلي للخطاب الديني والدعوى عن الخطاب السياسي والا يكون التغيير الحاصل حاليا ظرفيا بل في المبادئ ذاتها. ونبه الى ان تونس قامت خلال الفترات الماضية بمجهودات كبيرة في التعامل مع ملف الاسلام السياسي وماضيه نحو اجباره على الابتعاد عن الحياة السياسية، لكن في نفس الوقت يجب خلق ضغط على اي جهات خارجية تسعى فرض برامج على المجتمع بعدم العمل على زعزعة استقرار تونس. ويرى النائب في البرلمان عن حركة النهضة والوزير السابق بالحكومة التونسية سليم بسباس ان اختلاف الشخصيات والاحزاب التي تتبادل على رئاسة امريكا لا يعني تغييرا جذريا في ثوابت علاقاتها الخارجية ، وعلاقة الولاياتالمتحدة بالمنطقة العربية لها بعد استراتيجي ومختلف نظرا لطبيعة المنطقة الجغرافي والسياسي والديني. وأضاف انه ليس من مصلحة امريكا ولا أي جهة زعزعة الاستقرار الحاصل في تونس أوالتوافق بين التيارات السياسية حاليا، كما أنه لا يوجد اختلاف بين ما أعلنه الرئيس الامريكي الجديد في حملاته الانتخابية من محاربته للارهاب الديني وبين توجه حركة النهضة في تونس. وأكد أن حركة النهضة تضع محاربة الارهاب والتطرف الديني في طليعة أولوياتها وكانت أول حزب إسلامي يعلن أن تنظيم انصار الشريعة تنظيما ارهابيا، ما يعني ان حركة النهضة ليست هي المعنية بالوعيد الذي اطلقه ترامب ، فنحن متوافقون معه في الهدف الاساسي وهو محاربة الارهاب والتطرف الديني ، وهذا يزيد اطمئنانا على ان الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من التعاون بيننا في محاربة الارهاب. من جهته، يقول سليم لاغوني الخبير السياسي ان طبيعة الحكم في تونس الان تبدلت واصبح التيار المدني هو الحاكم بقيادة الرئيس الباجي قائد السبسي، وهو ما يعني انه لا مأزق يحوم حول مستقبل البلاد، والرئيس السبسي أكد في خطابه لترامب مواصلة تونس محاربة الارهاب، بما يعني انه لاخلاف بين توجهات تونس وتوجهات امريكا في ظل إدارة ترامب. وأضاف أن حركة النهضة تحولت من حركة اسلامية في السابق وانتزعت جلبابها الديني لتتحول إلى تيار مدني سياسي وهو ما يصر قادة الحركة وزعماؤها على تأكيده مرارا وتكرارا كما أن هناك تحالفا وطنيا بين النهضة وبقية الاحزاب من اجل استقرار تونس. ويقول وناس لاغة المسئول بحركة النهضة بولاية المنستير الساحلية إن تعامل الغرب مع الاسلام السياسي واحد لكن هناك اختلافات في الاسلوب، وهو ما يعني انه حتى لو كانت هيلاري كلينتون تبدي ظاهريا تفهمها للتيارات الاسلامية الا انها في الباطن تكن اشياء اخرى. وأضاف ان تونس نجحت خلال السنوات الاربع الماضية في ايجاد حالة من التوافق بين التيارات السياسية كافة سواء المدنية او العلمانية او الاشتراكية او تلك التي كانت ترفع شعارات اسلامية. وأوضح أن حركة النهضة غيرت تماما في السنوات الاخيرة ومن قبل مجئ ترامب من لغة ولهجة واساسيات خطابها الى الخطاب المدني بعيدا عن الخطاب الديني، حيث فصلت بين الخطابين بشكل تام الان وهو ما ادى الى نجاحها في المساهمة في استقرار تونس خلال العامين الماضيين. وقال لاغة إن الفكر النهضوي تغير بشكل كامل في السنوات الاخيرة ضاربا مثالا بان هناك تعامل بين مسئولين في النهضة ويهود في تونس، كما ان محرزية العبيدي وهي قيادية بارزة في النهضة زارت قبل سنوات مصنعا للخمور في فرنسا في زيارة علنية وهو ما يؤكد على التغير في الخطاب لدى الحركة. وأشار الى ان التوافق في تونس الان هو السمة الابرز حيث وضعت النهضة يدها في يد "نداء تونس" والاحزاب الاخرى من اجل دولة تونس، ولا يوجد رغبة لدى أي طرف في الاستحواذ على كل شئ واقصاء الاطراف الاخرى. واستبعد ان تستقوي الاحزاب المدنية العلمانية في تونسبامريكا وترامب من اجل اقصاء النهضة من العمل السياسي ، لان الامر لا يستدعى ذلك من الاساس حيث ان الحاكم حاليا هو رئيس مدني ورئيس الحكومة مدني ورئيس البرلمان مدني وتونس دولة مدنية وهناك توافق بين كافة التيارات السياسية والحزبية على ذلك ولا احد من داخل تونس يريد ان يعود عدم الاستقرار الى تونس. وأكد على اهمية وحدة الصف التونسي من اجل استكمال مسيرة النمو خاصة ان البلاد تعاني من اوضاع اقتصادية صعبة ولا حاجة الى خلق مزيد من الصعوبات. وتقول ايمان سليم الباحثة السياسية ان حركة النهضة دأبت ومنذ عام 2013 على اجراء اصلاحات جوهرية في الخطاب السياسي وربما في الاستراتيجيات بعد سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر، مشيرة الى ان قياديي الحركة يؤكدون مرارا وتكرارا على مدنية الحركة وحزبها السياسي. وأضافت أن هذا التعامل كان ذكيا منهم، من اجل احداث توافق في الحياة السياسية في تونس والمشاركة في البرلمان والحكومة، حتى لا يكون مصيرهم مثل مصير اخوان دول اخرى.