ونقصد بها الفتنة التي تهز عوام المسلمين وتجعل الحليم حيران وإذا ما أقبلت احتار فيها اللبيب وإذا أدبرت لا تخفى على عوام الناس. ونضرب أمثلة للتوضيح فمن أوائل الفتن التي تعرض لها المسلمون هي فتنة الحاكمية والحاكمية لله لا ينازع فيها أحد إلا أن الخوارج وهم طائفة من المسلمين قد ظهرت في عهد سيدنا على رضي الله عنه قد نازعوا فيها . وللتبسيط فإن تلك الفرقة قد تأولت آيات الكفار التي نزلت في الكفار فوضعتها في المسلمين وذهبت تفهم آيات الله فهما يخالف فهم الصحابة فاحتجت بكل آيات الحاكمية مثل {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ }الأنعام57. وقوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة44 . وقوله تعالى {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }المائدة47 . فخرجوا على الإمام سيدنا علي رضي الله عنه متأولين وغير مكذبين للقرآن وتصوروا أنهم ينصرون الدين وأخذوا بيعة لإمامهم في غفلة عن جموع المسلمين يدينون له بالسمع والطاعة وكانت لهم أدبيات تحض على البذل والفداء والاستهانة بالأعداء الذين هم المسلمون المخالفون لهم ورفعوا من شأن العبادات وذلك حسن إلا أنهم حقروا من شأن عبادات المسلمين الآخرين وكانت لهم صولات وجولات في الفداء وضربوا المثل في قتال الفئة الكثيرة وهم قلة وحققوا بعض الانتصارات وعلى مر التاريخ تحققت لهم ولايات ودول . وفتنة الخوارج قد حيرت عموم المسلمين فهم أعبد الناس وأكثرهم قراءة للقرآن وهم مجاهدون من الدرجة الممتازة . وهم زاهدون في الدنيا يلبسون الخشن من الثياب واحتار الناس فيهم فهم يرفعون شارات الإسلام وشعاراته . ولقد تميزوا عن باقي المسلمين بدعوى رفضهم لإمام المسلمين وسلوك عوام المسلمين وقالوا إن الحكم إلا لله إلا أنهم في الحقيقة كانوا يقصون المخالف لأفكارهم ولا يعتبرون إلا لمن أدى البيعة لإمامهم والتزم الولاء لجماعتهم وكأنهم يقولون إن الحكم إلا لجماعتنا . والمسلمون كما تعلمون متكافئون في الواجبات و الحقوق ولكن الخوارج أوجبوا على أفرادهم حقوقا لجماعتهم وبالتالي أضافوا لهم حقوقا تتفوق على باقي المسلمين . وكانت فتنة الخوارج تنتشر بين العوام والخواص فظهر لهم أدباء وشعراء وثبت لتلك الفتنة علماء الأمة يبينون للناس الذي اشتبه على عوامهم من ظواهر الآيات وتأويل المتأولين وكان قتالا شرسا بين جماعة خاصة وعوام الناس وأئمتهم . ولا يفوتني أن ُأذكر بفتنة أخرى وهي فتنة المعتزلة في خلق القرآن ودعوتهم أن القرآن مخلوق حتى يهربوا من قول أن القرآن غير مخلوق فيشابهوا قول النصارى في أن سيدنا عيسى عليه السلام غير مخلوق ولقد تصدى لهم الإمام أحمد بن حنبل بقوله كلام الله ولا أزيد ففي العبادة الأصل التوقيف وليس الاجتهاد . وكانت حجة المعتزلة رفع شعار التوحيد حتى لا ُيشرك بالله وكذلك كل فرقة خرجت على عموم المسلمين بفهم خاص وأدبيات خاصة تميزهم عن عموم المسلمين وعلمائهم . ولعلي أذكر الشيعة فتحت عنوان حماية البيان للشريعة وهداية المسلمين قالوا لا بد من وجود إمام معصوم يعصم الأمة من الزلل حملوا ظاهر الآيات على تحديد الإمامة لعلي رضي الله عنه خليفة للمسلمين واتهموا عموم الصحابة على الاتفاق ضده واتهموه باستخدام التقية حتى يستقيم لهم الأمر وتأولوا الأحاديث تحت عنوان حماية الشريعة فجعلوا أئمتهم معصومين وهم قد أخذوا بيعة لأئمتهم لا دخل لها بباقي المسلمين . ونسوا أن العصمة كانت دوما للسواد الأعظم من المسلمين فنحن لسنا بحاجة إلى مفاهيم جديدة للإسلام فالإسلام فينا منذ الفتح الإسلامي ولو تمكن منا الفاطميون لفترة أو غيرهم فهي فتنة إلى انقضاء بإذن الله وعليكم بإيمان العجائز .