قال تعالي"قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" طه:50 إن الله تعالي لم يخلق في الكون شيئا عبثا بلا فائدة، أو بدون أن يخلق له المقومات التي تناسبه ليعرف كيف سيعيش، وهذا يؤكد كذب نظرية التطور التي تقول بأن المخلوقات إنما تكتسب طرق عيشها ومقوماتها بالتعايش مع غيرها ومن ثم تتطور إلي معرفة كيف تعيش، إذ الكائنات الحية كلها تتحرك بالفطرة التي خلقها الله بها من قبل أن تولد، مستخدمة خلال ذلك ما أنعم الله عليها من ميزات تيسر لها حياتها، ومن هذه الكائنات بل وأغربها "أسماك السلمون التي تدهش العقل بفطرتها الرائعة، فهي أكثر المخلوقات تسليما للقدر، لأنها تموت كي تترك غيرها يعيش، وغيرها يموت ليترك آخر ليعيش وهكذا تستمر حياة السلمون بالتضحية.
تعيش أسماك السلمون علي شواطيء الأنهار في غرب أمريكا الشمالية ، وتعد أغرب الرحالين في العالم، تبدأ حياتها عندما تضع الأمهات البيض في المياه الجارية ولا تنس الأم أن تضع كيسا من الطعام مخصص لتغذية الصغار داخل البيض ليكون أول طعام لها حتي تنمو وتعتمد علي نفسها في جمع غذائها بعد عدة أسابيع من خروجها من البيض، يستمرعيشها هكذا وتنمو خلال العام في المياه الجارية.
زودت السلمون ببنية قوية قادرة علي التكيف مع الميام العذبة والمالحة، ولعل الدقة في الخلق وراء الرحلة التي ستقوم بها، ففي صباح ربيعي تبدأ السلمون بالهجرة علي طول النهر وتصل بعد أسابيع عديدة إلي مكان فسيح رائع وهو المحيط الهادي، وبمجرد وصولها تحدث تغيرات بنيوية في نظامها الوراثي، فيتكيف جسمها مع المياه المالحة بسرعة هائلة، وتقطع بعدها مسافات في المحيط طوال السنة وقد تمتد مدة أربع سنوات.
في نهاية هذه الرحلة تكون قد كبرت وأصبحت جاهزة لمهمتها الأخيرة في الحياة وهي العودة إلي المجري المائي الذي ولدت فيه منذ سنوات، تري كيف ستعود إليه؟ ومن سيدلها علي الطريق الصواب الذي ستسلكه داخل المحيط الفسيح مرورا بالبحر ثم وصولا إلي المجري الذي ولدت فيه؟
تبدأ السلمون السباحة في الاتجاه المعاكس ضد تيار الماء ، لايثنيها قوة الأمواج أو اتساع المحيط، تستعين بالقفز لتتخطي العقبات، تستمر رحلتها لتقطع مسافة 3200 كم لا تأكل شيئا معتمدة علي ما ادخرته أثناء وجودها في البحر، لتصل دون تردد إلي النهر ومن ثم إلي المجري المائي الذي ولدت فيه منذ سنوات مضت وتضع فيه بيضها وتكون هذه نهايتها حيث تموت بمجرد وضع البيض.
والآن نجيب عن الأسئلة السابقة، بينت البحوث العلمية أن السلمون خلقت مع نظام إدراك فريد ليس له مثيل في الوجود، فقد زودت ببوصلات طبيعية لمعرفة الشمال المغناطيسي، ولذا فهي تحدد جهتها بكل دقة داخل النهر دون احتمال للخطأ.
أما بالنسبة لكيفية التعرف علي المجري المائي الذي ولدت فيه من بين آلاف المجاري المائية المتشعبة، أثبتت البحوث أن السلمون لديه أجهزة شم ذات حساسية عالية ، فبعد أن تصل إلي النهر تركز أجهزتها الشمية للتعرف علي رائحة المجري التي حفرت في ذاكرتها القوية، لأن كل ماء جار له مزيج كميائي مميز وبالتالي رائحة مميزة علي الرغم من أن النهر واحد، فسبحان الله الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدى.
هذا الجانب من حياة السلمون، يثبت أن الله تعالي خلق جميع الكائنات ببديل للعقل في الإنسان، إذ الإنسان يعرف بعقله كيف يعيش وكيف يتصرف لتوفير حاجاته إنما الكائنات الباقية لا تمتلك عقلا لتهتدي به ، فكيف للسلمون أن يتم الرحلة بهذه الروعة لولا هداية الله له، ولولا الفطرة التي شاء تعالي ان تولد بها، فسبحان الله.