باقي 9 أيام.. جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي بمحافظة أسوان 2025 (رسميًا)    حقيقة وفاة الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق    مدير الشباب والرياضة بالقليوبية يهنئ الفائزين بانتخابات برلمان طلائع مصر 2025    المستشار محمود فوزي يكشف موعد الانتهاء من قانون الإيجار القديم (فيديو)    وزير الشؤون النيابية يكشف حقيقة "حظر النشر" في قانون الإيجار القديم    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الاثنين 12 مايو    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم كفر اللبد ويعتدي على شاب من ذوي الإعاقة    في تصعيد استعماري خطير... الاحتلال يقرر استئناف تسوية الأراضي بالضفة    ترامب يصف الحرب على غزة بالوحشية    استشهاد 12 شخصا بينهم 4 أطفال بغارة إسرائيلية على خيام للنازحين في خان يونس    بولندا: العالم ينتظر قرارا بشأن وقف إطلاق النار فوراً في أوكرانيا    جيش الاحتلال ينفذ عمليات نسف كبيرة فى رفح الفلسطينية جنوبى قطاع غزة    بعد ضم 5 نجوم.. 3 صفقات سوبر منتظرة في الأهلي قبل كأس العالم للأندية    الوداد المغربي يفشل في الصعود لدوري أبطال إفريقيا الموسم المقبل    مصدر ليلا كورة: صبحي تعافى من الإصابة وجاهز لمباراة بيراميدز    وعكة صحية مفاجئة بسبب الضغط.. أمين صندوق الزمالك يطمئن الجماهير على لبيب    الصراع يشتعل على المقاعد الأوروبية.. جدول ترتيب الدوري الألماني    طقس متقلب يضرب أسيوط.. والمحافظة ترفع درجة الاستعداد- صور    مصوغات ذهبية و15 طعنة.. كشف غموض مقتل طالب في بني سويف    يارا السكري تكشف كواليس دورها في مسلسل فهد البطل.. ماذا قالت؟    أصالة تدافع عن بوسي شلبي في أزمتها: "بحبك صديقتي اللي ما في منك وبأخلاقك"    البترول تعلن شروطها لتعويض متضرري "البنزين المغشوش"    تكليف «عمرو مصطفى» للقيام بأعمال رئيس مدينة صان الحجر القبلية بالشرقية    كيف تأثرت الموانئ اليمنية بالقصف المتكرر؟    حبس وغرامة تصل ل 100 ألف جنيه.. من لهم الحق في الفتوى الشرعية بالقانون الجديد؟    اختفاء فتاتين في ظروف غامضة بالإسماعيلية.. والأمن يكثف جهوده لكشف ملابسات الواقعة    اعترافات صادمة لسائق بسوهاج: سكبت البنزين وأشعلت النار في خصمي بسبب خلافات عائلية    رسميًا.. موعد صرف مرتبات شهر مايو 2025 بعد قرار وزارة المالية (تفاصيل)    المهندس أحمد عز رئيسا للاتحاد العربى للحديد والصلب    خاص| سلطان الشن يكشف عن موعد طرح أغنية حودة بندق "البعد اذاني"    عمرو سلامة عن مسلسل «برستيج»: «أكتر تجربة حسيت فيها بالتحدي والمتعة»    عمرو سلامة: «اتحبست في دور المثير للجدل ومش فاهم السبب»    عاجل- قرار ناري من ترامب: تخفيض أسعار الأدوية حتى 80% يبدأ اليوم الإثنين    مشاجرة عائلية بسوهاج تسفر عن إصابتين وضبط سلاح أبيض    «انخفاض مفاجئ».. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: كتلة هوائية قادمة من شرق أوروبا    نجم الزمالك السابق: تعيين الرمادي لا يسئ لمدربي الأبيض    محمد شيكا يتصدر.. ترتيب هدافي دوري المحترفين بعد نهاية الجولة ال 35    وزيرا خارجية الأردن والإمارات يؤكدان استمرار التشاور والتنسيق إزاء تطورات الأوضاع بالمنطقة    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 12 مايو 2025    ندوة "العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فتاوى دار الإفتاء المصرية" بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    إنتر يترقب.. موقف صراع الدوري الإيطالي بعد تعادل نابولي    مع عودة الصيف.. مشروبات صيفية ل حرق دهون البطن    ينظم سكر الدم.. احرص على تناول هذه المشروبات    القولون العصبي في موسم الامتحانات.. راقب هذه الأعراض    نيللى كريم تشعل أجواء حفل ختام أسبوع القفطان بصحبة حاتم عمور.. فيديو    النائب عصام خليل: أتوقع حدوث نزاعات قضائية حال عدم تعديل مشروع قانون الإيجار    أخبار × 24 ساعة..حقيقة إلغاء الصف السادس الابتدائى من المرحلة الابتدائية    شباب من "أبو عطوة" بالإسماعيلية يطلقون مبادرة شعبية لمواجهة خطر المخدرات    تقى حسام: محظوظة بإنى اشتغلت مع تامر محسن وأول دور عملته ما قلتش ولا كلمة    أمينة الفتوى: لا حرج في استخدام «الكُحل والشامبو الخالي من العطر» في الحج.. والحناء مكروهة لكن غير محرّمة    الاعتماد والرقابة الصحية: القيادة السياسية تضع تطوير القطاع الصحي بسيناء ضمن أولوياتها    وزير الخارجية والهجرة يلتقي قيادات وأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي    جامعة بنها تطلق أول مهرجان لتحالف جامعات القاهرة الكبرى للفنون الشعبية (صور)    الإفتاء توضح كيف يكون قصر الصلاة في الحج    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب    عالم أزهري يكشف سبب السيطرة على التركة من الأخ الأكبر وحرمان الإخوة من الميراث    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نداء نابليون ووعد بلفور و"جنازة بيريز" .. فلسطين ضحية السياسة!
نشر في محيط يوم 05 - 11 - 2016

"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر" . رسالة من وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد بتاريخ 2 نوفمبر 1917.
وعلى مشارف مئوية وعد بلفور المشئوم أصدرت مجلة الهلال المصرية عددا خاصا يعود لجذور النكبة باعتبارها امتداد لحلقة الأطماع الأوروبية بالشرق ، ونظرتهم الدونية تجاه العرب، كشعوب متخلفة تحتاج لمن يديرها. كما ترصد المجلة جذور الحلم بوطن يهودي في فلسطين منذ نداء نابليون الماكر لكسب تأييد اليهود بحملاته للشام ومصر ، وقد خاطبهم قائلا : "أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبه نسبه ووجوده القومي، وإن كانت قد سلبته أرض الأجداد فقط... انهضوا بقوة أيها المشردون في التيه... إن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل... إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، ويمشي بالنصر أمامه وبالعدل وراءه، قد اختار القدس مقرا لقيادته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي استهانت طويلا بمدينة داود وأذلتها. يا ورثة فلسطين الشرعيين.. إن الأمة الفرنسية التي لا تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غيرها، تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء...".
سراب حل الدولتين
في مقال رئيس التحرير، الكاتب الصحفي سعد القرش، "سراب حل الدولتين" يبدو الأسف على مشهد عربي أصبح بعد مرور 99 عاما على وعد بلفور، أكثر ميلا للاستسلام والتحالف المعلن مع العدو، بعد أن كان "التواطؤ سريا" لحماية العروش من الخليج للمحيط.
وقد كرست الأنظمة الغارقة بنكساتها لسراب اسمه السلام مع العدو وراحت تصور القضية باعتبارها صراعا "فلسطينيا – إسرائيليا"، فيما كان الكيان الصهيوني على الطرف الآخر يرفض تنازلاتنا كمقولة "الأرض مقابل السلام" ويستهين باقتراح "حل الدولتين" الذي أطلقته قمة العرب ببيروت 2002، ملوحة بالتطبيع في مقابل دولة فلسطينية على حدود 1967 .
اليوم يرزح العالم العربي تحت وطأة تصدعات عنيفة وقد أجهضت ثورات الربيع منذ نهاية عام 2010، وزاد الأمر سوءً تصاعد نفوذ التيارات اليمينية المتطرفة بعد غياب مفهوم الثورة الواعي بعقول الجماهير.
وعودة لجذور القضية، يستدعي الكاتب ما جاء بكتاب محمد حسنين هيكل "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل" أن اللورد بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا، اقتنع في يونيو 1838 برغبة روتشيلد في "تصدير الفائض" من يهود أوروبا إلى فلسطين، ومساعدتهم على إنشاء شبكة مستعمرات، لكي تصبح عازلا "يحجز مصر عن سوريا، ويمنع لقاءهما في الزاوية الإستراتيجية الحاكمة".
وظلت فلسطين قبلة لليهود، حلما مؤجلا وجائزة كبرى وعدتهم بها القوى الإمبريالية المتنافسة، بدعوى تنفيذ وعد الرب لشعبه المختار، وبهذا الوعد تخلصت أوروبا من الصداع اليهودي، كما استخدمت اليهود أداة عسكرية لعزل شطري العالم العربي.
ويستدعي الكاتب ما جاء في كتاب الدكتور صبري العدل "سيناء في التاريخ الحديث 1869- 1917" من محاولات أن هرتزل تأسيس مستعمرة يهودية برفح ورفض الحكومة المصرية للتنازل عن السيادة.
وعلى الجانب الآخر تنسف د. فدوى نصيرات الرواية المستقرة عن رفض السلطان عبدالحميد القاطع لبيع فلسطين أو تسهيل إقامة مستعمرات بها، برغم تأكيداته المعلنة بذلك، وتدلل على ذلك باستقباله لهرتزل خمس مرات بمطلع القرن العشرين ، وهو ما يشبهه سعد القرش بموقف السادات الذي كرس لسياسات عزلت مصر عن ظهيرها العربي والعالمي الثالث منذ زيارته للقدس نوفمبر 1977 ، فمنح إسرائيل بالسلام ما عجزت عنه بالحرب، وزاد العبء على شعب فلسطين الذي لا يرضيه حكم ذاتي، ولا يقنعه كلام مرسل عن حل الدولتين.
قبل 72 عاما على بلفور
تتفق الكاتبة شذى يحيى أن قادة العرب بممارساتهم السياسية اليوم يؤكدون تأييدهم لمخططات الكيان الصهيوني بالتوغل واحتلال فلسطين، وليس أدل على ذلك من التمثيل الرسمي العربي بل والفلسطيني بجنازة شمعون بيريز أحد آباء العصابات الصهيونية بفلسطين .
وتعود الكاتبة لجذور المخططات البريطانية لتوطين اليهود بفلسطين ، وهو أمر يسبق وعد بلفور بعقود طويلة؛ فبعد محاولات مضنية استطاع اليهود إقناع ساسة بريطانيا بأن توطينهم بفلسطين سيضمن مصالح الإمبراطورية بالشرق، وبالفعل تشكلت في 1818 أول جمعية لإحياء الأمة اليهودية في فلسطين، وقاد جهودها اللورد شافتسوري واللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا من 1830 إلى 1851 ، وكان كلاهما مسيحيا صهيونيا يؤمن كل منهما بضرورة عودة "أمة العهد إلى أرض صهيون؛ لتتحقق العودة الثانية للمسيح وتحل مملكة الله على الأرض " برغم احتقارهم النفسي لليهود كما تشير رسائلهما.
ولذلك ضغط بالمرستون بعد مساعدته للعثمانيين في إبعاد المصريين عن الشام وتخليصها لهم من الإدارة المصرية تحت حكم محمد علين لتنفيذ شيئين.. الأول هو إنشاء قنصلية بريطانية في القدس عام 1838، والثاني هو تعزيز وتشجيع استيطان اليهود الأوروبيين في الأراضي المقدسة .
وراح يقنع السلطان العثماني بأن توطين اليهود سيكون ضمانة لمنع توغل محمد علي بفلسطين ، كما استغلوا حاجة العثمانيين للمساعدة في حرب القرم ضد روسيا، لتغيير الأوضاع على أرض فلسطين، ولتتشكل أول مستعمرة يهودية بالقرب من القدس عام 1854، ولتعطي الدولة العلية لرعاياها اليهود للمرة الأولى الحق في حيازة الأرض فاتحة بذلك المجال لمستعمرات أخرى .
ومع افتتاح قناة السويس للملاحة عام 1869 برعاية فرنسية وعدم رضا بريطاني زادت أهمية فلسطين كحد شمالي للقناة ينبغي من وجهة النظر البريطانية ألا يترك نهبا لأمم معادية ، مما دفع بريطانيا لتشجيع "العاليا الزراعية " عام 1880 أي العودة الأولى لليهود لوطنهم الأول في فلسطين برعاية وتمويل اللورد روتشيلد، وقبلها بعامين في عام 1878 أنشئت أول مستوطنة منظمة على أرض فلسطين باسم "بتاع تكفا" ولقبت بأم المستوطنات، وهذا ما دفع بريطانيا أيضا لاحتلال مصر عام 1882، وأنشأت في فلسطين المستوطنة الكبرى الثانية "ريشون لي صهيون" وأغلب قاطنيها من اليهود الروس ومن بعدها قرية "زمارين" اليهودية التي سكنها يهود رومانيون زورت أوراقهم ليصبحوا رعايا للدولة العثمانية.
وهكذا أصبح تعداد اليهود في فلسطين بحلول عام 1897 تاريخ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ما يقرب من 24 ألف يهودي واستعان الصهاينة بالرشاوى وفساد الموظفين وطمع العثمانيين في بيع الأراضي التي ملكوها عنوة في فلسطين بالتحايل على قوانين الدولة العثمانية التي لم تكن تسمح بتملك الأراضي لغير رعايا الدولة.
ثم بدأ الوافدون في مطلع القرن العشرين ببناء المصانع وتعبيد الطرق واستيراد الآلات من أوروبا ليظهروا أمام العالم أنهم قادرون على إنشاء دولة متحضرة على الطراز الأوروبي في أرض الميعاد .
وتشير الكاتبة بعد ذلك للموجة الثانية من الهجرة (العاليا الثانية) من قبل صناع ومعلمين ومدنيين بدأوا في بناء أول مدينة صهيونية على الطراز الأوروبي في الأراضي المقدسة، والتي أصبحت فيما بعد عاصمتهم "تل أبيب" .
وفي فبراير 1915 تمكنت قوة من الجنود الأتراك تحت قيادة ضباط ألمان من عبور شبه جزيرة سيناء والوصول إلى ضفة القناة، شريان حياة الإمبراطورية الواصل إلى الهند ، وكان هذا هو السبب الرئيسي في الإسراع بإعلان بلفور (2 نوفمبر 1917) فقد وجدت الحكومة البريطانية أن حلفها مع الصهاينة هو أسلم طريقة لتأمين مصالحها بأرخص التكاليف الممكنة.
وافقت أمريكا على وعد بلفور بعد أن دخلت بالقتال إلى جانب بريطانيا ووافقت على انتدابها على فلسطين، وكانت لا تزال ولاية عثمانية، وقامت بالشيء نفسه فرنسا وإيطاليا بل وبارك الفاتيكان وعد بلفور .
واكتسب وعد بلفور دعما شعبيا بمرور الوقت، وهللت صحيفتا الجارديان البريطانية والتايمز أيضا للقرار، وقد كتب رئيس تحرير الجارديان "ه. ن. برايسلفور " أن عرب فلسطين برابرة نصف متوحشين ليس لديهم القدرة على إعمار فلسطين، وإنه من الممكن أن يستبدل بهذا الجنس المنقرض ملايين من الأوروبيين البيض القادرين على بناء مجتمع متحضر. أما تشرشل فعاد لوصف عرب فلسطين بانهم ككلب أقام في مكان ما لمدة ما وهذا لا يعني في نظره أن لهذا الكلب حقوقا في هذا المكان !
المقاومة الفلسطينية .. قبل بلفور
نمت اليقظة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن الأرض والهوية ببدايات القرن العشرين، كما تشير الكاتبة الفلسطينية بيسان عدوان بمقالها في عدد المجلة، كما ناهضت النخب الثقافية وجمعيات الشبيبة الفلسطينية بالشام والطلبة ، الهجرة اليهودية وشراء الأراضي وممارسات الحركة الصهيونية.
ومع وصول الموجة الثانية من الهجرة اليهودية إلى فلسطين من روسيا وأوروبا الشرقية، ما بين 1904 و1905، التي انتمى معظم أفرادها إلى حركة "بوعالي تيسون" ورفعوا شعاري "احتلال الأرض" و"احتلال العمل" ، تصاعدت عمليات المواجهة بين الفلاحين العرب المهجرين من قراهم والمحتلين الصهاينة، ما اضطر السلطة العثمانية لمنع المهاجرين اليهود من الاستيطان في فلسطين.
وبعد المواجهات العنيفة بين اهالي قرية زرنوفة ومستعمرة ديران "رحبوت" بعد 1914 نشطت المقاومة العربية للمخططات الصهيونية. وناشد أعيان القدس ويافا وغزة الآستانة للتدخل بحزم ، وأثار النواب العرب بالبرلمان العثماني القضية منذ عام 1909 فقال حافظ السعيد مثلا أن حركة الاستعمار اليهودي في فلسطين مستمرة منذ ثلاثين عاما "عندما كان عددهم عشرة آلاف يهودي، وبلغ اليوم ما يقرب من 100 ألف يملكون 100 ألف دونم من الأراضي، اشتروها بمساعدة أغنياء اليهود رغم الحظر المفروض" .
وكان للمثقفين الفلسطينيين وخاصة ممن يعيشون بأوروبا دورا لافتا للتنبيه لخطر الصهيونية ، فكتب روحي الخالدي خريج السوربون 1909 عن أهمية إيجاد وطن بديل ليهود أوروبا ، كما صدرت العديد من الصحف الوطنية الفلسطينية منذ ذلك الحين ولعبت دورا كبيرا بالتوعية بمخاطر الصهيونية كالكرمل وفلسطين ، وأكدتا على أن أوروبا تستغل الصهيونية لتحقيق مطامعها في المشرق العربي .
وتكلل ذلك بمؤتمرات العرب الفلسطينيين 1920 التي دعت لتشكيل حكومة وطنية فلسطينية ودرء الصهيونية.
ماذا لو لم يكن بلفور ؟
يطرح الكاتب الفلسطيني تحسين يقين سؤالا بمقاله في العدد : هل كانت إسرائيل الكولونيالية والعنصرية ستقوم بدون وعد بلفور ؟ والاجابة بنعم وترجع لما قبل انتهاء حسم صراع الحلفاء مع الإمبراطورية العثمانية، عام 1916، فبينما كانت بريطانيا تمني الحسين بن علي بالسيادة على الشام والعراق (الهلال الخصيب) والجزيرة العربية ، كانت تؤسس على الأرض كل ما يعارض ذلك .
ولولا الثورة البلشفية في روسيا ، لربما تأخر الكشف عن اتفاقية سايكس بيكون حيث تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا؛ ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الإسكندرونة الذي سيقع في حوزتها. ومعروف أن اتفاقية سان ريمو عام 1920 أكدت على ما سبقها، ومهدت لانتداب بريطاني كامل على فلسطين، وإلغاء مقترح أن تكون القدس دولية .
ويعود الكاتب لما يزيد عن مائة عام حيث نداء نابليون الشهير لتوحيد اليهود بأرض الإله الموعودة.
ولذا يؤكد الكاتب ان المحاولات الغربية القديمة كانت ستؤول بدون وعد بلفور لهذه النتيجة الحتمية، وقد كان المؤتمر اليهودي العالمي بقيادة تيودور هرتزل 1897 مجرد تكريس لتلك الجهود وانتهى بتدشين الوكالة اليهودية ومهمتها جمع الأموال بصندوق قومي لشراء الأراضي، وإرسال مهاجرين يهود لإقامة مستعمرات في فلسطين.
الصراع .. بين عقيدتين
يتوغل د. عبدالخالق جبة في مقاله بالعدد بجذور الكراهية بين الفلسطينيين والإسرائيليين من منظور العقيدة ، وهو يؤكد أن الوضع الكائن بفلسطين أكثر سوءا من نظام الأبارتهايد (التفرقة العنصرية) في جنوب إفريقيا سابقا، لأن البيض لم يهتموا بطرد السود. والوضع أكثر سوءا من غالبية أشكال الاستعمار، لأن السلطات الإمبريالية الاستعمارية لم تسلب الأراضي من أصحاب الأرض الأصليين من أجل إقامة المستوطنات عليها .
سترى مشهد كهذا كثيرا، فتى تضطره ظروف الدراسة أو العمل لاختراق تجمعات العدو، أو ذلك الذي يلقي وابل من الحجارة على ضابط بالجيش الإسرائيلي، فيخرج الأخير من سيارته ممطرا خصمه بالطلقات النارية ويرديه قتيلا بلا خوف من عقاب.
وللسخرية فإن هرتزل مؤسس إسرائيل بروايته "الأرض القديمة – الجديدة" يتنبأ بحياة سعيدة للجيران الفلسطينيين العرب في ظل عهد الصهاينة !.
يعرف الفلسطينيون أن تلك الأرض كانت عربية من قبل قدوم إبراهيم أبو الأنبياء إليها، وهم يعلمون أن الفتح الإسلامي لم يطرد السكان المسيحيين الموجودين على أرض فلسطين والذين قبل بعضهم الإسلام بمرور الوقت، وقد سيطر اليهود على فلسطين في العصور القديمة لفترة قصيرة في مملكة شاؤول وداود وسليمان ، وهي فترة لم تدم أكثر من 90 عاما على أقصى تقدير، ولو حقت لهم العودة لحق للعرب أيضا العودة إلى الأندلس (إسبانيا) التي عاشوا فيها أكثر من ثمانية قرون.
من الجهة المقابلة يدعي اليهود وعدا تلقوه من إلههم ، للسيطرة على فلسطين، وهو ليس سوى حيلة استعمارية.كما يؤمن الطفل اليهودي بان الله قد منح البلاد لليهود، وأنهم سيطروا عليها قرونا طويلة، حتى أغضبوا الله، فنفاهم كعقاب مؤقت. والآن عادوا لبلادهم التي كان يسيطر عليها في تلك الأثناء شعب آخر، شعب غريب وصل من شبه الجزيرة العربية، وهو شعب "وقح" يدعي أحقيته بالأرض!
ومادامت النظرة هكذا، فإن السياسة الإسرائيلية الرسمية تقول : لا حل للصراع وعليهم أن يكونوا مستعدين للدفاع عن أنفسهم إلى أبد الآبدين . وأما السلام فهو وهم خطير!
يقول زئيف جابوتنسكي الأب المؤسس لليمين الصهيوني المتطرف : "على الإسرائيليين أن يقيموا جدارا حديديا، من أجل الدفاع عن استيطانهم في بلاد الآباء" ولقد طور خلفاؤه بنيامين نتنياهو والليكود النظرة للعمل جاهدين على اختفاء الفلسطينيين.
الغريبة أن أبناء الجيل الصهيوني الأول بما في ذلك هيرتسل وجابوتنسكي كانوا ملحدين، وقيل حينذاك إن الصهاينة لا يؤمنون بالله، ولكنهم يؤمنون بأن الله قد منحهم هذه البلاد بالتحديد . ولكن تغير الأمر تماما في بداية الصراع.
ويرى الكاتب أنه منذ حرب يونيو 1967 والتي أتمت فيها إسرائيل احتلال البلاد المقدسة، وخصوصا احتلال "جبل الهيكل" و"حائط المبكى" ، بدأت الصهيونية العلمانية بالانسحاب وحلت مكانها الصهيونية الدينية العنيفة ولا تزال حكومة يمينية متطرفة تسيطر اليوم على إسرائيل.
والواقع أن شعب إسرائيل لم يتعلم من التاريخ، ونهاية الحملات الصليبية على فلسطين، ويغض الطرف عن حالة اللاأمن والكراهية والانقسام المجتمعي العنيف بين يهود شرقيين وغربيين وعرب ويهود.
سلاح الفن
في مقالها تتناول د. رانيا يحيى العازفة والكاتبة المصرية خرافة الموسيقى اليهودية والسطو الإسرائيلي على التراث العربي
وهي ترصد غياب إبداع إسرائيلي ذو طابع ثقافي مميز لأن شعب إسرائيل جاءوا من ثقافات مختلفة ولا تحكمهم أرض أو روابط ثقافية . وبعد احتلال الارض، جاء الدور لتزييف التاريخ والتراث ، ومن ذلك التراث الفني، فنجد إسرائيل تنسب ألحانا شرقية مثلا للملحن المصري اليهودي داود حسني ك"قولو لعين الشمس " و"يمامة بيضا" ، وتزور أغنية "مريوما" الفلسطينية، وهم يغنون أغان عربية بكلمات عبرية وكأنها جزء من تراثهم ك "سألوني الناس" رائعة فيروز.
وقد تشبثوا بتبعية فنانين مصريين إليهم لمجرد كونهم من أم يهودية، رغم أن هؤلاء الفنانين رفضوا كيان إسرائيل المعادي وتمسكوا بمصريتهم، ومنهم ليلى مراد وزكي مراد.
ومن جانبه، يستعرض فائق جرادة المخرج الفلسطيني وضعية السينما كأحد روافد الثقافة الفلسطينية قبل 1948
وقد كانت السينما والثقافة بوجه عام أحد الحصون الحصينة للدفاع عن الشعب الفلسطيني في قضيته، وقد شهدت فلسطين ازدهارا ثقافيا قبل الانتداب البريطاني، فشهدت الصحف والمجلات والمعاهد الموسيقية ودور العرض السينمائية والفنون التشكيلية وطباعة الكتب وغيرها ، ولدينا سميرة عزام رائدة القصة القصيرة وصبري الشريك الثالث للأخوين رحباني ، وكامل خوري بالصحافة وفدوى طوقان وسميح القاسم بالشعر وغسان كنفاني بالرواية وإدوارد سعيد بالفكر وإسماعيل شموط بالفنون التشكيلية وهشام شرابي بالفكر وخليل رعد بالتصوير وغيرهم الكثير.
ولكن للأسف لم ينجح الفلسطينيون بتجسيد واقعهم المعيش دراميا كما نجح أشقاؤهم العرب، والسبب يرجع لحالة الحصار التي يعيشونها في واقع أليم يجابه أي محاولة لتجسيد الواقع، ومن السينمائيين العرب الذين نجحوا بتوثيق حياة الفلسطينيين : المصري توفيق صالح صاحب "التغريبة الفلسطينية"، والتونسي شوقي الماجري ب"اجتياح جنين" والفلسطيني السوري باسل الخطيب ب"أنا القدس" ويسري نصر الله ب"باب الشمس" وغيرهم .
وتذكر المصادر أن أول فيلم روائي فلسطيني كان "حلم ليلة" لصلاح الدين بدرخان 1946 ، كما أنجز محمد الكيالي فيلم "ثلاث عمليات في فلسطين" 1969، وقد تأخر بعرضه لظروف النكبة العصيبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.