تحل اليوم ذكرى وفاة رجل الدولة والسياسي المصري محمد فؤاد سراج الدين، الذي توفي في 9 أغسطس 2000 عن عمر يناهز 88 عاما. ولد فؤاد سراج الدين باشا في 2 نوفمبر عام 1911، وينتمي لعائلة وفدية و هو مؤسس حزب الوفد الجديد وتولى 5 وزارات مختلفة فحقق فيها جميعا نجاحات مذهلة وإنجازات غيرت وجه الحياة في مصر. ويمتلك فؤاد سراج الدين تاريخاً نضالياً طويلاً، فقد رافق في طفولته زعيم الوفد المصري مصطفى باشا النحاس وشارك معه في تمزيق معاهدة 1936 في الإسكندرية عندما أعلن النحاس باشا أنها دون الطموحات المصرية في تحقيق جلاء الاستعمار البريطاني التام عن مصر، وكان سراج الدين من أخلص الوفديين وأكثرهم ولاء لمؤسس الحزب سعد باشا زغلول. وفي الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي خاض سراج الدين معارك سياسية طاحنة ضد قوات الاحتلال البريطاني والقصر الملكي، مما جعله يتبوأ مكانة كبيرة في قلوب المصريين. فقد كان أصغر نائب في مجلس النواب عن محافظة كفر الشيخ القريبة من القاهرة حيث موطن عائلته في منطقة «كفر الجرايدة»، وكان عضواً في مجلس النواب منذ عام 1936 الى 1942 ثم مجلس الشيوخ في 1946، وكان زعيماً للأغلبية الوفدية بمجلس الشيوخ قبل ثورة يوليو 1952، وصدرت ضده أحكام بالسجن عقب الثورة لمدة 15 عاماً أمضى منها 3 سنوات ثم بعد ذلك وضعه مجلس قيادة الثورة تحت الحراسة بحجة انه يمثل (العهد السابق). وسراج الدين من أكبر الساسة المصريين الذين أثروا الحياة السياسية، فقد تولى مناصب وزارية أكثر من مرة، فكان وزيراً للزراعة ثم المالية والداخلية والشؤون الاجتماعية والمواصلات في الفترة ما بين عامي 1942 و1952 وهو صاحب القرار التاريخي عندما كان وزيراً للداخلية باصدار تعليمات لجهاز الشرطة في الاسماعيلية بالتصدي لقوات الاحتلال البريطاني والتي راح ضحيتها عشرات من ابناء الشرطة، واعتبر يوم 25 يناير من كل عام عيداً للشرطة المصرية، وكان اصغر وزراء مصر سناً حيث كان عمره 32 عاماً عندما تولى منصب وزير الداخلية. وفي حكومة الوفد في الفترة من 1942 الى 1944 طلب سراج الدين الاعتذار عن عدم تولي منصب وزير الداخلية، لكن مصطفى باشا النحاس زعيم الحكومة أصر على اسناد المنصب إليه. رجل من ذهب رغم الشدائد والمحن التي خاضها فؤاد سراج الدين في حياته إلا أنه أبدا لم يحد عن حب الوطن، ولم يغف لحظة عن المطالبة بالديمقراطية ولأنه رجل من ذهب، لم تزده الصعاب إلا قوة، ولهذا خرج من كل المحن أقوي مما كان بدليل أنه وهو علي أعتاب السبعينيات من عمره خاض معركة ضارية، وفي ظروف عسيرة، مع الرئيس السادات وكل أجهزة الدولة لكي يعيد بعث حزب الوفد الجديد في نهاية السبعينيات من القرن الماضي. وبكل المقاييس لم تكن المعركة متكافئة، ولم يكن طرفاها متقاربي العدةوالعتاد، فأحد طرفي المعركة كان يضم رئيس الدولة وكل المسئولين الرسميين وكل أجهزة الدولة، أما الطرف الآخر فلم يكن به سوي رجل اشتعل رأسه شيبا يسانده عدد من الوفديين المخلصين، وكانت نتيجة المعركة علي عكس مقدمتها حيث انتصر فؤاد سراج الدين وصحبه ، علي رئيس الجمهورية وحكومته واتباعهم وعلي أجهزة الدولة الرسمية وعاد الوفد الجديد للحياة. وكان طبيعيا علي رجل تلك هي حياته، أن يكون وداعه مهيبا، ولهذا عندما حانت ساعة الرحيل وآن للفارس أن يرحل، خرج ملايين المصريين يودعونه وهم يهتفون ( الوداع .. يا زعيم .. يا حبيب الملايين )، ورددت مصر كلها هذا الهتاف يوم 9 أغسطس عام 2000 حينما رحل عن دنيانا زعيم الوفد فؤاد باشا سراج الدين.