خطة بريطانية لفصل شبه جزيرة سيناء وتدويل القناة الملك يطلب التدخل الأجنبى ويحاول الهرب بطائرة أمريكية تورط أحد أفراد الأسرة المالكة فى قضية الأسلحة الفاسدة الوثائق تكشف المخططات البريطانية لفصل مصر والسودان بريطانيا تقلب الدول العربية ضد وحدة مصر وسوريا أمريكا السبب فى عدم تدخل بريطانيا عسكريا ضد الثورة كشفت " وثائق ثورة يوليو فى الوثائق البريطانية " الدراسة التى أعدتها الدكتورة هدى جمال عبد الناصر ، ابنة الراحل الرئيس جمال عبد الناصر ، عن خطة بريطانيا لفصل شبه جزيرة سيناء عن مصر و تدويل قناة السويس ، وتسبب أهواء السفير البريطانى والملك فى فساد الحياة السياسية ، وكشفت عن تورط قادة الأحزاب فى الفساد ومنهم حزب الوفد ، و الصفقات المشبوهة للأسلحة التى لم تتوقف عند حرب فلسطين فقط بل امتدت لمنتصف عام 1949 . كما كشفت الوثائق عن توقع بريطانيا لحصول تمرد عسكرى ، و لكن بعد التغيير الوزارى فى 22 يوليو رأت أن الوضع أصبح مطمئنا لتستيقظ على مفاجأة فى 23 يوليو . وعن كواليس أيام الثورة ، فتكشف عن لجوء الملك للسفير الأمريكى وقوله أن " التدخل الأجنبى وحده الذى يمكن أن ينقذه هو وأسرته " ، وقد طلب فى 25 يوليو طائرة أمريكية ليهرب بها . وتكشف الوثائق البريطانية عن الدور الذي قامت به بريطانيا في انفصال السودان عن مصر، وتقليب الدول العربية ضد وحدة مصر وسوريا . مقدمات الثورة تعرضت الوثائق البريطانية لأهم الأحداث التى تسببت فى قيام ثورة يوليو منها حرب فلسطين و قضية الأسلحة الفاسدة ، حيث ألقت الوثائق بمسئولية صفقات الأسلحة الفاسدة على مجموعة من كبار قيادات الجيش، ومن أبرزهم الفريق حيدر باشا، وزير الحربية، والأدميرال أحمد ندر، رئيس أركان القوات البحرية وأحد أفراد الأسرة المالكة. وكشفت الوثائق أن صفقات الأسلحة الفاسدة لم تتم أثناء حرب فلسطين فقط، بل امتدت حتى منتصف عام 1949. كما عرضت لحالة التذمر والغضب العارم بين ضباط الجيش في عام 1951، عندما قرر الملك فاروق إعادة الفريق حيدر باشا مرة أخرى ليكون رئيسا لأركان الجيش، بالرغم من تورطه في قضية الأسلحة الفاسدة . و أما عن فساد الحياة السياسية رصدت الوثائق البريطانية عدم الاستقرار السياسي الذي كانت تعاني منه مصر، حيث كانت رغبات السفير البريطاني وأهواء الملك هي المحدد الأساسي الذي يتم على أساسه اختيار الوزارة التي تتولى مقاليد الحكم. مما سبب فى كثير من التغييرات الوزارية على فترات متقاربة جدا، فبعض الوزارات لم تمكث في الحكم سوى أسبوع واحد، وآخر وزارة قبل الثورة استمرت يوما واحدا. وتسجل الوثائق تدني شعبية جميع الأحزاب السياسية، بما فيها الوفد، نظرا لتورط قادة هذه الأحزاب في العديد من قضايا الفساد التي كشفتها الخلافات الشخصية بينهم والانقسامات الحزبية، مثل ما ذكره مكرم عبيد في "الكتاب الأسود" من تجاوزات القيادات الوفدية. وكان هناك رصد مستمر من قبل السفارة البريطانية للحالة الاقتصادية في مصر،تدون في تقارير شهرية ، تكشف عن مدى سيطرة الأجانب وكبار ملاك الأرض الزراعية على الاقتصاد المصري وتمتعهم بثراء فاحش، في الوقت الذي كان يعاني فيه غالبية الشعب المصري من الفقر وتدني مستوى المعيشة. أما الوثائق التى تعلقت بمفاوضات الجلاء ، تشير إلى قيام الحكومة البريطانية بربط موافقتها على الجلاء عن مصر، بموافقة مصر على إبقاء قوات عسكرية بريطانية في قاعدة قناة السويس بصورة دائمة، تحت ذريعة مواجهة الخطر السوفييتي. وتكشف الوثائق البريطانية النقاب عن وجود خطة بريطانية وضعها الكولونيل "جينينجز براملي" في عام 1951، تهدف الى فصل شبه جزيرة سيناء عن مصر ووضعها تحت الإدارة الدولية، وتدويل قناة السويس. و التفاصيل الكاملة لخطة الانتشار العسكري للقوات البريطانية في منطقة قناة السويس، والمعروفة باسم rodeo، للسيطرة على أجزاء كبيرة من الدلتا وبعض ضواحي القاهرة والإسكندرية، وذلك في حالة حدوث مستجدات خطيرة على الساحة السياسية المصرية . وتعرضت الوثائق بالتفصيل لتطويق قوات الجيش البريطاني لعدد من قوات البوليس في مدينة الإسماعيلية في 25 يناير 1952 وأبادتهم، احتجاجا على أعمال الفدائيين في منطقة القناة، ثم ما تبعها في اليوم التالي من اندلاع الحرائق في القاهرة التي استهدفت بالدرجة الأولى ممتلكات الأجانب. الرؤية البريطانية للثورة قبل قيام الثورة بعدة أيام رصدت الوثائق البريطانية الأوضاع الداخلية المتدهورة، وانخفاض شعبية الملك بين الضباط، وبرز اسم محمد نجيب الذي رشحه شباب الضباط لمواجهة مرشح الملك . ولم تستبعد التقارير البريطانية احتمال قيام تمرد عسكري يؤدي نجاحه إلى الفوضى وأعمال العنف بواسطة المتطرفين، خاصة مع سوء الأحوال الاقتصادية، مما قد يستوجب تنفيذ الخطة rodeo . وفي نفس الوقت حدث اتصال من جانب السفارة البريطانية بالسفارة الأمريكية في القاهرة في 21 يوليو، لإبلاغهم بتقديراتهم لخطورة الموقف داخل الجيش، إلا أن الأمريكيين ردوا بأن الأمر ليس بهذه الخطورة. وعندما أجرى الملك التغيير الوزاري في 22 يوليو، صدرت التقارير من السفارة البريطانية بأن الوضع اصبح مطمئنا. وفي ليلة 23 يوليو فوجيء الجميع . وقد أرسلت قيادة حركة الجيش صباح الثورة رسالة إلى السفارة البريطانية، بأنهم سيقاومون أي تدخل بريطاني ضدهم، وأن تلك الحركة مسألة داخلية تماما هدفها الأساسي هو وضع حد للفساد في البلد. في نفس الوقت سارع كبار رجال النظام، مثل عمرو باشا ومرتضى المراغي، الى الاتصال بالسفارة البريطانية لطلب التدخل العسكري البريطاني لقمع الحركة، على أساس أنها مستوحاة من الشيوعيين والأخوان المسلمين، وأن ضباط الحركة من المتطرفين المعادين للرأسمالية. كواليس الثورة أبلغ "كافري" السفير الأمريكي في مصر "كريسويل" القائم بأعمال السفارة البريطانية، أن الملك اتصل به تليفونيا عدة مرات صباح 23 يوليو، مرددا أن" التدخل الاجنبي هو وحده الذي يمكن أن ينقذه وأسرته! " وقد أضاف أن الملك كان في حالة ذعر شديد، و كان يشعر بمرارة ضد بريطانيا لأنها لم تتدخل عسكريا، وأنه لم يكن لديه أي بديل الا أن يقبل طلبات قادة حركة الجيش، بما فيها طرد نجيب الهلالي وتعيين علي ماهر كرئيس وزراء. الملك فاروق وكافرى وفى يوم 24 يوليو وردت تعليمات من وزارة الخارجية البريطانية بإرسال "هاميلتون" مساعد الملحق العسكري، لمقابلة محمد نجيب لإخطاره بأن الحكومة البريطانية لا ترغب في التدخل في الشئون الداخلية المصرية، الا اذا اعتبرت ذلك ضروريا لحماية ارواح البريطانيين،و صدرت تعليمات خاصة الى القوات البريطانية في منطقة القناة لوضعها في حالة الاستعداد وفى يوم 25 يوليو، أبلغ السفير الأمريكي في القاهرة السفارة البريطانية أن الملك ارسل له يوم 25 يوليو عدة رسائل، يطلب فيها طائرة أو مركب أمريكية ليهرب بها وتتضمن الوثائق البريطانية وصفا تفصيليا لأحداث يوم 26 يوليو في القصر كما رواها السفير الأمريكي. ففي الساعة الثامنة صباحا ارسل الملك رسالة من القصر بأن القوات العسكرية المصرية دخلت ارض القصر بالقوة، وحدث ضرب رصاص. وفي الساعة الحادية عشرة والربع ابلغه الملك انه أعطى مهلة حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا للتنازل عن العرش لابنه، وحتى الساعة السادسة بعد الظهر لمغادرة البلاد. وفي الموعد المحدد غادر الملك فاروق أرض مصر على اليخت الملكي "المحروسة" وكان "كافري" في وداعه. وعبر وزير الخارجية البريطانية عن موقف حكومته من التطورات السريعة التي حدثت في مصر من 23 يوليو الى 26 يوليو، وقد تلخص في عدم التدخل على أساس أن تلك مشكلة داخلية، وقد أضاف معلقا أن الحكومة البريطانية كانت دائما ترى ضرورة تطهير مصر من العناصر الفاسدة في القصر والإدارة، حتى يستتب الأمر في البلاد. إلا انه اظهر قلقه من نشاط الجيش في القاهرة، ومن الشائعات بأن بعض الضباط في الحركة لهم علاقات بالأخوان المسلمين، خوفا من سيطرة عناصر متطرفة على السلطة . وفور الاعتراف بنجاح حركة الجيش، بدأت التقارير التي تعيد تقدير الموقف، ويلاحظ منها مدى تعاظم الدور الأمريكي في الموقف . ولقد كان تقدير البريطانيين أن الرأي العام الأمريكي لن يؤيد التدخل العسكري البريطاني خارج منطقة القناة، بل سيدينه، وهذا يعني الانقسام بين بريطانياوالولاياتالمتحدة حول سياسة الغرب في الشرق الأوسط، مما اعتبره السياسيون البريطانيون كارثة. الحكومة البريطانية لم تعترف بسرعة بالنظام الجديد في مصر، وظلت ترقب بحذر، الى أن صدر من الحكومة الأمريكية تصريحا في 3 سبتمبر، أعطي الانطباع باستعدادها لتأييد نظام 23 يوليو طالما أنه لا يشرك شيوعيين في الحكومة ، وقد قررت الولاياتالمتحدة الدخول في مفاوضات فورية مع النظام المصري لتحديد التعاون بينهما . صراع الثورة والاحتلال لقد دخلت الثورة المصرية بعد قيامها بعدة أشهر في مفاوضات مع الحكومة البريطانية تتعلق بالوضع في السودان والجلاء عن مصر. وتكشف الوثائق البريطانية عن الدور الذي قامت به بريطانيا في انفصال السودان عن مصر، من خلال تقديم الدعم إلى القوى السودانية المنادية بالانفصال، ووضع العراقيل أمام دعوات الوحدة التي اقترحتها حكومة الثورة أو القوى السودانية . وعن مفاوضات الجلاء عن مصر كشفت الوثائق وجود اتصالات إسرائيلية بريطانية لتنسيق المواقف فيما يتعلق بالمفاوضات مع مصر. فلقد أبدت إسرائيل قلقها العميق من جلاء القوات البريطانية ، وطالبت بضرورة أن يتم التشاور معها قبل توقيع أى اتفاقية مع مصر، لأن إسرائيل كانت تعتبر الوجود العسكري البريطاني في منطقة القناة بمثابة المنطقة العازلة بينها وبين الجيش المصري. وتكشف الوثائق عن وجود مخطط بريطاني، فرنسي، أمريكي لتحجيم دور مصر الثورة في المنطقة منذ بداية عام 1955 لرفضها الانضمام لسياسة الأحلاف . وتشير الوثائق بوضوح الى أن قرار جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس لم يكن السبب الرئيسي لشن العدوان الثلاثي على مصر، وانما كان الغطاء الذي احتمت به الدول الثلاث ليوفر لها شرعية شن الحرب. و تم الكشف عن وثائق بريطانية يرجع تاريخها الى عام 1951 تؤكد حق مصر المطلق في تأميم قناة السويس، لأن ذلك حق سيادي لمصر يتوافق مع ما جاء في اتفاقية القسطنطينية 1888 الخاصة بقناة السويس. ولقد تناولت الوثائق البريطانية أيضا حالة العزلة التي وجدت الحكومة البريطانية نفسها فيها داخليا وخارجيا اثناء حرب السويس، لمعارضة غالبية الشعب البريطاني هذه الحملة العسكرية . وأخطر ما في الوثائق البريطانية المتعلقة بالوحدة المصرية السورية كشفها تقديم الغرب الدعم المالي والعسكري للدول المجاورة لمصر وسوريا ، وحملة الدعاية المضادة ضد دولة الوحدة، وإثارة مخاوف كل من العراق ولبنان والأردن من احتمال تعرضهم لهجون عسكري من جانب الجمهورية العربية المتحدة. وفي النهاية تشير هذه الوثائق الى أن انفصال سوريا عن مصر يمثل ضربة شديدة للفكر الثوري في المنطقة، والتي كانت ثورة يوليو في طليعته. كما تذكر الوثائق البريطانية أن مساعدة مصر لحركات التحرر في القارة الأفريقية والعالم الثالث ادى الى تنامي علاقات مصر الخارجية بصورة كبيرة، مما وفر لها دعما سياسية هائلا في معظم قضاياها . مما جعل بريطانيا تشن حملات مضادة لتشويه صورة مصر، وإبرازها بمظهر الساعي للهيمنة على المنطقة العربية بأسرها، وقلب أنظمة الحكم فيها بما يتوافق مع سياساتها هي. وكشفت الوثائق عن المذكرة التي قدمها "جوليان امري" مساعد وزير الدفاع البريطاني، عام 1958 التى تتضمن مجموعة من الخيارات للتعامل مع نظام جمال عبد الناصر، وانتهت الى أن السبيل الوحيد لضمان المصالح البريطانية والغربية في منطقة الشرق الأوسط هو التخلص من جمال عبد الناصر من خلال استخدام الوسائل العسكرية.