بيروت - أ ش أ: أحدث الغموض الذي صاحب قرار تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الذي أعلنه نجيب ميقاتي رئيس الحكومة اللبنانية الأربعاء، ردود فعل متباينة بين القوى السياسية ما بين مؤيد للقرار ورافض له . وتسبب إصرار ميقاتي على عدم الكشف عن مصدر تمويل حصة لبنان في المحكمة في زيادة السجال السياسي حتى بين أركان الحكومة التي كانت تستعد لرفع عصا المعارضة لعملية التمويل وتعريض لبنان لفراغ سياسي جديد مجهول المستقبل، إلا أن الرأي العام اللبناني بدا مرتاحا لقرار ميقاتي الذي أنقذ الدولة اللبنانية من غضب المجتمع الدولي خاصة أصدقاء لبنان عربيا ودوليا مقابل حوالي 32 مليون دولار.
ميقاتي ينفذ تعهداته
وأكد رئيس الحكومة أن التزامه بتمويل المحكمة ينبع من حرصه على حماية لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته، ومن إيمانه بمبدأ إحقاق الحق والعدالة، ومن التزامه بألا يكون رئيساً لحكومة تخل بتعهدات لبنان الدولية، أو يخرجه من حصن الأسرة العربية والدولية، أو يسهم في تدهور أوضاعه الداخلية.
وشدد رئيس الحكومة على أن هذه الخطوة ليست انتصارا لفريق أو أنهزاما لآخر، ولا هي تسليم باتهام أشخاص أو جهة بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بل هي قرار وطني يحفظ لبنان ولا يعرضه لاختبارات قاسية، ويخنق الفتنة في مهدها.
ووصف ميقاتي قراره بأنه يعكس التزام لبنان بتعهداته الدولية وبمبدأ العدالة، لافتاً النظر إلى ضرورة متابعة عمل المحكمة، مع التأكيد على أن تكون حيادية وعادلة في مقاربة هذا الملف بحيث تبقيه بعيدا عن التسييس أو تصفية الحسابات أو التعاطي بكيدية، آملا أن يشكل التمويل حافزاً لجميع اللبنانيين كي يتخطوا انقساماتهم الكبيرة وخلافاتهم الماضية نحو العودة فوراً إلى طاولة الحوار برعاية رئيس الجمهورية.
وثمن ميقاتي عالياً إدراك وتفهم جميع الفرقاء للوضع الراهن، ومتعهدا تقديم مصلحة لبنان واستقراره وسلامة أراضيه على أي مصلحة أخرى، بعدما تمنى على الأسرة العربية والدولية أن تتفهم حساسية الوضع اللبناني - جغرافيا وتاريخيا وسياسيا واقتصاديا، عبر مؤازرته ودعمه في المجالات كافة.
معارضون
من جهته فضل حزب الله التريث لمعرفة تفاصيل القرار الميقاتي حول التمويل وقرر الحزب الكشف عن موقفه مساء اليوم الخميس، من جانب حسن نصر الله في كلمة له بمناسبة الاحتفال بذكرى عاشوراء.
ووصف فادي عبود وزير السياحة أن خطوة تمويل المحكمة التي قام بها رئيس الحكومة غير قانونية بالنسبة للدستور، معربا عن اعتقاده بأن رئيس الحكومة أصبح في صلاحياته يتخطى رئيس الجمهورية.
وشدد على وجوب إعادة قانونية الصرف إلى أسلوب جديد لا علاقة له بالمحاسبة العامة وهذا الموضوع تكرس إلى حد ما في مجلس النواب وتمنى أن تكون قاعدة الصرف محترمة.
ورأى انه في الشكل تنضم هذه المخالفة إلى عشرات بل مئات المخالفات في الصرف العام والتي لا تخضع للقوانين الدستورية.
مؤيدون ولكن
على الجانب المؤيد للقرار، شدد نقولا نحاس وزير الاقتصاد على أن خطوة رئيس الحكومة أتت بناء للمصلحة الوطنية العليا، ومشيراً إلى انه لم يكن هناك من مخرج آخر بعد انتهاء المهلة القانونية الدولية لاتخاذ قرار التمويل، وانه يمكن تأمين المال من احتياطي موازنة رئاسة مجلس الوزراء ولا مشكلة في ذلك، وربما تؤخذ من باب الهيئة العليا للإغاثة أو سواها من أبواب موازنة رئاسة الحكومة.
وأكد نحاس أن خطوة ميقاتي غير مرتبطة بأي أمر آخر له علاقة بعمل الحكومة أو مطالب الأطراف فيها، والمشاريع المتفق على إدراجها على جدول الأعمال بدأ إدراجها تباعا.
وأشار النائب محمد الحجار عضو كتلة "المستقبل" إلى أن "تحويل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حصة لبنان إلى المحكمة الدولية، وإن كنا نراه في الإطار الصحيح، لكن تعتريه شوائب عديدة، نطالب ميقاتي، بأن يصححها في وقت سريع جدا.
ورأى الحجار أن منطق العدالة انتصر مجددا، على منطق القتل والإجرام، ولذلك سنواصل معركتنا، حتى سوق المتهمين، إلى قفص الاتهام، وإنزال القصاص بهم، لافتا إلى أنّ موضوع تمويل المحكمة، والذي بات أمرا واقعا اليوم، نعتبره تحصيلا حاصلا، لأن المطلوب هو التعاون الكامل والكلي مع المحكمة.
من جانبه اعتبر النائب مروان حمادة أن ما حصل هو انتصار بالنقاط على حكومة كانت أكثريتها تمانع تسديد التزامات لبنان، لكن هذا لا يعني أن الشكل مقبول لأنه أضاف إشكالية جديدة على قضية التمويل كان يجب أن يطرحها الرئيس ميقاتي على مجلس الوزراء.
وأشار حمادة إلى أن ما أسجله اليوم هو أن أرباب الحكومة وللمرة الأولى فضلوا بقاءها شاء "حزب الله" أم أبى هذا اعتراف ضمني من حكومة يرعاها المسار العدلي الدولي. وفي كل الحالات، التمويل حصل وهو ليس منّة من أحد لأنه واجب وطني ويثبت اقتناعنا وحقنا بالعدالة والتزام لبنان واجباته.
ورأى أن ميقاتي كعادته، يحاول استرضاء الجميع بطريقة ما والخوف من الموضوع أن يكون قد أعطى عون تحت الطاولة ما يريده من مكاسب شخصية ومادية وخصوصا في التعيينات المستقبلية، وان يكون خضع لهذا الابتزاز، لأن عون كان سيرضى بالتمويل شاء أم أبى ما دامت هناك مصلحة سوريا اليوم بإبقاء الحكومة اللبنانية متنفساً لها .
واعتبر أن ما حدث شكل ضربة لما يدعيه "حزب الله" من صدقية وأظهر أنه في النهاية يخضع للأوامر الخارجية من دون الوقوف عند كلامه وتعنته.