محافظ الإسماعيلية يتابع الاستعدادات النهائية لجولة إعادة انتخابات مجلس النواب    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق المصرية.. وصعود عيار 21 بنحو 80 جنيهًا    قراءة فى بيانات التضخم ورحلة التيسير النقدى    التموين يطبق الدفع الإلكتروني وكاميرات مراقبة بالمجمعات الاستهلاكية    محمد منصور المتحدث باسم اللجنة المصرية فى غزة ل الشروق: نتلقى تعليماتنا من القاهرة لا من الاحتلال.. وإسرائيل لا تجرؤ على المساس بمخيم يرفع العلم المصرى    استطلاع: 75% من الأوكرانيين يرفضون تقديم تنازلات كبرى للسلام مع روسيا    الإمارات والمفوضية الأوروبية يدعوان لإيجاد مسار للسلام على أساس حل الدولتين    نتنياهو يجتمع بالمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا في القدس    الجيش الإسرائيلي يعتزم هدم 25 مبنى سكنياً في الضفة الغربية    المغرب يتأهل لنهائي كأس العرب بثلاثية في شباك الإمارات    تأجيل محاكمة مدرس متهم بالتعدي على طالبات بالإسكندرية    البحيرة تستعد لأمطار اليوم: المحافظ ترفع درجة التأهب بجميع المراكز والمدن    ضبط المتهمين في مشاجرة دامية بالبحيرة| فيديو    انهيار جزئي لمنزل من الطوب اللبن بقنا دون إصابات    السيطرة على حريق مخبز بلدى بنصر النوبة في أسواد دون خسائر    حلم لا يفارقنى    علا الشافعي رئيسة لجنة المحتوى الدرامي بالشركة المتحدة: دراما رمضان 2026 تؤكد هوية المواطن وتناقش قضايا متنوعة    التحقيق مع نجل روب راينر بعد شهادات من المقربين بأنه قتل والديه    محمد صلاح يخلد رقمه القياسي مع ليفربول    مساعي المغرب تنجح.. العيناوي يغيب عن مباراة روما أمام كومو    تأجيل محاكمة 56 متهما بالهيكل الإداري للإخوان لجلسة 11 فبراير    رئيس جامعة بنها: الأنشطة الطلابية ركيزة أساسية في بناء شخصية الطلاب وتنمية مهاراتهم    رئيس لبنان: الاتصالات مستمرة لتثبيت الأمن في الجنوب من خلال المفاوضات    القاهرة الإخبارية: القنصلية المصرية في أثينا تستقبل أبناء الجالية للتصويت حتى 9 مساءً    جائزة ساويرس الثقافية تعلن القوائم القصيرة لشباب الأدباء وكتاب السيناريو في دورتها الحادية والعشرين    وزيرا الأوقاف والثقافة ورئيس شركة العاصمة يفتتحون متحف كبار القرّاء    5000 مكالمة للخط الساخن 105 خلال نوفمبر بنسبة استجابة كاملة    عاجل- رؤساء المجالس التصديرية خلال اجتماع مع رئيس الوزراء: توطين الصناعة وخفض الواردات لتعزيز الصادرات المصرية    ولي العهد السعودي والبرهان يناقشان جهود تحقيق الاستقرار بالسودان    ضبط تجار عملة خارج السوق المصرفية.. الداخلية تُشدد قبضتها على المضاربين    الدليل الكامل لامتحان اللغة العربية نصف العام 2025–2026 للمرحلة الابتدائية    سعر طن حديد عز.....اسعار الحديد اليوم الإثنين 15ديسمبر 2025 فى المنيا    «الصحة» تتفق مع «إيني» على إدارة وتشغيل مستشفيتين في مصر    فوائد تمارين الكارديو، تشد الجسم وتقوى عضلة القلب    شيخ الأزهر ينعَى الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق    عادل إمام يغيب عن تشييع جثمان شقيقته.. لهذا السبب    في ذكرى رحيل نبيل الحلفاوي.. مسيرة فنان جسد التاريخ والوجدان    وزير التعليم: إطلاق أول بنية وطنية موحدة لبيانات التعليم قبل الجامعي    اتحاد التمويل الاستهلاكي: نمو مستدام وتراجع ملحوظ في التعثر رغم زيادة عدد العملاء 208%    "صحة الشيوخ" تُسرّع دراسة إنشاء مستشفى جديد بحلوان بعد توقف القرار 3 سنوات    رئيس إسكان الشيوخ: نضع خدمات المصريين في مقدمة أهدافنا    عصام الحضري يحيي الذكرى الأولى لوفاة والدته    آخر موعد للتقديم الكترونياً لوظيفة معاون نيابة إدارية دفعة 2024    تصدير 37 ألف طن بضائع عامة من ميناء دمياط    الزمالك ينتظر انتظام عدي الدباغ في التدريبات الجماعية اليوم    جامعة القاهرة الأهلية تواصل تنفيذ برامجها التدريبية والعملية بمعامل الكيمياء والفيزياء ب"هندسة الشيخ زايد"    رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات بتعيين وتجديد تعيين 14 رئيسًا لمجالس الأقسام العلمية بطب قصر العيني    فيتش تشيد بجهود الحكومة المصرية في دعم الرعاية الصحية وتعزيز الحماية للفئات الأكثر احتياجًا    جوجل توقع اتفاقاً للطاقة الشمسية فى ماليزيا ضمن خطتها لتأمين كهرباء نظيفة    جامعة بنها تطلق مبادرة لدعم الأطفال والتوعية بحقوقهم    غدًا انطلاق اختبارات اختيار كوادر مدرسة الإمام الطيب لحفظ القرآن الكريم وتجويده    انطلاق اجتماعات الاتحاد الأفريقي لكرة السلة في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    الأزهر يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف تجمعًا لأستراليين يهود ويؤكد رفضه الكامل لاستهداف المدنيين    إصابة نجم ريال مدريد تعكر صفو العودة للانتصارات    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟.. الأزهر للفتوى يوضح    حُسن الخاتمة.. مفتش تموين يلقى ربه ساجدًا في صلاة العشاء بالإسماعيلية    محمد صلاح يوجه رسالة للمصريين من خلال ابنته "كيان" قبل أمم إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الوفاء والرثاء.. متحف الفن الحديث يحيي ليلة في حب الجويلي
نشر في محيط يوم 29 - 05 - 2016

أعربت الأستاذة منى كمال الجويلي، في تصريح خاص ل"محيط"، عن سعادتها بتكريم والدها، شيخ نقاد الفن التشكيلي، من خلال الاحتفالية التي أقامها قطاع الفنون التشكيلية له في قاعة "محسن شعلان" بمتحف الفن الحديث.
وقالت منى: "رغم الأحزان إلا أنني سعيدة بالاحتفالية التي أقامها د. خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية لولدي بإقامة معرض استيعادي لأعماله الفنية، وندوة عن مشواره الطويل كناقد وفنان،
وهو المعرض الذي كان والدي يتمنى إقامته قبل وفاته بفترة طويلة.
وتأتي أهمية المعرض في أنه يضم أكثر من 35 بورتريه واسكتش صحفي ومناظر طبيعية رسمها منذ الأربعينيات من القرن الماضي وحتى قبيل وفاته بأيام قليلة.
أما الندوة المصاحبة (الجويلي ناقدا وفنانا) فقد ألقت الضوء على جانب من حياة الجويلي غير معروف للكثيرين وهو إبداعاته الفنية ورسومه بالقلم الرصاص والحبر الشيني والباستيل أو حتى بالقلم الجاف، بمعنى أنه كان يرسم من وحي اللحظة بأي خامة في متناول يده".
وتابعت منى: "أسعدني في الاحتفالية ردود أفعال الحضور وانبهارهم بالأعمال سواء مقتنيات المتحف، وفيها لوحات منفذة زيت على توال أو زيت على سيلوتكس وعددها سبع لوحات،
أما باقي الأعمال المعروضة فقد كان يحتفظ بها والدي وهي تعرض لأول مرة، ومن هنا تأتي أهمية المعرض".
وأكدت ابنه الجويلي أن هذا التكريم أصبح دافعا محفزا لها وشقيقتها "نادية" أن يستكملا مشروع الكتاب الذي طالما حلم والدهما بإصداره، والذي يضم مقالاته في جريدة المساء منذ عام 1959 وخواطره وذكرياته، مشيرة إلى أن والدها كان يتمنى أن يخرج هذا الكتاب للنور في حياته، وأنه أصبح عليهما الآن مسؤولية استكمال مشروعه.
الصورة الشخصية عند الجويلي
كما قالت الفنانة والناقدة شادية القشيري في دراستها عن الجويلي في كتالوج المعرض: "حين نتناول أعماله في فن "الصورة الشخصية" بالألوان الزيتية بالشرح والتحليل نجد أنه كان يمتلك موهبة فنية ثرية يغذيها حسه المرهف وتغلفها شخصيته الهادئة، وحيث أن فترة ممارسته لهذا الفن لم تكن طويلة لذا نرى أن الجويلي قد سلك فيها منهجا واحدا سواء في التقنية أو في اختيار"المجموعة اللونية" لأعماله، فنجده يستخدم ضربات فرشاة عريضة وطويلة نسبيا توحي بالمساحة أكثر ما توحي بالخطوط، بينما يستخدم لمسات الفرشاة القصيرة ليحدد ملامح الوجه... وتعتمد "المجموعة اللونية" الأثيرة لديه على الألوان الباردة بمسحة ترابية بالإضافة إلى القليل من الألوان الساخنة مثل الأصفر بدرجات.. ولمسات من الأحمر والبرتقالي في تكوينات نجح في جعلها متزنة دائماً.. ونرى اهتمامه بإبراز نظرات العيون على وجه الخصوص فنجده يرسم بؤبؤ "ني ني" العين في بعض اللوحات أكبر قليلا مما هو عليه في الواقع فيضفي على الوجه قدراً من الحيوية والجاذبية تشد عين المتلقي للعمل الفني.. والمتأمل لتلك الأعمال يلحظ أنها تنم عن الصفاء والسلام الداخلي سواء بالنسبة للشخوص التي رسمها أو بالنسبة للفنان ذاته، كما أن دراسته الأكاديمية على يد الفنان الرائد أحمد صبري قد شكلت أسلوبه التقليدي المحافظ في رسم "الصورة الشخصية"، ذلك الأسلوب الذي يرتكز أولاً وأخيراً على محاكاة الواقع والتمكن من أصول الرسم الكلاسيكي، وهو يجنح إلى التعبيرية في معظم هذه الأعمال...".
واصلت القشيري: "يختار الفنان نماذجه من أبناء الطبقة المتوسطة الذين يرتدون ملابس مهندمة غير مبالغين في تأنقهم والنساء منهن تتزين بحلي بسيطة قد تكون فقط قرطا في الأذن.. وهم يبدون على سجيتهم.. يشعرون بالراحة في جلستهم، فلا نحس أنهم يخضعون لجلسة رسم وهو ما أضفى على هذه "الصور الشخصية" ما يمكن أن نطلق عليه "وحدة الإحساس" في كل جلسات الرسم.
نرى "صورة شخصية" لرجل متوسط العمر رسمها عام 1944 "زيت على خشب" نجد الوجه يتوسط اللوحة في التفاته بسيطة جهة اليمين، ويلفت النظر في هذا العمل أن الإضاءة مدروسة بعناية فهي موزعة على مناطق مختلفة من وجه الرجل بما يحقق قيمة جمالية...
الإضاءة في اللوحات
تشدك الإضاءة فوق الحاجبين وأسفل إحدى العينين على شكل مثلث مقلوب يجاوره ظل يجسد عمق الأنف فيما تعاود الإضاءة الظهور فوق الذقن ليبرز الفنان ملمحاً من ملامح الوجه وهو"طابع الحسن" في نهاية الذقن، كما نلاحظ الاهتمام بتجسيد الشعر الكثيف بضربات فرشاة بالأسود تخلق تموجات طبيعية تخترقها لمسات من الأصفر الأوكر تؤكدها، بينما اختار للوجه درجة فاتحة من الأوكر تتناغم مع نفس اللون في الشعر... ونرى الخلفية بالأخضر الترابي الممزوج بقليل من البني في بعض المناطق، بينما ملابس الرجل لا يظهر منها غير جزء صغير من ياقة القميص البيضاء وجزء من رباط العنق الأسود وخط ابيض رفيع يحدد جزء من الكتف. وهو بهذه الخطوط البسيطة للياقة وجزء من رباط العنق الأسود المتجه إلى أسفل بما يوحي بالجاذبية الأرضية قد حفظ اتزان اللوحة حتى لا يكون الوجه سابحاً في الفراغ.
وفي "صورة شخصية" رسمها الفنان عام 1948 لسيدة شابة ترتدي قرطا بسيطا في أذنيها نلاحظ أن الوجه مشرق مضيء بما يماثل لون البشرة الطبيعي مستخدما اللون الوردي الفاتح ويظهر الاهتمام بالظل والنور بتدرج جميل، فالإضاءة هنا في منتصف الجبهة وأعلى الحاجبين وفوق جزء من الأنف وتشمل الوجنة كلها جهة اليسار وحتى نهاية الذقن... إضاءة مشربة باللون الوردي الفاتح بينما نلحظ الظل جهة اليمين وأسفل الذقن ليجسد عمق العنق وليظهر جزءا من الرداء الأبيض الذي ترتديه السيدة، بينما استخدم الفنان اللون البني بدرجات في رسم الشعر الذي يصل طوله إلى حد الكتفين وبلمسة من الوردي يحدد الشفتين، كما استخدم البني الداكن ليحدد الحافة الأفقية العليا والحافة الرأسية اليسرى لمساحة اللوحة بتدرج محسوب ليظهر الإضاءة خلف الرأس".
تابعت القشيري: "وفي "صورة شخصية" أخرى لرجل "زيت على سيلوتكس" يظهر فيها أيضا ولعه بالإضاءة التي حددها بخط رأسي يقسم الأنف بوضوح باسطاً الإضاءة على الوجه يسار اللوحة لتشمل نصف الأنف وجزء كبير من الجبهة والوجنة وأعلى وأسفل الفم، بينما نرى لمسات إضاءة بسيطة أعلى الجبهة جهة اليمين تنسدل على حافة الوجه حتى منتصف الأذن ليغمر الظل الجزء الأكبر من الوجه جهة اليمين، وقد اهتم الفنان في هذه اللوحة برسم جزء من الجسد أسفل الكتفين.
رسوم صحفية
يحوي المعرض أربعة رسوم صحفية "حبر صيني على ورق فبريانو" رسمها الفنان بين عامي 1954 – 1956 لباب "هذا المساء" كما هو مدون على خلفياتهم، ومثل أغلب الرسوم الصحفية نجدها رسوما تعبيرية تضع مضمون "المتن" في قالب تشكيلي، وهي لرجال في أعمار مختلفة. واللوحات الأربع ترصد حالات نفسية متباينة توحي بانطباعات مختلفة عن هؤلاء الأشخاص يؤكدها تنوع زاوية الرسم التي اختارها لكل منهم ويؤكدها أيضا نظرات العيون وتباين مدى الرؤية الذي حدده الفنان لتلك الشخصيات، فقد تنظر الشخصية إلى الأمام بشكل مباشر في مدى متوسط للرؤية أو تنظر إلى نقطة بعيدة، أو تركز نظرها إلى مدى قريب.
وهنا نجد الجويلي قد استطاع أن يصف ما يدور في ذهن الشخصية كما يراه كرسام صحفي من خلال قراءة "المتن" المرافق للرسم .. ونلاحظ في هذه الرسوم الدقة والاحتراف فالنسب مضبوطة والفنان متمكن من أدواته في رسم "الصورة الشخصية" بسن ريشة الحبر الصيني.
في المعرض لوحة واحدة رسمها الفنان عام 1945 بالألوان المائية مستخدما "مجموعة لونية" قليلة العدد وهي لسيدة ترتدي غطاءا للرأس، ورغم استخدامه للألوان المائية إلا أننا نجده قد رسم الخلفية بتقنية الرسم بريشة الحبر الصيني والتي تعتمد على الخطوط المتجاورة المتتالية، وهو يخبرنا بخطوط قليلة عن عمر السيدة دون الدخول في تفاصيل كثيرة".
وواصلت القشيري: "لم تفتر موهبة الفنان كمال الجويلي رغم سنوات الانشغال الدائم بالنقد التشكيلي فقد ظل يرسم من آن إلى آخر وكأنه كان يرسم بالأمس القريب أو يستكمل ما بدأه منذ مدة قصيرة، فما تعلمه على يد أستاذه أحمد صبري ظل عالقاً بوجدانه يدفع أنامله للعمل من جديد بين الحين والآخر فيرسم بالقلم الرصاص أو بقلم الحبر الجاف.
اسكتشات
يحوي المعرض عددا كبيراً من الرسوم التحضيرية "sketches" التي رسمها منذ الأربعينيات من القرن الماضي وحتى قبل وفاته بحوالي شهر واحد وهي في معظمها رسوما تشخيصية نجد فيها تنوعا كبيرا في الأوضاع الحركية للجسد وأيضا في الفئات العمرية فنجده قد رسم طفلا ويافعا وشابا ورجلا ناضجا وفتاة مراهقة وسيدات في أعمار مختلفة، ويلفت النظر "رسما" بخطوط سريعة لا تنم عن السرعة أو العجلة في الرسم بقدر ما تنم عن الغضب... وهي لشخصية نسائية مؤرخة 7/7/2006
نلاحظ أن الرسوم التحضيرية لشخصيات نسائية تمثل عددا محدودا بالمقارنة بالشخصيات الذكورية الكثيرة التي رسمها، وربما تقتصر على شخصيات من العائلة فقط.. وقد رسم الفنان الراحل ثلاثة رسوم في نوفمبر وديسمبر 2015 قبيل وفاته في يناير 2016 وهي رسما لابنته الكبرى منى بالقلم الرصاص والذي وقعه "الأب جويلي" للمرة الأولى والأخيرة، وآخر بالقلم الرصاص أيضا لابنته الصغرى نادية والثالث لزوجها منير بقلم الحبر الجاف وهي كلها رسوما سريعة توحي بالشخصية من الوهلة الأولى لرؤية الرسم".
وأنهت القشيري تحليلها لأعمال الجويلي قائلة: "بالتأمل في أعمال "الرسوم التحضيرية" القديمة والحديثة نجد أن الأعمال التي رسمها في مستهل ممارسته للفن تتميز بخطوط هادئة.. ناعمة.. تخاطب المتلقي همساً، ويغلفها إحساس مرهف وتحمل قدرا كبيرا من الشاعرية لتخرج إلينا بهذا الشكل.... أما رسومه في الأعوام الأخيرة فتتميز بالسرعة واستخدام الخطوط الكثيرة المتراكمة والمتشابكة بانحناءات كثيرة متداخلة ونحس أنها لا تستغرق زمنا طويلا في الرسم لنجد الشخصية تطل علينا مفصحة عن ذاتها.
لقد عاش الناقد الكبير والفنان الراحل كمال الجويلي حياة حافلة بكل ما هو راق وجميل وإنساني ، تاركاً لنا إرثاً ثرياً وهاما لا غنى عنه لكل راغب في دراسة ملامح الحركة التشكيلية في مصر فيما يزيد عن نصف قرن من الزمان".
الجويلي ناقداً
أما الفنان والناقد محمد كمال فقال في كتابه "السنابل المضيئة" الذي نشر في عام 2012: "أظن أن المنعطف الأهم في حياة كمال الجويلي يبدأ من عام 1952م، عندما التحق بجريدة الأهرام حتى عام 1958م كرسام وناقد فني، وهو ما جعله يميل صوب مشروعه النقدي منذ ذلك الحين، حتى التحق بجريدة المساء على نفس الدرب من عام 1959م حتى عام 1983م، علاوة على نشر نصوصه النقدية في أكثر من مطبوعة مصرية وعربية، فيما شكل مشواره النقدي الطويل المحتشد بالمؤتمرات والندوات والأمسيات التي شارك فيها بمنهجه الذي يعتمد على سلاف من المدارس المختلفة، بين السياقية والإنطباعية والشكلانية والقصدية، وذلك داخل قالب لغوى رصين وخفيف في آن.. وربما يدفعنا هذا إلى تحليل لغوي وبنائي وتعبيري لعينة تطبيقية من نصوص الجويلي التي أعتقد أنها امتداد لمنهجه التصويري المرتكن إلى بساطة الأداء وعمقه كما أومأنا سلفاً .
يقول الناقد كمال الجويلى عن الفنان الكبير حامد ندا ( 1924م _ 1990م ) بجريدة المساء _ يونيو 1965م " المتابع للوحات الفنان حامد ندا يلمح لأول وهلة ثبات شخصيته ووضوح الرؤية الفنية أمام عينيه ويلمح الاستقرار الفلسفي النابع من إيمان صاحبه بالأرض التي نشأ فوقها والتاريخ الحضاري العميق الذي يشكله ".. وهنا نلاحظ في هذا النص جنوح الجويلى نحو المدرسة السياقية في تناول النص البصري لندا، على المستويين الجغرافي بأبعاده الجيولوجية والمناخية، وأيضاً الحضاري بمحاوره التاريخية والإبداعية والسياسية والاجتماعية، وهو ما يبدو في عبارته "إيمان صاحبه بالأرض التي نشأ فوقه"،" التاريخ الحضاري العميق الذي يشكله "، وهما العبارتان اللتان بلورهما في عبارة "الاستقرار الفلسفي" التي يعتقد من خلالها في خصوصية فلسفات الشعوب عبر تفرد ملامحها الجغرافية المتجسدة في تضاريسها بين أنهار وبحار وجبال ووديان، ومناخها المتنوع بين حرارة ورطوبة وضوء ورياح، فيما يشكل الموضع، بينما يؤدى الموقع إلى تحديد سماتها التاريخية كما حدث في مصر عبر أزمنة متتابعة، وكل هذه المؤثرات السياقية تصب بدورها في وعاء الخلق لدى الفنان والناقد معاً أثناء دوران رحى عملية الإبداع" .
ويكمل محمد كمال: "ثم بعد أربعة وثلاثين عاماً يقول كمال الجويلى عن الفنان محمد حسن الشربينى فى مجلة إبداع _ عدد أبريل 1999م " تقوم لوحات هذا الفنان على مبدأ التداعيات التي يستشعرها من خلال تأملاته للطبيعة والحياة والواقع من حوله، بحس رومانسي يمتزج بالبراءة، وأكاد أقول الطهارة النفسية.. ويتداخل كل هذا في جيشان وجداني وإيمان بروعة الوجود وجماليات الكون، فيسقط هذه التركيبة على خطوطه ومساحاته، فيما يشبه العفوية الغنائية التي تشبه بدورها "الدندنة" ، فهو قريب من الحس الموسيقى، ويظهر هذا في هارمونية العلاقات الشكلية واللونية معاً".. فإذا دققنا في هذا النص سنجده مزيجاً من الآليات النقدية السياقية والانطباعية والشكلانية، عبر معمار لغوى شديد البساطة ومتين البنية في آن؛ حيث يشير الجويلى إلى السياق النفسي الذي يدثر الفنان عبر ماوصفه بالبراءة الناجمة عن تربيته ومنشأه كما ألمح في مطالع النص الأصلي، وهو ما اختزله في عبارة "الطهارة النفسية " التي تمنح العمل شفافيته الإنسانية الخاصة، حتى ينخرط الجويلى نفسه في حالة من التطهر داخل النصين البصري والنقدي معاً ، فيما يتمثل في اتكاءه على الآلية الانطباعية المعتمدة على الاشتعال العاطفي عبر اللغة المجنحة المتجسدة في عبارات "جيشان وجداني"، "روعة الوجود"، "جماليات الكون"، وهي التراكيب اللغوية المكثفة التي يطلق فيها العنان لمشاعره الخاصة كناقد، حتى يربطها بمنجز الفنان عبر الآلية الشكلانية في الأداء النقدي، والتي يصل من خلالها تصاوير الفنان بسياقه النفسي، إلى أن يصل إلى أقصى درجات الحمأة الانطباعية في كلمة "الدندنة" التي يتخذها جسراً لربط تصاوير الفنان بهارمونيتها الشكلية واللونية _ على حد تعبيره _ مع الإبداعات الموسيقية داخل دائرة فلسفية جمالية واحدة، بما يمنح النص متانة وطراوة في آن، رغم تعدد مدارسه النقدية .
وعلى نفس النهج الفكري تأتى معظم نصوص الناقد الكبير كمال الجويلي التي شكلت تاريخه النقدي، مقترباً من الذائقة الجمالية الشعبية، وهو مااكتسبه من عمله في الصحافة السيارة على مر السنين، ليصبح عاشقاً للكلمة والصورة في بستان البساطة المصرية، والذي تم تكريمه فيه غير مرة كواحد ممن يسقون السنابل المضيئة" .
الجويلي أباً وأستاذاً
وقرأ الفنان د. عبدالمنعم معوض كلمته التي كتبها في كتالوج المعرض على حضور الندوة، وهي عبارة عن رثاء للجويلي لدى علمه بوفاته، وكان وقتها قد بدأ برسم بورتريه للجويلي قرر استكماله بعد وفاته: "فراقك صعب علينا جميعا، تركت فراغا عظيما.. كنت أباً وأستاذاً وفناناً له قدره العالي بيننا.. كنت مثلاً أعلى لكل من عرفك من بعيد أو قريب، ومشجعاً لكل من يطلب منك العون، وخير من يعين لكل ناشئ أو كبير.. فنان حر أو دارس عن يقين.. الكل كان يلجأ لكلماتك وتحليلاتك في معارضهم وكان لي نصيب الأسد منهم..
كلماتك كان لها مفعول السحر عندنا جميعا.. وأخص بالذكر كاتب السطور الذي تعلم منكم الكثير، من الثناء والإطراء.. تعلم كيف ينجو من "المطبات"، تعلم كيف يبوح بالكلمات.. إنها لحلاوة ومذاقها كالكهرمان..
كانت تجربتي من الثمانينات وأنا أعرفك محباً لكل من كان.. شجعتني بكلامك ووصاياك منذ البداية وكانت رؤيتك دائما لي بمثابة كبسولات فيها الشفاء ومزيد من الإتقان.. تقدمها بعيون الخبرة والإمعان.. ترى في كل فنان حاجة!! فتعطي كل حاجة..
إنه حدث جلل حين سمعت بفراقك عنا وعني بالأخص.. وكنت فرحا وأنا أسجل البورتريه الخاص بشخصك الكريم.. عرفانا بقليل مما قدمته من كثير لنفسي طوال أكثر من أربعين عاما مضت..
كنت أزهو بمقدمة معظم معارضي وأتباهى بما تقوله عني لكل من أمسك بمطبوعاتي الورقية. بل زاد من تقديرك لي في ندواتك في معارض من ثناء واطراء عن أعمالي. ولا أنسى تنبؤاتك عن مستقبلي في حديث خاص بالإذاعة عندما قلت عني "لو لم يكن عبد المنعم معوض فنانا لكان دبلوماسيا على مستوى رفيع وسفيراً لنا في الخارج" إنها العين الفاحصة والخبرة الرائعة.. والشفافية الربانية.. رحمة الله عليك يا أستاذي وأستاذ الأجيال والمثل الأعلى .. الأستاذ كمال الجويلي".
يذكر أن المعرض يضم 35 بورتريه واسكتش صحفي ومناظر طبيعية رسمها الراحل كمال الجويلي (1921 – 2016) منذ الأربعينيات من القرن الماضي وحتى قبيل وفاته بأيام قليلة. وقد شارك في الندوة التي أقيمت للجويلي عقب افتتاح المعرض بعنوان "كمال الجويلي فنانًا وناقدًا" د. عبدالمنعم معوض والناقد محمد كمال، كما أدارت الندوة الفنانة والناقدة شادية القشيري"، في حضور د. خالد سرور، الفنان آدم حنين، الفنانة نادية التطاوي، الفنان محمد الطراوي، الفنانة أحلام فكري، الفنانة والناقدة ماجدة سعد الدين، الأستاذ إبراهيم عبدالرحمن مؤسس جاليري "بيكاسو"، الفنان محمد الصبان، الفنان أحمد عبدالفتاح رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض، والفنانة ضحى أحمد مدير متحف الفن الحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.