قام نظام مبارك على توازن القوى في عصره حتى تكون محصلة القوى التي يحكمها تساوي صفرا. فأضعف الأزهر من خلال عدم رد أوقافه وباختيار شيخه وأضاف إلى ذلك ترك منافسيه من المتحمسين والمتطوعين فسمح بمهاجمة الأزهر من الإعلام ومن غير المتخصصين وفي عصره ظهر أمثال القمني من المهاجمين على الأزهر الشريف . وعندما ضعف الأزهر ظهر الخارجين على النظام من الجهاديين فاستعان النظام عليهم بالأمن والقوة بدلا من الحجة والمنطق . وظهر الإخوان يعرضون الاعتدال والاستقرار إلا أن مرجعيتهم تتمثل في مكتب الإرشاد وعلماء الإخوان فكانوا يمثلون بديلا عن الأزهر لأعضائهم فإذا اختلف الإخوان مع الأزهر شككوا في علماء الأزهر وقدموا علماءهم للفتوى . وانتشرت السلفية بدعاتها ودعوتها وفيهم من يرى أن المذهب الأشعري مبتدع وهو مذهب الأزهر الشريف وتنافس علماء السلفية مع علماء الأزهر وقدمت لهم قنوات تحت إشرافهم من غير اعتراض من النظام وبذلك نشأت في مصر ثلاثة مراجع للمسلمين. مرجعية الأزهر الشريف بعلمائه ومرجعية الإخوان بعلمائه ومرجعية السلفيين بعلمائهم. وأصبحت المرجعية الإسلامية بفهم الأزهر الشريف تختلف عن المرجعية الإسلامية بمرجعية علماء الإخوان تخالف المرجعية الإسلامية بمرجعية السلفيين . واستمر عموم المصريين على مرجعية الأزهر الشريف إلا أن الأزهر الشريف لا يمارس السياسة والذين يمارسون السياسة الآن الإخوان والسلفيون. فإذا فاز الإخوان سيحاولون أن يجعلوا مرجعية المصريين الإسلامية بحسب فهم علماء الإخوان . وإذا فاز السلفيون سيحاولون أن يجعلوا مرجعية المصريين الإسلامية بحسب فهم علماء السلفيين . والأخطر أن يحاولوا التأثير على مرجعية الأزهر نفسه فنرى الأزهر عرضة لأن يتغير من وسطيته إلى فهم المسيطرون . ولقد حاولوا في عهد مبارك وحققوا بعض النجاح وكل ذلك بسبب إضعاف مؤسسة الأزهر الشريف. وذلك من خلال التأثير على بعض أولاد الأزهر فترى في أولاد الأزهر من هو إخواني ومن هو سلفي . والآن بعد سقوط نظام مبارك كانت إفرازات النظام السابق باقية فما هو الحل ومن وجهة نظري أن الحل يبدأ من الأزهر إصلاحه ودعمه واستقلاله ولا يجوز له أن يمارس السياسة فلا بد أن يكون محايدا كالقضاء. ولا يعني ذلك أن لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ولكن يعني التخصص العالي كالجيش والقضاء . وأرى أن من أخطر الدعوات أن يكون الرجل شاهدا وخصما وقاضيا وتلك اللعبة قد أجادتها جماعة الإخوان فأخرجت كتابا دعاة لا قضاة ثم قضوا على المخالفين منهم وعلى خصومهم وقالوا أنهم شهود وهم قد غالبوا الناس على مصالحهم وهم خصوم لأصحاب الدعوات من الأزاهرة والسلفيين . والناس تكتفي بتخصصاتها ومنهم من يدعي التخصص في كل شيء فلا يحسن شيئا. وقد يرى البعض أن نظام مبارك أفسد واستأثر بالحكم والمال وذلك صحيح إلا أن أسوء ما وقع فيه هو إضعاف مؤسسة عريقة مثل الأزهر الشريف والأزهر قلب مصر ولا أبالغ إن قلت قلب الإسلام. وعن الأحزاب التي تدعي أن مرجعيتها إسلامية فإن المصريين لا يعرفون لهم مرجعية إلا أزهرهم فماذا أنتم قائلون . والأحزاب التي لم تقل أن مرجعيتها إسلامية مرجعيتهم الأزهر الشريف دون أن يعلنوها فقد استقر ذلك في نفوس المصريين . إن السياسة تخلط على الناس الأوراق ويجب أن يكون الداعي إلى الخير غير متكسب من ورائه وأتذكر قول الله تعالى {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ }الشعراء109.