ما إن بدأت الأجواء في الهدوء وأقترب السكون من شارع محمد محمود وميدان التحرير عقب إعلان المجلس العسكري أسفة لما جري من أحداث وأعتزامة تشكيل حكومة إنقاذ وطني ، حتي عاد التوتر سريعاً والتهبت الحناجر مجدداً بالهتاف ضد العسكر فور سماع نبأ تعيين كمال الجنزوري رئيساً للوزراء فقد أحبطت القوة السياسية في هذا الإختيار وفقدت النخبة المثقفة الأمل الأخير في الخروج بالبلاد من المأزق الحرج فالجنزوري وإن كان رجلاً مشهود له بالكفاءة والنزاهة والوطنية إلا أنه محسوب علي النظام السابق فهو من أمضي سنوات في المنصب الوزاري الحساس وتورطت مصر بفضله في مشروع توشكا الذي أهدرت من جراءة الملايين وفي النهاية كانت النتيجة صفر . كما أن السيد رئيس الوزراء السابق والراهن بلغ من العمر عتياً ولم يعد مناسباً للمرحلة الثورية فطاقاته وقدراته الذهنية والبدنية لا تسعفة للتخطيط والتدبير وتحمل مشاق المسئولية الكبري التي تتطلب المزيد من الحركة والنشاط لبذل الجهود والمساعي لفك طلاسم العملية السياسية المعقدة ، حيث الدور الرئاسي والقيادي للوزراء بات مختلفاً عن ذي قبل فلا يصلح أن يكون رئيس الوزراء ومن معه سكرتارية في مكتب رئيس الجمهورية وهو تعبير كمال الجنزوري الذي إستخدمة في معرض الدفاع عن نفسه أمام إتهامات المعارضة لة بالتقصير ، حيث قال : " كلنا سكرتارية في مكتب مبارك " ، الأمر الذي كان يحتم علية الإستقالة فور الإعتراف بالحقيقة الفجة ولكنه إستمر حتي أقيل وبشكل غير لائق وخرج من مبني رئاسة الوزراء ودمعته علي خدة علي حد وصف وسائل الإعلام وقتها وربما ذلك ما أدي إلي تعاطف الغالبية العظمي معه فصار شهيد النظام السابق وواحد من مظاليمة من وجهة نظر بعض العاطفيين ! بيد أن الحقيقة – الحقيقية غير ذلك بالطبع لأن السيد كمال الجنزوري ظل علي وفاق مع الرئيس المخلوع طوال فترة وجودة في رئاسة الوزراء ولم يعكر صفو علاقتهما سوي ظهور جمال مبارك في الصورة ومحاولته الهيمنة وإنتزاع سُلطات إصدار القرارات وتوجيهها حسب رؤيته بوصفة الوريث المؤكد لتركة الأب والرئيس الآتي علي أسنة الرماح ، وهو ما أعتبرة الجنزوري تعدياً علي سلطاتة وتهميشاً لدورة فحاول من جانبة تعطيل مسيرة الإبن الطامع في الر ئاسة والمستهدِف إقصائة فحدث الصدام المروع الذي إنتهي بعزل الرجل القوي وإفساح المجال كاملاً للوريث وبالقطع لم يكن الصراع من أجل مصر ولا من أجل شعبها المسكين وإنما كان الأصل في المعارك الضارية هو تقسيم السُلطة بين الرئيس والحاشية والأعوان وإلا لماذا إستمر نزيف نهب مصر علي مدار ثلاثين عاماً برغم تعاقب الوزرات .. ولماذا لم تظهر النوازع الوطنية للدكتور كمال الجنزوري أثناء تولية رئاسة الوزراة في عهد مبارك ، وكيف لم ينتبة للمليارات المحولة من حساب الشعب المصري إلي حساب جمال وعلاء وصفوت الشريف وزكريا عزمي وبقية المتهمين باللصوصية ؟! فالمنطق يقول إن أموالاً بهذة الضخامة لا يمكن سلبها ونهبها بين يوم وليلة ولكنها حتماً سُرقت ونُهبت عبر مراحل طويلة وبشكل رسمي ووفق تكييفات قانونية يسأل فيها كل من شاركوا في الحكم خلال ثلاثين عاماً ، أما أن نطبق سياسة الخيار والفقوس وننتقي من النظام من ندينة ومن نبرأة ونعتبر أن كل من خرج من الحكومة قبل تنحي مبارك علي أثر خلاف في الرأي أو خلاف علي السُلطة بطلاً قومياً ونسلمة مقاليد حكم البلاد في أصعب مراحلها فهذا يعني أننا غير موضوعيين نكيل بمكيالين ولم نستفد من الدروس السابقة وهذا بعينة منحي الخطر والإقتراب من الهاوية ، حيث الرجوع خطوة إلي الخلف يكلفنا عناء مشوار عشرات الكيلو مترات للأمام . وللأسف فإن الحقيقة التي نحن بصددها الآن هي ان المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإعادته الدكتور الجنزوري إلي منصبة القديم كرئيس للوزراء قد بيض صفحته التاريخية وأحسن ختامة السياسي كواحد من رجالات الدولة ولكنة في نفس الوقت أغفل حق المصريين في إختيار الرجل المناسب للمكان المناسب .