لعله من حسن الحظ أن أجواء الانتخابات الرائعة ابتلعت موجات رافضة لاختيار الدكتور الجنزوري رئيسا لحكومة الانقاذ، واتاحت الفرصة للتقييم العلمي لقرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة باختياره لهذه المهمة الكبري التي يري البعض أنها مهمة انتحارية، والواقع أن الحديث عن الدكتور الجنزوري يطول ويطول بقدر ما أعطي الرجل لمصر من خلال المواقع الرسمية التي شغلها باقتدار، ومن خلال ما تعرض له من النظام السابق عقابا مهينا لاعتزازه بنفسه وتصرفه كرئيس للوزراء وليس كسكرتير للرئيس، ومن عدائه للفساد والمفسدين!! وقد لا يعلم الكثيرون حجم المؤامرات التي تعرض لها الجنزوري والتي أدت إلي الاطاحة به ومطاردته، بل قد لا يعلم هو نفسه تفاصيل تلك المؤامرات ومنها - مثلا- مؤامرة كبيرة عرفت أنا تفاصيلها بخبرتي وحسي الاعلامي، فقد كان الدكتور الجنزوري عائدا من زيارة للصين أجري خلالها مباحثات مهمة، وبعد وصوله اتصلت به »وزيرة معروفة« معبرة عن سعادتها بعودته وقالت له: »انت وحشتنا ياريس جدا« فقال لها ضاحكا: »يعني اللي وحشتهم موش كانوا ييجوا يشوفوني في المطار؟!«، وهنا التقط أعداؤه الخيط فهمسوا في أذنها بأن تستغل فرصة لقاء قريب مع الرئيس مبارك لتقول له: »هل يسمح البروتوكول ياريس باستقبال رئيس الوزراء لدي عودته من الخارج في المطار؟!« وطبعا استشاط مبارك غضبا وحنقا، وتذكر ما يهمس به في أذنه رئيس الديوان زكريا عزمي وآخرون من الوزراء، مثلما حدث عندما زار رئيس وزراء اسرائيل »باراك« مصر واصطحبه الجنزوري إلي مقر الرئاسة، وعندما هم بالدخول معه استوقفه زكريا عزمي ومنعه من الدخول، ولأن الرجل يعتز بكرامته ويتصرف كرئيس للحكومة اعترض بشدة علي ذلك، فأسرع زكريا إلي الرئيس ليقول له »إن الجنزوري كان يريد الاشتراك في محادثات القمة«! وقد توالت المؤامرات ضد الرجل وقادها عاطف عبيد ويوسف بطرس غالي وصفوت الشريف وكمال الشاذلي ومحمد ابراهيم سليمان إلي جانب زكريا عزمي ومن الأسرار التي ظلت حبيسة الجدران، ان أحد هؤلاء الوزراء انفعل وغضب بشدة عندما قال له الجنزوري: من أين حصل ابنك علي 05 مليون جنيه ليدخل بها في إحدي المناقصات الحكومية؟ ولعل هذه الواقعة تكشف- كغيرها- تصدي الجنزوري للفساد مما آثار حفيظة كبار الفاسدين وضاعفوا من مؤامراتهم ضده، كذلك كان »الوريث« لا يطيقه خاصة عندما تحدث معه الجنزوري بحدة رافضا طريقة كلامه عندما تعرض مبارك لمحاولة اغتيال في بورسعيد، كما أن جمال ساند يوسف بطرس غالي بشدة عندما فكر الجنزوري في استبعاده لاخطاء مريبة ارتكبها، إلي جانب تحفظه الواضح علي الأسلوب الذي تتم به الخصخصة! وانتهي ذلك كله بالاطاحة به من رئاسة الحكومة ثم حرمانه من أي منصب تنفيذي مثلما حدث مع عاطف صدقي وعاطف عبيد وكمال الشاذلي وغيرهم، بل وصل العداء معه إلي حرمانه تقريبا من الظهور في أي مناسبة جماهيرية خشية ما حدث عندما أحاط به الآلاف عقب ادائه لصلاة الجمعة في احد المساجد المعروفة. قلت في البداية ان الحديث عن تاريخ الدكتور كمال الجنزوري وما تعرض له يطول ويطول، وان كنت اكتفي بما ذكرته، فإنني أرجو ان يكون ردا علي من اعترضوا علي اختياره، واستخدم بعضهم اسلوبا فجا بدعوي انه عمل مع النظام السابق، متجاهلين الحقيقة التي تقول: إن ما عاناه من مبارك ورجاله يستحيل ان يجعله يتعاطف معه، وإذا كان ليس من شيمته الانتقام فإنه علي الأقل سيتيح للعدالة الفرصة بأن تأخذ مجراها بشكل سريع وناجز وهذا ما يتمناه الثوار والشعب كله بعد المماطلات والمناورات التي عرقلت سير العدالة. ولعلني لا أضيف جديدا إلي ما هو معروف عن تمتع الجنزوري بخبرات هائلة وثقافة عريضة تراكمت لديه مع سنوات عمره التي تصور البعض انها تحسب عليه متجاهلين ما تفعله الدول المتقدمة لكبار السن احتراما وتقديرا واستثمارا لخبراتهم وأفكارهم ليكونوا سندا ودعما للشباب الذين يشاركون في تحمل المسئولية.