مشاكل أفريقيا تتحكم بها دول كبرى مصر ترفض المنظمات الدبلوماسية الخاصة السياسية المصرية في أفريقيا تقليدية مصر تستطيع التحرك من خلال الحوار مهارات التفاوض وسيلة لاختراق الدول تزايدت خلال المرحلة الحالية أهمية الأدوار التي تلعبها بعض منظمات الدبلوماسية الخاصة في الجوار الأفريقي لمصر, سواء الجوار المباشر أو الغير مباشر, ولعل النموذج الواضح في هذا الشأن, الدور الذي يلعبه مركز الحوار الانساني HD, ومبادرة إدارة الأزمات CMI في طرح مبادرات وقف القتال واقتراح مسارات للتسوية السياسية. وترجع قدرة هذه المنظمات على ممارسة أدوار مؤثرة في هذه الصراعات, إلى امتلاكها شبكة إتصالات قوية مع الفاعلين المؤثرين في تلك الصراعات بسبب تواجدها على الأرض, فضلا عن قدرتها على طرح مبادرات تحوي أفكار نوعية تضمن بدرجة ما تحول في مسار الصراع. ورغم تزايد تأثير الصراعات في الدول الأفريقية المجاورة على الأمن القومي المصري, فضلا عن تزايد أهمية أدوار منظمات الدبلوماسية الخاصة في التأثير على مسار تلك الصراعات على نحو يسمح لها ببممارسة نفوذ ما في أوضاع ما بعد الصراع, إلا أن الدولة المصرية ما زالت لا تتبنى سياسات واضحة للتعامل مع هذه المنظمات إما بسبب التشكك في "أجندة عملها", أو بسبب رفضها تدخلها في شئونها الداخلية باعتبارها "المحطة" التالية في عمل هذه المنظمات في حال الانخراط معها. وبناء على هذه الإشكالية ناقش العدد الأخير لدورية "بدائل" الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, مسارات إدارة العلاقة مع منظمات "الدبلوماسية الخاصة" المؤثرة في الجوار الأفريقي لمصر، وذلك في محاولة لتحليل أبعاد الأدوار التي تلعبها هذه المنظمات في الصراعات المشتعلة في دول الجوار، وطرح سياسات من واقع الخبرات الدولية قد تكون مفيدة في تحقيق التعامل "الآمن" مع هذه المنظمات دون أن يؤثر سلبًا على المصالح الاستراتيجية للدولة. وفي ضوء إصدار العدد نظم مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مساء الأربعاء, ورشة عمل لمناقشة مداخل التعامل المصري مع منظمات "الدبلوماسية الخاصة" المؤثرة في الصراعات المشتعلة في أفريقيا. وشارك في الورشة مدير المركز ضياء رشوان, و وزير خارجية مصر الأسبق وعضو مجلس النواب النائب محمد العرابي, والدكتورة إيمان رجب, رئيس تحرير دورية بدائل, والدكتور خالد حنفي, الخبير في الشئون الأفريقية بمجلة السياسة الدولية, والسفير محمد حجازي, مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية, والدكتور أيمن عبدالوهاب, الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, بالإضافة إلى عدد من الساسة والخبراء والصحفيين منهم اللواء هشام الحلبي المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة, والعميد خالد عكاشة الخبير الأمني والاستراتيجي, ورئيس تحرير شبكة الاعلام العربية "محيط" الأستاذ بسيوني قمصان. رصيد مصر بنظرة برلمانية قال النائب محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق وعضو مجلس النواب المصري, إن القارة الأفريقية منطقة بكر خاضعة لتطورات كثيرة صعب التنبوء ببعضها, ومشاكلها الرئيسية لا زالت تتحكم بها دول كبرى ومؤسسات دولية مثل الاممالمتحدة, والمؤسسات الاقليمية في الجوار برأيه ذات تأثير ضعيف ولا نملك سوى القمة العربية الأفريقية كأحد الوسائل للتأثير على التعاون العربي الأفريقي. وأوضح أن مصر كانت رائدة في هذا المجال ووضعت هذه المبادرة موضع التنفيذ ولكن الأمور لم ترق إلى أن يكون هناك تعاون مؤسسي ما بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي بالشكل المرجو. وأضاف العرابي أنه لم يلمس إهمال من مصر لأفريقيا بل على العكس فهى لها حضور ورصيد جيد وهناك مشروعات كبيرة تقوم بها المقاولون العرب وغيرها من الشركات المصرية فضلا عن كون إبراهيم محلب نفسه له تواجد وإتصالات بأفريقيا تفوق إتصالات كثيرين عملوا في أفريقيا فضلا عن رصيد الرئيس عبدالناصر. كما أكد على أنه من المؤيدين لأنواع الدبلوماسية التقليدية في التعامل مع افريقيا سواء كانت دبلوماسية قمة أودبلوماسية شعبية أوحاليا الدبلوماسية البرلمانية ففي الشهرين الماضيين استقبل البرلمان المصري مجموعة كبيرة من البرلمانات الأفريقية, بالإضافة إلى موافقة المجلس على إنشاء لجنة للشئون الأفريقية وبالتالي سيكون ذلك أحد الأدوات التي سيتم استخدامها كذراع سياسي لمصر في أفريقيا. التجاهل لم يعد مقبولا بدورها قالت الدكتورة إيمان رجب رئيس تحرير دورية "بدائل", إن هناك فجوة دائما بين ما هو أكاديمي وبين ما يُطبق, وبين ما نفكر فيه في مصر وما يدور حول مصر, وأن الهدف من الورشة هو لفت الإنتباه إلى ما يحدث حول مصر والتعرف على ماهية المنظمات الدبلوماسية الخاصة والأدوار التي تلعبها, بالإضافة إلى إعادة طرح وتقييم الموقف الرسمي المصري في التعامل مع هذا النوع من المنظمات. وأضافت أن هناك نوعا من الرفض المصري لوجود هذه المنظمات، وهذا بحاجة إلى إعادة نظر فالاعتراف بوجودهم لا يعني منحهم الشرعية. ولم تكتف رئيس تحرير دورية "بدائل" بطرح إشكالية منظمات الدبلوماسية الخاصة, بل أيضا طرح الموضوع من أجل تطوير بدائل للتعامل مع هذه المنظمات من شأنها تحقيق أمرين, أولهم الحفاظ على الموقف الرسمي المصري الثابت الخاص باحترام السيادة وتقدير الدبلوماسية الرسمية ولكن من جهة أخرى طرح بديل للتعاون الآمن مع هذه المنظمات, فتجاهلها لم يعد مقبولا لأنه يؤثر سلبا على المصالح المصرية, والأمر الثاني هو التعرف على الاستراتيجية التي يمكن التعامل بها مع هذه المنظمات لتتجنب مصر مخاطرها وأثرها السلبي على الأمن القومي. وأكد الدكتور خالد حنفي الخبير في الشئون الأفريقية بمجلة السياسة الدولية, على ما قالته رئيس تحرير "بدائل", أن السياسة المصرية تجاه أفريقيا تميل نحو استخدام الأدوات التقليدية بدرجة أكبر من الأدوات غير التقليدية أو الغير رسمية، وهذا لا يصلح الآن بعد نشاط دور الفاعلين الغير رسميين داخل القارة, خصوصا وأن هناك منظمات معظم تمويلها تمويل حكومي وهذه الحكومات تتعامل مع هذه المنظمات كأحد أدوات تقليل كلفة التدخل, وأحد المشاكل أن في الصراعات الفواعل دائما متغيرة وتخلق موازين مختلفة. وأضاف أن دراسته التي نُشرت في عدد "بدائل" الآخير كانت محاولة أولية لفكرة دفع الدولة المصرية إلى فهم أكثر لأمر مفاده أن الصراعات حول مصر تتغير والفواعل تتغير وأنه ليس بإمكاننا الاعتماد على السياسات القديمة في التعامل, فأفريقيا تغيرت ومن ثم علينا أن نتغير. مجالات التحرك وفي إطار جعل مناقشات الورشة أكثر ثراء عرض السفير محمد حجازي, مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الافريقية, مجالات الحركة المتاحة أمام مصر في الصراعات المشتعلة في افريقيا, فالمجال الأول يتمثل في دعوتها لمنظمات الدبلوماسية الخاصة في إطار منتدى حواري لمناقشة القضايا والنزاعات محل اهتمامها للتعرف عن قرب على كيفية العمل معا مما يخلق الثقة المأمول توطيدها مع منظمات الدبلوماسية الخاصة. المجال الثاني أمني وعسكري, حيث تتعرض دول القارة لمخاطر الإرهاب والذي اكتسبت مصر خبرة واسعة في مواجهتها, ولعل استضافت مصر في 21-22 مارس الحالي لاجتماع وزراء دفاع دول الساحل والصحراء وهم 27 وزير دفاع أو من يمثلهم في مدينة شرم الشيخ, أحد حلقات هذا الدور المصري الفاعل والمأمول في مواجهة المخاطر والتحديات الأمنية التي تمر بها القارة. ويكمل المجالين السابقين المجال الاقتصادي والمجال الثقافي التعليمي من خلال زيادة مصر لاستثماراتها داخل القارة وتعزيز قدراتها الناعمة عن طريق الأزهر الشريف والمنح الدراسية للطلاب الأفارقة فضلا عن المبادرات الثقافية في الموسيقى والسينما وأفرع الفنون. ومن جانبه، قال اللواء هشام الحلبي المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية العليا, إن المتغيرات التي تحدث في الاقليم كله تغيرات تستهدف المجتمعات, وأن عصر الحروب التقليدية قد انتهى وأسهل دخول واختراق لمجتمع يكون من خلال اقترابات ناعمة ومختلفة وهذه المنظمات هى الأداة لذلك, فالأمر حدث في الدائرة العربية والدائرة الأفريقية الآن عليها الدور. وتسائل الحلبي عن سبب تركيز منظمات المجتمع المدني على تدريس مهارات التفاوض وما هية الجهة التي يمكن أن يتفاوضون معها وأسباب التفاوض, معربا عن قلقه من استخدام تلك المنظمات كأدوات لاختراق دول مستهدفة لإنهاء شكل الصراع فيها بالطريقة التي يريدونها، وخاصة أن هذه الأدوات خطيرة جدا في ظل ضعف الحكومات الأفريقية وعدم سيطرتها على كامل الدولة. ويري الحلبي أن الحل يتمثل في أن الدبلوماسية التقليدية مهمة لكن يجب أن توجد استراتيجية واحدة متكاملة تجمع ما بين كل الدبلوماسيات والإمكانيات بأنواعها, شريطة أن تكون إدارة هذه الدبلوماسية متمثلة في الحكومة وفي وزارة معنية لعدة أسباب منها الإمكانيات المادية البسيطة للمنظمات غير الحكومية فضلا عن المعلومات الدقيقة غير متوفرة نظرا لاتخاذها معلوماتها من الاعلام, فعلى الحكومة أن تأتي بهم وتدربهم على الإستراتيجية الخاصة بها وتمدهم بالمعلومات الصحيحة, إلا أن الحل قد يعوقه عدم العمل بشكل جماعي. معقبا على مناقشات الورشة قال ضياء رشوان مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إنه إلتقى في الفترة الأخيرة بدبلوماسيين أفارقة أكدوا له اتخاذ الاتحاد الأفريقي قرارا بتخصيص موازنة كاملة للمبادرة المصرية التي طرحت في قمم أفريقية سابقة بخصوص إنشاء قناة فضائية أفريقية تبث برامجها من القاهرة, إلا أن القاهرة لم تتقدم بشئ ولا زال الأمر قائما منذ ثلاثة سنوات أو أكثر حتى الآن فالتمويل متاح والجانب المصري هو المقصر. وقدم رشوان دعوة لوزارة الخارجية المصرية ومن يهتم من الجهات الآخرى, للاجتماع في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية أو في الجهات المعنية نفسها، لمناقشة سياسات مفصلة وملاحظات على منظمات بعينها، للوقوف على أوجه التقصير وسبل مواجهة الآثار السلبية لمنظمات الدبلوماسية الخاصة، والتي من شأنها تهديد الأمن القومي لمصر.