أبوالسرد الحديث صادق محفوظ والحكيم .. وخانه النقاد مقالاته الثورية تحرج الملك وتسقط لوردا بريطانيا كتاب يرفضون وصف"أديب الفراش" ويدعون لقراءة أعمق اعتقل رغم صداقته بالزعماء .. وثوريته لم تتقيد بأحزاب عبدالناصر يعترض على فيلم "الله معنا" و"البنات والصيف" مقص الرقيب يغير نهايات الأفلام لإرضاء المجتمع كاتب صحفي ثوري انغمس بأوجاع المجتمع وعبر عن سقوط القيم برواياته التي تخطت الخمسين، واجه معارك ضارية للتخلي عن جرأته فصمم على كشف العورات ولم يهتم باتهامه بتحدي قيم المجتمع المحافظ .. إنه إحسان عبدالقدوس الذي أحيت أسرته مساء أمس ذكرى رحيله ال26 بمناقشة وجوهه المتعددة وتوزيع جوائز الفائزين بمسابقته السنوية . وقد عقد صالون إحسان عبد القدوس ندوة بمقر نقابة الصحفيين أمس بحضور منير فخري عبد النور وزير التجارة والصناعة السابق، ومشاركة الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، ويوسف نوفل الكاتب والناقد الفني، وطارق الشناوى الناقد السينمائي. وقد ترحم الكاتب الصحفي محمد عبد القدوس نجل الكاتب الراحل على ثلاثة ؛ والدته التى تحملت كل الأعباء عن والده الأديب الراحل حتى يتفرغ للكتابة، مضيفًا:"كانت صاحبة اقتراح الصالون الثقافى فى عام 1990 لإحياء ذكرى عبد القدوس وكذلك الأديب الراحل فؤاد قنديل آخر من تولى رئاسة المسابقة قبل رحيله العام الماضي وكذلك الإعلامي البارز طارق حبيب الذى كان مسئولاً عن صالون عبدالقدوس لسنوات طويلة. وأوضح "عبد القدوس" أن إحسان والده ساهم في تأسيس مدرسة صحفية حرة ورفع "روزاليوسف" إلى القمة، وكانت "أخبار اليوم" فى عهده يتجاوز توزيعها المليون. ورغم رحيل والده لكنه ما يزال "الأول سينمائيا" فقد قدم أكثر من 50 عملا، وكتب للسينما إلى جانب كتاباته الروائية والقصصية. وفيلم "الوسادة الخالية" صنع عبد الحليم حافظ. أما الرقابة فقد تدخلت بشكل مؤسف كما يرى نجل الروائي الكبير في نهايات الأفلام لتصبح أكثر محافظة، لكنها ظهرت مختلفة عن الروايات، وبدا ذلك مثلا بفيلم "لا أنام" الذي أصرت الرقابة على أن تحترق البطلة فاتن حمامة لتجني ثمار أفعالها الآثمة المبنية على عقدة طلاق أبويها . نبوغ صحفي وأدبي تطرق الناقد الفنى يوسف نوفل للمواقف البطولية لإحسان عبدالقدوس، والذي ظلمه النقاد كما ظلموا محمد عبدالحليم عبدالله، وتعرض لهجوم نقدي باعتباره يكتب "أدب فراش جنسي" وهذا غير حقيقي، فما كتبه إحسان سبقه إليه نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ، بل وكان معبرا عن طبيعة رفضه لما يدور بالمجتمع من فساد. وقد كان إحسان من المدنيين الأحرار، ولد مع اندلاع ثورة 1919 وعمل بالمحاماة، وكان أبواه فنانين فنشأ على حب الفن ، وزادته نشأته ببيت جده ميلا للتراث ، فجمع بين الحسنيين . التحق إحسان بكلية الحقوق التي صنعت الساسة والثوار والقادة، وجعل من مجلة روزاليوسف معقلا لثورة صحفية انعكست على ثورته السردية حيث يعد من آباء السرد المصري المعاصر . وأشار الأديب والكاتب الفنى إلى أن إحسان عبدالقدوس كتب أربع مقالات أسقطت قامات مصرية ومنهم حيدر باشا بالخمسينات، كما أسهم بإشعال جذوة ثورة 1952 ، وصارت مؤسسة روزاليوسف بفضل مقالاته ورئاسة تحريره لها مدرسة صحفية وثورية وظل يحافظ على الأمانة فى نقل الواقع بعيدا عن اى مجاملات للمجتمع. وشدد نوفل على أن النقد الأدبي الحديث فى مصر ارتكب خيانة عظمى لتجاهله بالصمت إحسان عبدالقدوس، ومحمد عبد الحميد عبدالله، وكان كاتب سياسى ثورى أخذ بيد نجيب محفوظ وهيكل لتشكيل جيل كبير من الأدباء الأذكياء الذى خدمته الصحافة والسينما. السياسي اللامع دعا د. حسن نافعة لدراسة الوجه السياسي لإحسان، وأضاف بكلمته أن عبدالقدوس لم يكن سياسيا بالمعنى الحزبي وإن كانت نشاطاته السياسية لا تخفى عن أحد وقد حرك تحقيقه الجريء عن الأسلحة الفاسدة المياه الراكدة وشكل أزمة كبرى بالبرلمان في نهاية الأربعينات وكان بداية تعرفه على قيادات ثورة 1952. وقد التقى إحسان عبدالقدوس بعبدالناصر و السادات وصادقهما ورغم ذلك لم يسلم من الاعتقال. ولم يكتب إحسان غير كتابين بمجال السياسة، فقد كان يعتمد على مقالاته الصحفية، وأهمهم كتاب "على مقهى السياسة" وجمع به أغلب مقالاته الدالة على مراحل خطيرة من عمر مصر . إثراء السينما اعتبر الناقد طارق الشناوي أن إحسان بدأت مع أفلامه بالخمسينات موجة السينما الحقيقية بمصر كصناعة لها صدى عربي، وقد كتب قصة "الله معنا" المؤيدة لثورة يوليو ولكن الرقابة تدخلت بها بالحذف لأنها جعلت محمد نجيب رئيسا للبلاد في حين كان عبدالناصر قد تولى زمام الأمور خلفا له . كما اعترض ناصر على فيلم "البنات والصيف" وغيرت الرقابة من معالم الرواية لتخرج بالسينما بعيدا عن هذا التحرر الذي بدا على الورق . وأوضح الناقد السينمائي أن احسان عبدالقدوس حصل على موافقة جمال عبدالناصر على نشر روايته " تعظيم سلام " والتى نشرت ب " آخر ساعة " ، لافتا الى الأديب الراحل كان مبدعا فى اختيار عناوين أدبية إبداعية لاسيما " القاهرة 30 " ، " أين عقلى " ، " لا أنام ". وأشار إلى أن السينما المصرية ستظل مدينة لجرأة إحسان عبدالقدوس ، وخاصة لتقديمه للمرأة فى الطبقة التى تقرأ ، على عكس نجيب محفوظ الذي قدم المرأة بالطبقات الشعبية، ولهذا كانت الرقابة لا تعترض على نجيب كما اعترضت على إحسان . وقد رفعت الفنانة نجاة دعوى قضائية ضد إحسان عبدالقدوس بعد الإيماءات بروايته "عاشت بين أصابعه" لعلاقتها بالشاعر الفذ كامل الشناوي . وتابع:"أكثر مخرج اشترك مع احسان عبدالقدوس كان المخرج حسين كمال والذي شاركه ب9 أفلام، وكانت الأفلام أشبه بالرواية المرئية . وقد توزعت جوائز إحسان عبدالقدوس بختام الندوة، وفاز الروائي إبراهيم صالح والروائي محمد عبده العباسي بمجال الرواية، كما فازت القاصة عزة بدر والقاصة نورا ميخائيل بجوائز القصة على الترتيب، وفي مجال المقال النقدي فاز الناقد أحمد رشاد والناقد ملاك ميخائيل والد القاصة الفائزة بجائزة القصة.