ماذا طلبت ريا وكيف واجهت سكينة حبل المشنقة؟ تبقى تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة ثنائي الإجرام الشهير "ريا وسكينة" زاخرة بمواقف مختلفة، فما بين جرأة وخوف وهروب وتوسلات واجه المتهمين حبل المشنقة.. ففي ليلة 21 من ديسمبر لعام 1921 رفع سجن الحضرة الراية السوداء إيذانا ببدء عملية إعدام الدفعة الأولى من المتهمين في قضية النيابة العمومية لبان سنة 1921 وهم الأختين "ريا وسكينة" وحسب الله وعبد العال زوجيهما وأثنين آخرين.. منزل ريا وسكينة مواجهة الموت بجرأة وطلب ريا في زيها الأحمر المخصص للإعدام، سارت ريا تجاه الموت بخطى ثابتة واقفة داخل غرفة الإعدام تسمع قرار الإعدام حتى سألها محافظ الإسكندرية وقتها.. هل تريد أي شيء؟ فأجبته أنها تريد رؤية ابنتها؛ إلا أن مأمور السجن قال إنها زارتها قبل يومين فأمر المحافظ بتنفيذ الحكم، وهو ما جعل ريا تردد "ألا أرى ابنتي لك الله يا بديعة"حسبما وثقت تقارير الطبيب وأورنيك السجون". "ريا" ما أن دخلت الغرفة السوداء في المشهد الأخير من حياتها، طلبت من منذ الحكم أن يرفق بها قائلا "بالراحة أنا ولية"، ولم تنس أمر ابنتها بديعة فقالت "أودعتك الله يا بديعة" ثم نطقت الشهادتين ونفذ الحكم. وقد وثقت تقارير الطب الشرعي أن "ريا" صاحبة الخمس وأربعين عاما ظلت معلقة لمدة نصف ساعة، وكانت مدة النبض في قلبها بعد الشنق دقيقتين. وفي الثامنة من صباح اليوم ذاته بعد إعدام ريا، اقتيدت سكينة إلى نفس المصير، لكنها واجهت الموقف بجرأة فما أن وقفت أمام غرفة الإعدام وتلا عليها المأمور حكم الإعدام ومشاركتها في قتل 17 امرأة ردت قائلة: "هو أنا قتلتهم بأيدي أيوة قتلت واستغفلت قسم اللبان وأتحكم عليا بالإعدام وأنا عارفة إني رايحة اتشنق وأنا جدعة". وقيل إنها حين وثق منفذ الحكم يدها قالت له "هو أنا راح أهرب أنا ولية جدعة"، وقالت مخاطبة الحضور "سامحونا يمكن عيبنا فيكم" ونطقت الشهادة ونفذ الحكم وكأختها ظلت معلقة لنحو نصف ساعة وظل النبض في عروقها بعد الشنق لمدة أربعة دقائق حسبما ذكرت تقارير الطبيب عمن نفذ بحقهم الإعدام. محاولات التبرئة أما عن الزوجين فقد نفذ حكم الإعدام بحق حسب الله في اليوم ذاته، وذكر الباحث محمد عبد الوهاب، أن حسب الله كان متحمسًا بعد تلاوة حكم الإعدام. وقال للمأمور: "تقول إني قتلت 17 امرأة أنا أقولك بصراحة قتلت 15، ولو كنت عاوز أعدهم وأسميهم لك، ولو بقيت طليقا سنة أخرى لكنت قتلت كل العواهر ومنعت كل واحدة منهم تمشي في شوارع المدينة.. العاهرات دول بيخونوا أجوازهم وبيبيعوا أعراضهم بربع ريال". وقبل تنفيذ الحكم حاول حسب الله تبرئة عرابي وعبد الرازق قائلا إنهم "ماشتركوش في القتل وهما أبرياء أنا ومحمد عبد العال قتلنا". وعن اللحظة الأخيرة في حياته، قال حسب الله لمنفذ الحكم "قوم بعملك كويس وشد واربط جامد" وأخذ يصيح بصوت عال حتى وقع الإعدام وذكر تقرير الطبيب انه نطق الشهادة وظل النبض به لمدة ثلاث دقائق. المشهد خارج السجن كان يعج بالمتواجدين من الرجال، والنساء اللاتي أخذن يزغردن ويهتفن بحق من نفذ الحكم قائلات: "عاش اللي شنق ريا عاش اللي شنق سكينة عاش اللي شنق حسب الله". ومع صبيحة اليوم الثاني بدأ تنفيذ الحكم في حق عبد الرازق الذي قاوم الحراس وهو ما دفعهم لجرجرته على الأرض، وبعد أن سمع حكم الإعدام أخذ يردد أنه بريء ومظلوم حتى إعدامه. أما عبد العال فكان جريء لم يظهر عليه الخوف، وبعد تلاوة الحكم عليه قال للمأمور "أنا قتلت سبعة بس". وقال لمنفذ الحكم: "كتف وشد حيلك" ثم نطق الشهادتين ووقع الإعدام، في حين أن عرابي أخذ يبرئ نفسه وأنه لم يقتل أحد وقيل أنه طلب شرب الماء وبعدها أكد أنه مظلوم ونطق الشهادتين ووقع الحكم. الضاغ كمال نامي مأمور قسم اللبان وعلي افندي بدوي وأول وكيل نيابة حقق في القضية التماسات تم رفضها وقد حصلت شبكة الإعلام العربية "محيط" على وثائق خاصة بالالتباسات التي تقدم بها عدد من المتهمين بعد أن تم الحكم في القضية لمحاولة تبرئة أنفسهم والسماع لأقوالهم. قبل تنفيذ الإعدام بما يزيد عن شهر تقدم حسب الله سعيد بالتماس إلى النيابة تحديدا في 14 نوفمبر من عام 1921، قال فيه إنه "مظلوم ظلما كبيرا"، وسرد قصة زواجه من امرأة أخرى تدعى زنوبة بنت أحمد بعد أن طلق "ريا" لما عرفه عن سلوك أختها "سكينة" الذي وصف ذلك ب"البطال". وقال: "لما سمعت ريا بزواجي اتغاظت مني لدرجة لا يمكن وصفها فسلطت زوج أختها محمد عبد العال لأجل أن يتعارك معي فتعارك معي في محل شغلي على يد أحمد الشرقاوي العربجي وأحمد ابن الجدية، وصار بيني وبين محمد عبد العال عداوة ولا يمكن أن تجوز على شهادته وأظن لا يمكن أن يكون واحد متعارك مع آخر ويشتركا في موضوع مثل هذا". واعتبر في التماس آخر قدمه أن سبب الزج به في القضية عدم الرجوع لها قائلا: "ولما تزوجت من باب سدرة يتيمة وعلى ذلك جابت رجلي في القضية لأني لم أردها ولم أرجع إليها ولو كنت رجعت لها ما حصل ذلك ". واختتم التماسه الثاني قائلا: "أنا مظلوم وأرجو النظر في القضية وليس عندي سوابق بالمرة فأرجو التحقيق فكيف حكم علي بالإعدام من غير شهود تراني أقتل". أما الالتماس الأخير له والذي تقدم به قبل عشرة أيام من إعدامه قال فيه إنه لديه أقوال سرية لا يمكن إبدائها لمأمور سجن الإسكندرية العمومي ويرغب في عرضها على رئيس النيابة الملية بخصوص قضيته وقضية ثانية مطالبا المأمور بإخبار النيابة للحضور لإبداء ملحوظاته. وطالب أيضا محمد عبد العال بشهود آخرين من أهالي المنطقة لتبرئته من تهم القتل أم ياقوت والبربرية اللتان تسكنان في المنزل الموجود بشارع "علي بك الكبير". وأوضح أنهن شهودًا على واقعة تبرئته، وتدين حسب الله بالقتل لأنه كان يمر من الشارع صدفة ولم يكن يعلم أنهم يسكنون به بعد أن طلق سكينة ولا يتحدث مع أحد من هذه العائلة. كما روى عبد العال حادثة أخرى كان عليها شاهد وهي مشاجرة بين "ريا" وحسب الله، وأنه بعدما تدخل للصلح بينهم وحينها قالت له ريا "اسكت لازم أوديهم في داهية هو وأخوه لأنهم قتالين قتلة ويحضروا نسوان هنا لقتلهم ويأخذوا مصاغهم وكرشوهم من كفر الزيات وعاوزين يخرجونا كمان من اسكندرية لازم أوديهم في مصيبة". وأردف قائلا: "بعد ما ريا اصطلحت ولقوا أنه عرف وفهم الحكاية عملوا لي عزومة فيها خمرة وأكل وسكر وبعدما أفاق وجدت نفسي ماسك قدوم وبفحت في الأرض". أما عبد الرازق يوسف قال في التماس له لمأمور سجن الإسكندرية أنه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وليس له دخل بالقضية بالمرة. وأضاف: "أنا بريء لمن أشكو وأنا لم يكن لي دخل مطلقا، فأين الشاهد الذي يثبت على هذه التهمة خصوصا وأن المتهمين خلافي اعترفوا بالتهمة المتلبسين بها وأقروا بما فعلوه ليل نهار في هذه المدة وقد شهد المتهم محمد عبد العال أني بريء، ولم يكن لي دخل مطلقا". وقال: "أنصفوني وخففوا عني الحكم والله مطلع على ما في القلوب واسأله تعالى وهو خير مسئول أن ينتشلني من هذا الظلم الذي حل بي وهذا كل ما عندي" وذلك في العاشر من نوفمبر من العام نفسه. ريا وبديعة لكن هذه الالتماسات لم تقتصر على المتهمين فقط فقد حاول كل من له شيء من المضبوطات أن يستردها كان منهم ليلة بنت عيد والدة محمد عبد العال والتي تقدمت بالتماس إلى وكيل نيابة محكمة إسكندرية الكلية. وطالبت فيه باسترداد ملابس ملك لها تم إيداعها في النيابة، قائلة "وحيث أنه فصل في الدعوى نهائيا ويتيح قانونا لمقدمه استلام ملابسها المذكورة وجلابية ملك نظلة بنت حسن وعليه تجاسرت بعرضه وبه التمس من عزتكم الأمر باستلام ملابس المذكورات المودوعة بالنيابة"، وكان ذلك في 17 مايو من العام 1921.