معتز بالله : الجيش أنقذنا .. لكن ليس بالأمن وحده نحيا الأفلام والمناهج والإعلام .. القوة "الناعمة" لإحداث التغيير نشوى الحوفي : من يقاطع البرلمان كمن يسعد بالحرائق في بيته عادل نعمان : السيسي مسئول عن وقف تخريب مصر زعيم سنغافوري .. صنعت الإنسان وهو صنع النهضة لماذا نتخلف ويتقدم غيرنا؟ .. هل نحن شعب غير مؤهل للديمقراطية كما قال مبارك؟ .. لماذا تنهار دول وتنهض أخرى ؟ .. هل كان الربيع العربي مؤامرة ؟ .. كيف نوازن بين استقرار مصر وإصلاح أمراضها ؟ .. كيف تأثر المجتمع بجماعات الإسلام السياسي ؟ .. ولماذا تحول إعلامنا وبرلماناتنا وأحزابنا لديكور ؟ كل هذه الأسئلة الإشكالية وغيرها يرددها المصريون في حياتهم اليومية، ولهذا حاول كتاب "مصر التي نريد"للباحث السياسي د. معتز بالله عبدالفتاح أن يقترب من الإجابات عنها في محاولة لتدعيم أحلام النهضة والتي تبدو أحيانا مستعصية. الكتاب شهد ليلة أمس احتفالية انطلاقه عن دار "نهضة مصر" في 210 صفحة من القطع المتوسط ويعد شهادة من باحث مقترب من مطبخ الأنظمة السياسية الثلاثة التي تلت ثورة يناير من المجلس العسكري ومرورا بالإخوان وانتهاء بالنظام السياسي الحاكم الآن . وفي الندوة التي أدارتها الكاتبة الصحفية نشوى الحوفي ، يقول الكاتب معتز عبدالفتاحأن "كتاب التقدم" في العالم معروف بالفعل، وهو الخطوات الضرورية لإحداث نهضة ، لكن المشكلة أننا لا نريد أن نقرأ ! وللأسف خريطة الأولويات في مصر غائمة، وكأننا معنيون بالبقاء أحياء أكثر من سعينا لأن نكون في وضع أفضل، وللأسف فإن الدولة تركز الإنفاق على الحجر وليس البشر، وتركز وظائفها في حفظ الأمن وإحداث تنمية، على حين تتراجع الجوانب الخدمية والحقوقية والتربوية بل والتمثيلية بالبرلمان والأحزاب ونحوها. لكن هذا لا يعني اليأس، يشير معتز بالله، فالحلم هو الذي بنى الهند بزمن غاندي ونهرو، والصين بزمن ماوتسي تونج ، وجنوب إفريقيا بزمن نيلسون مانديلا وغيرها من التجارب، وفي مصر استطاع محمد علي إحداث نهضة شاملة مطلع القرن التاسع عشر لمجرد أنه "حلم" ومضى لتحقيق حلمه بكل ما أوتي من قوة. ماذا نريد ؟ يشير د. معتز بالله في كتابه إلى أننا نريد دولة قوية عادلة ننعم فيها بالمساواة ، دولة ديمقراطية يلتزم فيها صانعو القرار بالقوانين قبل الشعب، دولة متسامحة مع المخالفين فكريا وسياسيا، إلا أولئك الذين يثبت ضرر أفكارهم على المجتمع. نريد دولة تنموية تستفيد من مواردها البشرية والطبيعية لمواجهة التخلف والفقر، وأخيرا دولة مدنية تحترم ثوابت الأديان ومباديء الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، على ألا يتحول هذا الدين لأداة تحزب وتناحر بين المواطنين . وفي رسالة للشباب المصري يؤكد مقولة أفلاطون : "من يعزف عن المشاركة في الحياة السياسية ، فسيعاقب بأن يحكم بمن هم دونه، ومن لا يراعون مصالحه" . أزمة مصر بشيء من التوضيح يشير د. معتز بالله إلى أن الدولة تقوم بوظائف ست: الأمنية من خلال الجيش والشرطة وأجهزة الأمن القومي، التمثيلية من خلال البرلمان والأحزاب، التنموية من خلال الوزارات والهيئات الاقتصادية، التثقيفية والتربوية من خلال الوزارات والهيئات القائمة على الإعلام والتعليم والثقافة والأوقاف، والحقوقية وعلى رأسها السلطة القضائية والمحامون ومعهم المنظمات الحقوقية . ويقول الكاتب : لا يمكن لدولة أن تكون غير مستقرة ثم تتحدث عن دعم الحريات والحقوق وضمانات المؤسسات الديمقراطية، إذ أننا جربنا حالة الفوضى الشاملة التي خلقتها أجواء ما بعد الثورة مع غياب القيادة الواعية، ونشاهد مآسي دول سقطت فيها معنى الدولة كسوريا والعراق . ورغم عظمة ثورة يناير التي يشبهها الكاتب بعودة الروح لمصر، وما تبعها من ثورة يونيو التي كانت بمثابة عودة الوعي للمصريين، إلا أن الثوار افتقدوا القيادة وافتقدوا الخوف من سقوط الدولة، وفي المقابل تربص الرجعيون والمحافظون سواء من المتبنين أفكار "اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش" أو فكرة المؤامرة الكونية وراء ثورات الربيع، وبالتالي حتمية تآمر كل ثوري، تربص الفريقان بكل محاولة للإصلاح والتغيير ووصموها بالخيانة، فتاه فريق الإصلاحيين الذين تعتمد كل تجارب النهضة على أفكارهم . وبمعنى آخر فأي ثورة تكون بلا قيادة ستؤدي لما يجري بسوريا حاليا، وأي ثورة بقيادة قوية قمعية ستؤدي لحالة إيران، وأي ثورة بقيادة ديمقراطية ستؤدي لنهضة حقيقية كما جرى بجنوب إفريقيا . الإسلام السياسي سأله محيط على هامش مناقشة الكتاب عن الاتهامات الموجهة للنظامبقمع المعارضة السياسية وفي داخلها تيار الإسلام السياسي والنشطاء الثوريين، وأجاب الكاتب بأن استمرار الطواريء وزيادة أعداد المعتقلين لأسباب تتعلق بالرأي مسألة يجب النظر فيها بجدية من قبل القيادات في هذا البلد، ولكننا نعاني من أزمة غياب صوت العقل عن التيار الثوري ، وعدم إدراكه لما تعانيه البلاد من أوضاع أمنية مرعبة ضمن اضطرابات المنطقة العربية كلها والعالم . واستطرد بخصوص تيارات الإسلام السياسي وغيرها فهي تقدم شعارات براقة ولكنها تنطوي على كوارث قيمية حقيقية، وشاهدنا ما فعله الإخوان المسلمون حين تولوا السلطة، واستأثروا بالقرار واعتبروا أنهم المسلمون وكل من عاداهم مارق رغم أن أخلاقيات كثير منهم تجافي روح الإسلام، بل وكادوا يودون بالبلاد للهاوية بقراراتهم التي لا تخدم الصالح الوطني بالمرة ولهذا كان يجب وقف انهيار مصر معهم . للأسف – يقول الكاتب – الإخوان عليهم مراجعة أنفسهم وأفكارهم وتصورهم للوطن قبل الحديث عن مصالحات ومواءمات ، ويجب على الدولة أيضا ألا يطال بطشها إلا الخارجين عن القانون بالفعل من أي فصيل والذين يهددون السلم العام فعلا . الاستقرار والعدالة معا سأل "محيط" : كيف تدعو الشباب للمشاركة السياسية وهو يرى أن البرلمان يفوز فيه صاحب النفوذ والمال وليس الأجدر، وهل يعتبر بكتابه أن الحريات والحقوق ملغية في دولة غير مستقرة وقوية ؟ ونفى معتز عبدالفتاح أن يكون قد قصد من مقدمة كتابه أن تحقق الدولة القوة والاستقرار ثم تنتبه للمؤسسات الديمقراطية والحريات، بل العكس فهو يرى أن الجيل الحالي يريد الحرية والديمقراطية ، والرئيس السيسي الذي يبذل هو والجيش المصري مجهودا جبارا لإنقاذ الوطن ، يفكر بشكل يسبق كثيرا الحكومات التي اختارها، ولهذا فأي محاولة للتغيير لن تكون بغير ضمانة للحقوق والحريات وعدالة اجتماعية حقيقية وبث لروح الانضباط بالمجتمع وقرارات جريئة كترشيد النسل مثلا للوصول لعائد أكبر من الناتج القومي للفرد في مصر في مرحلة دقيقة كالتي نعيشها . المصريون والبرلمان وبخصوص القرارات الجريئة سأل "محيط" : هل تلقي باللوم في أزمات الإعلام والبرلمان ونحوها على الحكومة فقط دون القيادة السياسية ؟! واعتبر "عبدالفتاح" أن هذا ليس مقصده، بل وإنه يدعو الرئيس السيسي للتدخل بالفعل في هذه الأزمات إذا ما أساءت الحكومة في إدارتها لأن كل ذلك يؤدي لأزمة لدى النظام . والتقطت الخيط الكاتبة الصحفية نشوى الحوفي لتؤكد أن غياب بعض الشباب الواعي عن الإدلاء بصوته في الانتخابات البرلمانية يشبه تماما من يسعد بحريق ينشب ببيته ثم يقوم بتصويره ! وتؤكد "الحوفي" أن البرلمان جاء بهذه التركيبة التي لا تعبر عن طموحاتنا بسبب قلة الوعي عند الناس وليس العكس، وقد شاهدت عمال بالإسكندرية يكادون يحملون أتوبيس يقل أحد الإعلاميين الذين يصفهم الجميع بالإسفاف وقد نجح بدخول البرلمان. ومع ذلك تتفق الكاتبة مع معتز بالله عبدالفتاح في أن البرلمان القادم يمكن أن يمثل نقطة انطلاق حقيقية إذا ما تم التحكم في "أصحاب الصوت العالي" ومن يحبون الشو الإعلامي وتمرير مصالحهم الضيقة على حساب مصالح الوطن ، ولهذا يجب دعم البرلمان . وتضرب مثلا بدوائر مصر الجديدة ومدينة نصر والتي غيرت فيها نتائج المرحلة الثانية المعادلة، وأكدت أن وعي المصريين يمكن أن ينتصر على أصحاب النفوذ . فيما أكد د. معتز أن البرلمانات عادة تكون سببا في تحسين أو تشويه صورة الأنظمة السياسية، فبرلمان مبارك 2010 بتركيبته المعروفة كان أحد الأسباب الكبيرة لثورة يناير، لأنه عكس صعود أصحاب النفوذ وليس الوطنيين، وكذلك الحال في برلمان الإخوان المسلمين 2012 . ويتفق مع الرأي السابق الكاتب الصحفي عادل نعمان وكان أحد حضور مناقشة الكتاب، وقد أكد ل"محيط" أن الرئيس مسئول مسئولية حقيقية عن الأزمات التي تمر بها بلادنا، وهو يستطيع تغيير القيادات التي تسبب الكوارث والتي تمتد لعصر مبارك بممارساته الفاسدة وعلى القيادة السياسية اختيار الكفاءات الجديدة وتغيير الدماء لتكون مصر جديدة فعلا، ويؤكد أن الرئيس السيسي يرغب في النهضة بمصر وأنقذها من سيناريو كارثي وبالتأكيد من ورائه جيش مصر العظيم ولكن ما يجري بالبلاد يمكن أن يحولها مرة أخرى ل"خرابة" وليست دولة لا أحد فيها مسئول عما يفعل! وفي كلمته بخصوص البرلمان، يؤكد الكاتب أنه "شبه برلمان" كأشباه كثيرة ببلادنا، فمعظم المصريين لم يعرفوا المرشح الذين ينتخبونه وبرنامجه ، وكثير ممن فازوا اقتنصوا فوزا رخيصا بشراء أصوات ، وربما لذلك بدا الرئيس السيسي منزعجا من كثير من الفائزين، ولكن بالنهاية هؤلاء يمثلون نسبة، والنسبة الأكبر يعول عليها تغيير هذه الصورة السلبية، ونحن بحاجة للبرلمان فبدونه الدولة لن تسير خطوة للأمام . ويضيف : لو كنت مكان الرئيس لاخترت نسبة من ممثلي البرلمان من المعارضين الحقيقيين الشرفاء ليكون برلمانا فاعلا، لأن نظام بلا معارضة سيفشل حتما . كيف تربي شعبا ؟ ليس المقصود من هذا أن تقوم الدولة بدور الأخ الأكبر المراقب الذي يخنق الحريات ويشيع الخوف، بل المطلوب إشاعة قيم النهضة عبر أجهزة التعليم والإعلام والمنابر الدينية، ومنها مثلا النزاهة بعيدا عن ثقافة الرشوى، واحترام الآخرين وإجادة التعبير عن النفس بدون إقصاء للآخرين، فنتعلم أننا جميعا جزء من دوائر متحاضنة، وربما أعارضك بشيء وأقف بدائرتك بشيء آخر . وهناك قيمة احترام الوقت والانضباط ، وقد أقامت الصين تجربة رائعة حين جعلت جميع المؤسسات شبيهة للغاية بالثكنات العسكرية بانضباطها . ومن ضمن القيم التي تربيها أجهزة الدولة "الولاء" فرئيس إندونيسيا د. مهاتير محمد دعا العلماء الإندونيسيين بالخارج لتسجيل أنفسهم ليكونوا تحت خدمة الوطن إذا ما احتاجهم، لكنه لم يجبرهم على العودة إلا حين تقوم البلاد وتنهض وتصبح لائقة بهم! يقول الكاتب : حين يخرج الكنديون للترحاب باللاجئين السوريين مرددين "طلع البدر علينا" فهذا ليس تصرفا جماعيا وليد الصدفة، ولكنه نتاج لثقافة وتربية ينميها نظام ناجح في شعبه . وفي البلاد الغربية تجد أن تعليم مهارات التفكير النقدي فريضة بأي منهج، وفي أمريكا يدرسون أخطاء أنظمتهم في المدارس ، لأنها تجعل البلاد تتلافى تكرارها كما جرى بفيتنام . كما أن حث الشباب على القراءة لابد أن يكون بضوء أخضر من الدولة . وبمزيد من الأسى يتحدث الكاتب عن القيم الرديئة التي تبثها الأفلام والدراما بل وبرامج التوك شو في عقول المصريين ، وكل ذلك يحتاج لتدخل الدولة بشكل صريح . وهنا تؤكد مديرة اللقاء نشوى الحوفي أن الإعلام والسينما في عهد عبدالناصر كانت تسير بوعي القيادة الواعية، وهذا ما يجب أن نراه اليوم . ويتساءل الكاتب : لماذا قررنا أن نكدس معلومات عقيمة بعقول طلابنا ولا نعلمهم مهارات البحث والتفكير ؟!ولماذا نبث خطابا دينيا نمطيا لا يلامس احتياجات الناس ؟ أما مديرة اللقاء فتدعم هذه الحقائق بمثال واحد وهو "بنك المعرفة" الذي يتيح وصولنا للمعرفة العالمية وتطوير مناهج تعليمنا ، وقد فشل فشلا ذريعا رغم دفع الرئيس السيسي له وترحيبه به وتحمل نفقاته، لكن حين نزل للتنفيذ واجه حكومة لا تعترف بالمعرفة ولا تؤمن بها فعطلوا كل شيء ! حين سئل رئيس وزراء سنغافورة لي كوان يو : "أنت صانع نهضة سنغافورة" فاعترض وقال : "أنا صنعت الإنسان السنغافوري، وهو الذي صنعة البلاد"