أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن التحديات التي يمر بها وطننا العربي ولا سيما بعض دوله لم تعد تقتصر على كونها مجرد مشكلات تواجهها الدول العربية ، وإنما باتت تشكل تهديدا وجوديا مباشرا لكيانات تلك الدول ومقدرات شعوبها ، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الوطني للدول العربية القائمة والعمل على تطوير وتفعيل النظام الإقليمي العربي كإطار منظم لكافة أوجه العلاقات التكاملية وللاتفاقيات العربية على كافة الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والثقافية. جاء ذلك خلال كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر "فكر" الرابع عشر ، الذي تنظمه مؤسسة الفكر العربي بعنوان : "التكامل العربي .. تحديات وآفاق" ، بحضور الأمير خالد الفيصل مؤسس ورئيس مؤسسة الفكر العربي والدكتور نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء الشرق الأوسط. وقال السيسي إن تحقيق ما تقدم لا يعتمد فقط على مدى توافر الموارد سواء كانت طبيعية أو مالية أو بشرية، فجميعها تتوافر لدى الدول العربية، وإنما يرتكز بشكل أساسي على زيادة تعزيز العمل الجماعي وبلورة الرؤى المشتركة باعتبارهما جوهرا ضروريا وقوة دافعة لا غنى عنها من أجل تحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية في العيش الكريم والحرية الواعية المسئولة التي تبنى ولا تهدم .. وتعمر ولا تدمر .. والعدالة الاجتماعية التي تكفل تحقيق التوافق المجتمعي والسلم الاجتماعي . وأضاف قائلا "إننا بحاجة ماسة إلى إعطاء أولوية قصوى لتطوير قطاع الصناعة في إطار تكاملي عربي لبناء الأساس الموضوعي للتكامل الاقتصادي وتوفير السلع والمنتجات التي يمكن تبادلها بين الدول العربية لتعزيز التجارة البينية" .. مؤكدا في هذا الصدد على أهمية ربط استراتيجية التنمية الصناعية بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية لتؤتي ثمارها المرجوة وتساهم في تحسين مستوى معيشة المواطن العربي وتخفض من الاعتماد على الاستيراد من خارج الوطن العربي إلى حدود مناسبة تعمل على إصلاح الخلل في الموازين التجارية وتوفر العملات الصعبة . وأوضح الرئيس السيسي أن تحقيق هذا الهدف يتطلب توفير التمويل الضروري لهذا التطوير من خلال تعزيز دور مؤسسات التمويل العربية ، فضلا عن التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف بين الدول العربية في هذا الشأن بالتواكب مع تطوير البنية الأساسية والمعلوماتية لتسهيل تعزيز العلاقات الاقتصادية العربية على كافة الأصعدة وتطبيق منظومات فاعلة لمكافحة الفساد ، أخذا في الاعتبار دور البرلمانات الرقابية في مكافحة ومنع الفساد والترسيخ لقيم النزاهة والشفافية . وأكد على أهمية تعزيز الاستثمار العربي المشترك للاستفادة من الموارد العربية الطبيعية والمالية والبشرية المتمثلة في العمالة المدربة من أجل تعزيز قطاع الصناعة العربية وتوظيف إنتاجها للنهوض بقطاعات اقتصادية أخرى مثل الزراعة لتحقيق نهوض اقتصادي شامل يأخذ بعين الاعتبار تطوير منظومات التعليم والتدريب والبحث العلمي والتطوير التقني الذي يتعين أن يرتبط بعملية التصنيع . وقال " إن الوصول إلى هدف التكامل الاقتصادي العربي يتطلب التأكيد على أهمية تحقيق الاستقرار السياسي والأمني ، وهو الأمر الذي نستطيع أن نصل إليه معا ، أخذا في الاعتبار أن دعم مسيرة التكامل العربي على الصعيد الدفاعي .. لا تعني تنازلا عن السيادة الوطنية .. وإنما إعلاء للمصلحة القومية الجماعية في وقت تتداعى فيه الأخطار والتهديدات على دول وشعوب وطننا العربي ، ومن ثم فإننا بحاجة إلى تحديد مصادر التهديد للأمن العربي ، وكذا تحديد الأولويات على صعيد مواجهة هذه التحديات " . وشدد الرئيس السيسي على ضرورة إنشاء القوة العربية المشتركة كأداة مهمة من أدوات التكامل العربي اللازمة للدفاع عن قضايا الأمة العربية ، حيث تتخذ مصر والمملكة العربية السعودية الشقيقة خطوات جادة في هذا الصدد ، ومن بينها إنشاء مجلس التنسيق المشترك بين البلدين ، والذي يتضمن أعماله موضوع القوة العربية المشتركة ، إلى جانب العديد من جوانب تعزيز العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين . وأوضح أن صعود الجماعات الراديكالية والمتطرفة التي تمارس الإرهاب وانتشارها في بعض الدول العربية أدى إلى إزكاء ثقافة العنف الديني والمذهبي ونشر الفكر التكفيري بما يهدد الوحدة الوطنية ويفرض قيودا على حرية الرأي والتعبير والإبداع بكافة أشكالها ، الأمر الذي ينعكس سلبا على أوضاع الثقافة والمثقفين العرب ، ويمثل بيئة مواتية لظهور مشاريع سياسية ودينية ومذهبية وقومية تسعى إلى تغيير واقع جغرافيا الدولة الوطنية ، وذلك من خلال صراعات مفتعلة بين الفكرة العربية الجامعة وبين مدعي الفكر الإسلامي . وقال السيسي "وفي ضوء ما تقدم، وأخذا في الاعتبار العوامل الثقافية والإبداعية التي تمتلكها الدول العربية وفي طليعتها اللغة العربية الجامعة والتراث الحضاري المشترك ، فضلا عن الإسهام الفكري والحضاري لمختلف الجماعات الثقافية الذي يثرى الواقع الثقافي العربي .. فإنه يتعين تفعيل دور جامعة الدول العربية والمنظمة العربية للعلوم والثقافة "الألكسو" ، وتطوير العلاقات الثقافية بين دول المنطقة المتقاربة ثقافيا من خلال المؤسسات الحكومية والأهلية ، بحيث تزداد الروابط والموحدات الشعبية والرسمية ، ويكون نتاج ذلك دعما لمشروع التكامل المأمول، بما يحقق الازدهار الثقافي والاقتصادي في المنطقة ، فضلا عن أهمية إيلاء الثقافة والتعليم والفنون ما تستحقه من عناية واهتمام ، من أجل إحداث نقلة نوعية في العقل والفكر العربيين ، بحيث تؤسس المناهج التربوية والجهود الثقافية بشتى أنواعها لعقد اجتماعي جديد يعلي من قيم المواطنة والتنوع واحترام وقبول الآخر " . وأضاف الرئيس - خلال كلمته في مؤتمر "فكر" - " لن يفوتني أن أؤكد في هذا المقام ، على ضرورة تنسيق الجهود بين الدول العربية على المستويين الرسمي والشعبي ، للعمل على حماية التراث الأثري العريق ، الذي يتعرض للتدمير والنهب في عدد من الدول العربية جراء العمليات الإرهابية .. كما أدعو إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن ، وفي مقدمتها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) " . وأوضح أن تحقيق التقدم على مختلف مسارات العمل العربي المشترك بغية تحقيق التكامل العربي المنشود ، يقتضي تطوير الكيان الجامع لآليات هذا العمل المشترك وهو جامعة الدول العربية ؛ الأمر الذي يتطلب بلورة الرؤى المشتركة والتوعية بأهمية عملية التطوير والإصلاح على المستوى الشعبي والمجتمعي وحشد الطاقات من أجل تحقيقها . وتابع قائلا " أود أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى مؤسسة الفكر العربي وإلى رئيسها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وإلى مديرها العام الدكتور هنري العويط .. والشكر موصول إلى أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي ، وإلى كل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر وأحاطه بالرعاية الكريمة وبالتنظيم الراقي ، والذي يتزامن انعقاده مع ذكرى مرور سبعين عاما على إنشاء جامعة الدول العربية "بيت العرب" الجامع لهم .. والذي تحتضنه العاصمة المصرية إيمانا بأهمية تحقيق التكامل العربي وتعزيز العمل العربي المشترك " . وأكد الرئيس السيسي - في ختام كلمته - " أن مصر وشعبها ستظل قلوبهم مفتوحة لكم وأياديهم ممدودة إليكم بكل الخير ، ننشد معا التقدم والرخاء ونسعى بدأب من أجل تحقيق النمو والازدهار لدولنا وشعوبنا العربية.. نثمن قيمة الفكر وندرك أنه الهبة التي ميز الله سبحانه وتعالى بها الإنسان على سائر مخلوقاته ، وحمله من خلال العقل مسئولية البناء وعمارة الأرض .. فدعونا نعمل معا من أجل تحقيق مراد العلى القدير من الخلق .. نصون أوطاننا .. ونحافظ على مقدرات شعوبنا .. ندافع ولا نعتدى.. نبنى ولا نهدم .. نؤمن بالتعددية فعلا لا قولا .. ونتخذ منها وسيلة وحافزا .. على مزيد من العمل والإنتاج في شتى مجالات الحياة " .