لم يكن الإسلام إلا داعياً لمكارم الأقوال والأخلاق " وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُواًّ مُّبيِناً " (الإسراء: 53). والكفر هو في الأصل الستر والتغطية. والمسلمون كافرون بالطاغوت مؤمنون بالله على الصورة التي أتت في القرآن " فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا" (البقرة: 256). الكفر وصف حال وليس شتماً أو سبّاً هي في الأصل كذلك حتى تحولت على ألسنة من لا يعلمون إلى شتم أو سب. والإخبار من حيث هو إخبار يحتمل التصديق والتكذيب فإذا أخبرك شخص بخبر فحين تصدقه فهذا إيمان بكلامه وحين تكذبه فهذا كفر بكلامه وقد سُمي التصديق إيماناً وسُمي التكذيب كفراً وما جاء القرآن واصفاً أحداً بالكفر إلا وهو وصف لحال من حيث التكذيب للأخبار الواردة في القرآن والكافر بشيء يشهد بذلك فيقول أنا مكذب وغيرمصدق، فالمكذب للأخبار كافر بها لا يستفيد من دلالاتها وهو يقر بذلك فيقول أنا لا أؤمن بكذا وكذا أي لا يصدق بهذه الأخبار. والكافرون لم يعتبروا ذلك شتماً لهم ولا احتجوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم شتمهم أو سبهم بهذا القول. فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم بشاتم لأحد أو لاعناً أو فاحشاً أو بذيئاً. فالكفر بالقرآن هو تكذيب له، والكافر يعلم أنه مكذب لما جاء بالقرآن ولا يعتبر وصفه بالكفر شتماً له. حتى تحولت الكلمة إلى سب يغضب منها من يوصف بها حتى ولو كانت في الحقيقة وصفاً صحيحاً لحاله. ولعل طريقة القائل ولحنه في القول تشعر بأنها سب حيث أنها غالباً ما تعني بأنه حلال الدم والمال والعرض. والكافر في الحقيقة ليس بحلال الدم أو المال أو العرض لكفره. فالمقاتلة واستحلال الكافر لدماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم هي السبب في المعاملة بالمثل والأصل في الدماء التحريم وكذلك الأموال والأعراض. فالأقوال لها قرائن أحوال تحولها من معنى إلى آخر حتى تحولت هذه الكلمة إلى سب في دلالتها أكثر من فهمها على وضعها الأصلي. فالآن أصبح التكفير سبا يستخدمه بعض الناس كثيراً. كأن يغضب أحد من أحد غضباً شديداً فيقول له أنت كافر أو يغضب من فعل غضباً شديداً فيقول هذا كفر فيصف الأفعال التي فيها ظلم بأنها كفر. فالتكفير في الحقيقة لا يحل دماً ولا مالاً ولا عرضاً إنما هو وصف لحال أي وصف لواقع لا ينكره الكافر. فالمسلمون كافرون عند النصارى واليهود لأنهم يرون أن شرائع اليهود والنصارى منسوخة بالقرآن الكريم وحرية الاعتقاد تستدعي ألا يقول أحد لأحد يا كافر يقصد بها سبه فالسب منهي عنه مطلقاً " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" (فصلت: 34، 35). {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام108 وما يقال عن الكفر يقال عن الشرك «أن تجعل لله نداً».