يوم عرفة يوم عظيم مبارك، وهو من أفضل الأيام عند المسلمين، وهو أحد أيام العشر الأوائل من ذي الحجة، ويوافق يوم عرفة اليوم التاسع من شهر ذي الحجة ، يقف حجاج بيت الله الحرام يوم عرفة بعرفة وهو موقع قريب من مكةالمكرمة، وهو أبعد المشاعر المقدسة من مكة. وصيام يوم عرفة لغير الحاج فيه من الأجر العظيم، وهو تكفير سنة قبله وسنة بعده . يوم عرفة من الأيام الفاضلة، تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات. إنه اليوم العظيم الذي يتجلى فيه ربنا جل جلاله على عباده الذين جاؤا من كل فج عميق ، فيباهي بهم ملائكته فيخاطبهم بقوله : انظروا ياعباد الله إلى سعة رحمة الله، فالوفود في عرفة ، منهم من يرجو عتقاً من النار ، كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام بذلك في هذا اليوم حيث قال:((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله تعالى فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وأنه يباهي بهم الملائكة فيقول ماذا أراد عبادي هؤلاء)) ، فمن أراد أن يكيد إبليس وهو حقير ذليل مدحور فعليه بيوم عرفة فعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما رؤي الشيطان أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة ، وما ذاك إلا أن الرحمة تتنزل فيه فيتجاوز عن الذنوب العظام )) . فيأتي الحاج وفي صفحاته سيئات وبعد الوقوف بعرفة والدعاء ، ولم لا ؟! . ويوم عرفة تتنزل فيه الرحمات على القلوب وفتملأها يقينًا وإيمانًا ، وتغمر أهل الموقف العظيم فما أعظمه من موقف ؟ وما أبركها وأجملها من ساعات تتصل فيها الأرض بالسماء ، إنه اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم ، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان -يعني عرفة- وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلاً، قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} " . إنه اليوم الذي أقسم الله به ، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} . فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة" . إنه يوم الدعاء فقد وقف أحد الصالحين بعرفة فمنعه الحياء من ربه أن يدعوه فقيل له: لم لا تدعو ؟ فقال: أجد وحشة، فقيل له: هذا يوم العفو عن الذنوب، فبسط يديه ووقع ميتاً . إنه اليوم الذي يتذكر العباد يوم حشرهم فقد تجرد الجميع من بهرجة الدنيا وزينتها ولبس ثوبين أبيضين يشبهان الكفن ،فكأن القوم قد بُعثوا من قبورهم ، فالأعناق مرفوعة إلى السماء والأصوات تضج بالدعاء وبالبكاء ، في هذا اليوم المبارك تتجلى وحدة هذه الأمة حيث ترى الناس على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وبلادهم ، لباسهم واحد ، وندائهم واحد ، وسلوكهم واحد وربهم واحد . وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتم به النعمة، قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- : إن رجلا من اليهود قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال : أي آية؟ قال: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) . قال عمر – رضي الله عنه- : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة . يوم عرفة هو أعظم خيرات الدنيا ، فهناك تسكب العبرات، وترتجى الطلبات، وتكفر السيئات؛ فينبغي للمسلم استغلال هذه اللحظات بالاجتهاد في العبادات والحرص على الطاعات .