40 لوحة بالألوان المائية أبدعها الرسام المشهور " إدوارد ريو " سجل فيها الحدث العالمى لافتتاح قناة السويس منذ 146 عاما الذى حضره ملوك العالم ، بتكليف من الخديوى إسماعيل ، لإهدائه للملوك و العظماء الذين حضروا الاحتفالات . و قد لاءم الفنان ريو بين اللوحات التى رسمها أثناء رحلة الملوك عبر الخليج لحضور افتتاحية القناة ، و بين ما كتبه المؤرخان " جيستاف نيقول " و " ماريوس فونتان " عن ملحمة قناة السويس . و أعاد المركز القومى للترجمة نشر هذا الكتاب التراثى النادر " افتتاح قناة السويس رحلة الملوك – رحلة رائعة عبر خليج السويس" بمناسبة افتتاح قناة السويس الجديدة . و يصور الكتاب مشهد الافتتاحية من دخول الأسطول البحرى القناة ، و فرحة الجماهير التى اصطفت على الضفتين ، كما تبرز توافد قبائل العرب التى جاءت من كل الجهات بالجمال والخيول و نصبت الخيام ، و أقيم حفل فروسية رائع ، كما يصف الكتاب المدن الحديثة التى ولدت فى الصحراء بشوارعها الواسعة و مبانيها الجميلة المزينة بالأعلام ، ليوثق الكتاب هذا الحدث الفريد فى ذاكرة العالم . و يفتتح الكتاب بمقولة الشيخ رفاعة الطهطاوى عن قناة السويس : " يا مصر لك المجد و العزة ، فسوف نعيد فتح قناة عمر بن الخطاب العتيقة ، فقد كان لأجدادنا فيما مضى شرف تنفيذ هذا العمل الخارق ، إن شق الخليج لواجب مقدس ، تتقلب الأرض و تزمجر ما بقى الخليج موجودا ، افتحوا فيه طريقا ، إن شق بطن الخليج لمؤلم ، و لكن بعد ذلك سوف تزول آلامنا إلى الأبد " . و يعد الكتاب تأريخا مصورا لتنفيذ و افتتاح القناة ، و قد حضر ريو إلى مصر بناء على طلب شخصى منه لتسجيل احتفالات القناة برسومه ، على ان تنشرهم دار " هاشيت " فى مطبوع فاخر، و لم يطلب سوى تذكرة ذهابه و إيابه ، و الإقامة مقابل أعماله ، و قد وافقت شركة قناة السويس برئاسة " ديليسيبس " على طلبه ، على أن يخص ديليسيبس باللوحات الأصلية ليهديها للإمبراطورة " أوجينى " و زوجها " نابليون الثالث " إمبراطور فرنسا . و لأن الخديوى إسماعيل لم يرد أن يترك لديليسيبس تلك المبادرة طلب من ريو ، إضافة بعد الصور ، و تصميم ألبوم فاخر لإهدائه للملوك ، و هذا يفسر وجود نسختين أحدهما تبدأ بصورة ديليسيبس و مقدمة تمجد فى فرنسا و حفرها للقناة مدعين أنها عمل فرنسى متجاهلين مجهودات و تمويل الخديوى و أنها حفرت بأيدى مصرية ، لذا النسخة الأخرى حذف منها تلك الأجزاء ، و بدلا منها وضعت صورة للخديوى ، و مقدمة تمجد فيه . و يبدأ المؤرخ " فونتان " الكتاب فى المقدمة المحذوفة بشعار " فتحنا الأرض لنشر السلام بين الناس " معلنا سقوط الحاجز بين الشرق و الغرب ، بهذه القناة التى لم تصل البحرين فقط ، بل تمثل أيضا مقدمة عظيمة لفترة تاريخية كلها سلام " . و يسترجع الكتاب مشروع حفر قناة السويس ، و يجمع أقوال الرحالة و الأفراد الذين عرفوا الخليج فى الماضى ، و شهادات المعاصرين الذين حضروا الأعمال فى القناة ، و سيتند إلى خطب المسئولين بالشركة ، و مداخلات المقاولين و المهندسين بشأن الاختراعات التى توصلوا إليها ، و تصور لوحات " ريو " أيام الاحتفال الخمسة ، و عبور القناة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر ، من بورسعيد إلى السويس الذى قام بها ريو مع المؤرخان نيقول و فونتان قبيل ليلة الانتهاء من قناة السويس ، و تبرز كيف تحولت الصحراء الجرداء لمدن حديثة ، و أعمال الورش و الفلاحين و السكان لإنهاء العمل . الاستعداد للاحتفال امتدت احتفالات القناة خمسة أيام تحملتها الخزينة المصرية فى مظهر من مظاهر الترف و إسراف الخديوى إسماعيل الذى كبل البلاد بالقروض ، فتم دعوة أكثر من 6 الآف من الملوك و الشخصيات الهامة ، و تكلفت الحفلات و الولائم مليون ونصف جنيه تقريبا ، و آحضر الخديوى 500 طباخ ، و ألف خادم خصيصا من إيطاليا و مرسيليا . و فى يوم 14 أغسطس 1868 ، غادر الخديوى إسماعيل على ظهر يخته " المحروسة " إلى أوروبا لدعوة ضيوف القناة ، و بمناسبة الافتتاح تم إعفاء السفن التجارية و الدولية من الرسوم من 17 حتى 20 نوفمبر 1869 ، وذلك طوال مدة احتفالات القناة ، و تم دعوة 200 من أهم صحفيين أوروبا لتغطية الحدث . و يصور الكتب المشهد المهيب لوصول الأساطيل من مختلف أنحاء أوروبا ، و انطلاق المدافع ، الاستقبال الذى وصفته بعد ذلك الإمبراطورة أوجينى قائلة أنها لم ترى مثله فى حياتها ، و قد سبق افتتاح القناة " الاحتفال الدينى " و إقامة الشعائرالإسلامية و المسيحية ، فعلى شاطئ بورسعيد و أمام رصيف " اوجينى " أقيمت ثلاث منصات ، خصصت الأولى القريبة من الرصيف لكبار ضيوف الخديوى ، و منصة لإقامة شعائر المسلمين جهة اليسار ، و جهة اليمين نصبت منصة لصلاة الكنيسة المسيحية . و كتب " أوجين أرنو " : " هذه المباركة من كبير الأساقفة الكاثولوكيين محاطا برجال الدين المسلمين ، و شريف مكة الشيخ الكبير الذى جمع كل جلال الشرق ، كانت تضفى مظهرا بعظمة نادرة الحدوث ، هذه الصلاة بصوت مرتفع بلغات مختلفة ، و هذه التراتيل الدينية و هذا البخور ، و هذه الكلمات المؤثرة ، و أصوات طلقات المدافع وسط الخيول الجامحة التى تضرب الأرض بحوافرها ، و تشب و تصهل ، كانت أكثر من شئ جميل ، لقد كان أمرا رائعا " . الألوان تسود و بعد منح البركة بدأت الاحتفالات و دخلت السفن لبورسعيد يوم 16 نوفمبر ،و فى يوم 17 انتقلت إلى الإسماعيلية ، و شكل ترتيب الموكب مشهدا رائعا ، فى يوم 18 وصل الموكب الإسماعيلية و يتكون من 50 سفينة مصرية و فرنسية و إنجليزية و نمساوية و ألمانية و هولندية و روسية و أسبانية و إيطالية و نرويجية و سويدية . و ذهب الأمراء لقصر الخديوى إسماعيل ، فيما ذهبت أوجينى على ظهر الأحصنة لشاليه الخديوى و عادت على ظهر الجمل . أما الرؤساء العرب فكانت خيامهم من أقمشة متعددة الألوان تعلوها الرايات ، مزينة من الداخل بكل فخامة الشرق من السجاجيد و البلور و الأسلحة النادرة ، و كانت الخيام تشكل لوحة رائعة ، فبعضها خضراء اللون و مزينة بالنقوش الملونة مثل خيام حجاج مكة ، و خيمة الخديوى كانت مبطنة من الداخل بالقماش الأزرق المقصب ، و خيم للبشاوات ، و خيمة لرئيس الدراويش الذى ظهر فيها بمعطفه المبطن بفرو من الحرير الوردى الفاتح مع الأبيض ، وردائه المطرز باللون الأخضر . و طلب الخديوى من كبار القبائل الأفريقية تنظيم حفل فروسية لتكريم ضيوفه ، شارك فيها ألف من صفوة الفرسان ، و ظهر كل شيخ قبيلة بحزامه المطرز بالذهب و المزود بالأسلحة و المسدسات ، و قامت الفرق الصغيرة بألعاب بهلوانية . و قام بعض الزوار بزيارة مدافن الإسماعيلية و مقابر الموظفين و العمال الذين قضوا نحبهم لحفر القناة ، و يقول " فانتان " : " لقد دفعت كل الرتب ضريبتها من المهندسين و الأطباء و الموظفين و العمال . و فى يوم 19 نوفمبر ترك الأسطول بحيرة التمساح متجها عبر القناة إلى البحيرات المرة ، و استعدادا لدخول مياه البحر الأحمر ، رست السفن تلك الليلة لتشهد " مشهدا مسرحيا لأيام العمل فى القناة " . و يقول الصحفى " كامى بيليتان " عن هذا المشهد : يقوم مائتان أو ثلاثمائة من العمال العرب و الأوروبين بحفر الرمل بالفأس .. كم من الملايين من ضربات الجاروف تم نقلها فى لهيب الشمس و فى قلب الصحراء ، حتى تمكننا أن نبحر اليوم بكل هدوء بالباخرة إبحارا رائعا على طريق القوافل القديم ". و فى 20 نوفمبر غادر يخت الإمبراطورة " أوجينى " بحيرة التمساح للبحر الأحمر ، و من خلفها باقى الأسطول ، حتى رست الخمسون سفينة فى ميناء السويس مرفرفة أعلامها عاليا ، و كشف عن تمثال نصفى أقامه " ديليسيبس " تخليدا لذكرى " فاغرون " الذى فتح الطريق البرى عبر مصر لإقامة المواصلات البرية بين الشرق و الغرب . و فى خامس أيام الاحتفال 21 نوفمبر ، شاركت 67 سفينة فى مشهد الافتتاح الضخم ، و قال " الصحفى " شارل سوفيتر " : لم أحضر منذ عشر سنوات إلى هذا البلد ، لقد تغيرت معالمه ، فقد كنا لا نجد فى السويس عشبا طوال 30 فرسخا ، و الآن فإن الحدائق فى كل مكان " . شهادات عن القناة قال الخديوى إسماعيل عن قناة السويس : " البحث عن وسائل زيادة رخاء الوطن هو واجبنا ، بارك الله جهودنا " ، فقد ذهب الخديوى بنفسه لمتابعة ما يتم فى القناة من تقدم قبل الافتتاح ، و فى زيارة له قال له " ديليسيبس " : " أمر سيدنا موسى مياه البحر أن تنسحب ، و استجابت له ، و سوف تعود بأمرك إلى مجراها !! " ، و قد عاد الخديوى إلى القاهرة مكللا بالإعجاب بهذا العمل الضخم . بينما قال " لورد نابيه " عن قناة السويس : " لقد جعلت من أفريقيا جزيرة ، فتغيرت كل ثوابت الجغرافيا " . وقال القائد " كليرك " : " إذا كان الأمر مستحيلا فسوف ينفذ ، و إن كان صعبا فقد سبق إنجازه " . و فى زيارة الكونت " دى جاليبير " أحد الإداريين بالشركة ، قال : " تم الانتصار نهائيا على صحراء السويس ، و يا له من مشهد 20 ألف زنجى من السودان وبرابرة وهنود وفلاحون وأوروبيون ونساء و أطفال ، كل هؤلاء – يعلم الله كيف كانت ملابسهم – كانوا حشدا من البشر يعمل البعض منهم بالقفة ، مثل الأيام الأولى لأشغال الخليج ، و الآخرون يعملون بعربة اليد ، و غيرهم بالحمير و الجاموس الجمال ، و فى وسطهم آلات الصناعة الحديثة ، و الطرق الحديدية و البخار و الآت التفريغ و ماذا أعرف ! لا نشعر فقط بالدهشة و لكن بالإعجاب عندما نرى هذا المنظر العام المنقطع النظير ، إنه الذهول تقريبا " . ووصف " كزمير ليكونت " مشهد الجماهير الفرحة الذين يغطسون فى المياه فرحا ، و كبار السن يرفعون رءوسهم للسماء يشكرون العناية الآلهية ، و آخرون ينظرون بأسف عميق للمياه التى تختلط بالبحر الأمر دون استفادة منها ، و عبر ليكونت عن ذلك قائلا : " كان البعث ، فالمدينة المحكوم عليها بالوت قد تعلقت بالحياة من جديد و تطورت ".