"تساوت لديك دماء الشهيد ، وعطر الغواني ، وكأسُ المجون ، ثلاثون عاماً وسبع عجاف ، يبيعون فيك ولايخجلون ، فلاتتركي الفجر للسارقين ، فعار علي النيل ما يفعلون"..الآبيات الشعرية السابقة أقتطفناها من قصيدة الشاعر الكبير فاروق جويدة" ويبقي الشعر"،التي زين بها مقاله الأسبوعي في أهرام الجمعة 11-11-2011م،وهو المقال الذي حمل عنوان"من خان الثورة؟" ،ويقصد بالطبع ثورة 25 يناير المجيدة.
وفي إجابته أتهم الشاعر الكبير فاروق جويدة المجلس الأعلي للقوات المسلحة بأنه "حائر بين ولاء قديم للرئيس المتنحي ،وبين ثورة انحاز لها ووعد بتحقيق مطالبها" ، وأشار إلي أن المجلس تأثر بمواقف بعض الدول العربية والغربية ، وضغوطها المتعلقة بالأموال والمحاكمات والسجن للرئيس المتنحي ، ورموز حكمه ، ولذلك تراخي المجلس العسكري - كما يقول جويدة- في المحاكمات ، ووجه اتهامات "هزيلة لرموز النظام السابق ورأسه ، وتراخي في تتبع أموال مصر المنهوبة" .
وانتقد جويدة "الانقسامات بصفوف القوي السياسية" ، وقال إنها تحولت لصراعات"حول أهداف غامضة" ، كما تطرق"للتخاذل المريب من النخبة ، وأوضح أنها "تحولت إلي أبواق لمطالب فئوية" ، وقال إن ذلك فتح الأبواب لصراعات وصفها بأنها "غريبة بين أبناء المجتمع" ، وأشار إلي أن ذلك "ما أعطي الفرصة لطابور خامس أن يشكك في الثورة".
وواصل جويدة اتهاماته فوصم الأحزاب بالضعف والترهل ، والذي يهدد التجربة الديمقراطية بمجملها، وأشار إلي أن "القوي الإسلامية تقف هنا ، وهي تستعد لاحتواء المشهد برمته أمام ارتباك المجلس العسكري والحكومة وانتهازية النخبة وفراغ الشارع"،علي حد قول سيادته ، وحذر جويدة مما اسماه "الصراع القادم بين القوي الاسلامية وخطورته".
وفي ختام مقالته خلص للقول"إن الشيء المؤلم أن الجميع خانوا الثورة، ولم يصدق أحد معها ، إلا شهدائها الأبرار وملايين الفقراء والبسطاء الذين حلموا معها ، وربما خرج هؤلاء مرة أخري لانقاذها من أيدي الذين سرقوها".
فيما سبق حرصت علي إيجاز المقالة بشكل دقيق ، لأن فاروق جويدة عندما يكتب ، فإننا هنا نقرأ لكاتب وطني مخلص وشريف ، ويتوجب علينا أن نتعامل مع ما كتبه بجدية ، وبلاشك هو استعرض نقاط ضعف في أداء المجلس العسكري ، والأجهزة التي تدير مصر ، نقاط ضعف ملموسة للجميع ،ويهيء للناس كافة من خلال متابعتها أن جهودهم تبددت، وثورتهم قد تسرق منهم .
ومن حقنا جميعا أن نشير إلي نقاط الضعف ، وننتقد أداء المجلس أو الحكومة ، لكن يتوجب علينا أن لاننسي أبدا أان مكتسبات كثيرة قد تحققت،وأن المجلس والحكومة يواجهان عبثاً خارجيا وداخليا بالأمن القومي المصري ، هذا العبث لايتمثل في أموال تدفقت علي بعض الأدوات الحقوقية والإعلامية ،ممن لهم مصلحة في وطننا ومنطقتنا ، يودون الحفاظ عليها فحسب،إنما هذا العبث ارتقي أيضا إلي مناشدة شخصيات مصرية معروفة ، مناشدتها القوي الخارجية أن تتدخل بشئون بلادنا ،وتمنع مشاركة الاسلاميين في العمل العام،كما كان يفعل مبارك ،وتقف تلك القوي سعيدة بأفعاله.
وهذا هو مربط الفرس ،والذي تجاهله الاستاذ فاروق جويدة ،وهنا يتوجب علينا أن نتوقف لنشير إلي أن الكاتب الكبير جويدة ،كان هو الأحق بترأس مجلس إدارة الاهرام ، بدلا من عبد الفتاح الجبالي عضو أمانة السياسات بالحزب الوطني المنحل ، والذي فضل المجلس العسكري اختياره للموقع مؤخراً،لكن علي الأستاذ جويدة أن يعلم أن انتخاب أبناء الاهرام رئيس تحريرهم ، تم لأول مرة في تاريخ هذا الصرح العريق بعد الثورة،وأنه أكبر من هذا المنصب في عيوننا.
وعلي الأستاذ فاروق جويدة أن لايتجاهل أن انتخابات وشيكة بمصر لايريد لها،اعداء الوطن ،ومن يتحدث عنهم أن تتم ،سيعقبها- بإذن الله- اختيار حكومة هي التي ستعبرعن الثورة، وتحقق ما تبقي من مطالبها، وتقضي علي مظاهر الفوضي والانفلات الأمني والأخلاقي بمجتمعنا ، وتواجه ضغوطات الخارج السافرة بإرادة حديدية مستمدة من ثورة عظيمة.
كما أن علي الأستاذ فاروق جويدة أن يعلم أن النخبة التي يتحدث عنها ،وغالبية الأحزاب والأدوات الإعلامية ،هي ذاتها النخبة التي استخدمها مبارك في العصف بمعارضيه ، واستخدمها كمعارضة شكلية لنظامه، وجانب كبير من تلك النخبة واحزاب ووسائل اعلام ،تحالفت مع حكم الرئيس المتنحي ،وشاركته في افساد الحياة السياسية، ومن ثم هي ليس بمحسوبة علي الثورة الآن، إنما هي أداة ترتدي قميصها،وتعمل ضدها ،ويستغلها كل من هب ودب ،للنيل من ثورة 25يناير المجيدة.
وللاسف عندما وصل جويدة في مقالته إلي الاسلاميين ،كنا نتمني أن لايقفز فوقهم ويتخطاهم ويظهر ما في داخله من توجهات ، قد لاتتفق معهم ولاتحبذ وجودهم ، متناسيا أن الفصائل الاسلامية هي التي دفعت الثمن غاليا ،خلال الثلاثون عاما والسبع العجاف، التي يتحدث عنهم في شعره ،وبلغ عدد من ضربوا بالرصاص علانية وأعدموا عبر المحاكمات العسكرية ، ودفنوا بمقابر جماعية الآلاف خلال تلك الأعوام ، إضافة لأكثر من ربع مليون إسلامي غيبوا خلف القضبان بدون محاكمة وبغير الحق أعوام طوية وتعامل معهم حكم مبارك بلاضمير وبلا رحمة وبلا انسانية.
وتجاهل فاروق جويدة أنه لولا التيار الإسلامي لكانت ثورة 25ينايرقد فشلت فشلا زريعا ، ويوم واقعة الجمل ذهب الشيخ صفوت حجازي إلي شبرا ، وكان بالتحرير بضعة آلاف من شبابنا وجاء وخلفه أكثر من عشرة آلاف اسلامي ، تصدوا لهذا الهجوم الآثم ، وكان أغلب شهداء الثورة من الاسلاميين. والعبد لله هنا بحكم موقعه، لاينحاز لفصيل بعينه ،فنحن نجل كل تيارات مصر الوطنية الشريفة وألوان طيفها ،ولكننا نكمل الصورة لا أكثر.
والخلاصة نقول للاستاذ جويدة نعم سيدي هناك سلبيات نراها في إدارة المجلس الاعلي للقوات المسلحة للأمور ،وللمجلس وجهة نظر فيها باعتباره المسئول عن ثمانين مليون مصري الآن ،ونعم هناك نوع من الانفلات الأمني والاخلاقي بالمجتمع وتفكك أجهزة الأمن المفترض أنها تحافظ علي استقراره ،ويتحمل مسئولية ذلك إخواننا بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة ،لكن نطمئنك أن مصر تحررت ،وستحكمها حكومة حرة ورئيس سيتم اختياره قريبا بالارادة الحرة.
ونقسم لك بحق عقيدتنا وجيشنا المستهدفين ، أن عصر مبارك انتهي للأبد ،وأن مصر لن يحكمها متصهين أو متأمرك مرة أخري،وان رجالها جاهزون لحماية ثورتها والتحرك في التوقيت المناسب أن تطلب الأمر ،ولن تخضع أبدا لأرهاب من يسجدون لغير الله في الخلاء سيدي ، أما الأستاذ فاروق جويدة فسيظل دوما عزيزا ، وكبيرا وحرا في عيوننا ، وخالدا في ذاكرة وطننا الادبية ،متعه الله بالصحة والعافية.