ظل حياً بقراءته للقرآن الكريم ، شيخ المغردين والذي أول من تلى القرأن الكريم بمكبرات الصوت في مكة والمسجد النبوي ووقفة عرفات من عام 1948 إنه الشيخ الراحل عبد الفتاح الشعشاعي.
مسيرة حافلة:
ولد الشيخ عبد الفتاح محمود الشعشاعي في قرية شعشاع في المنوفية في 21 مارس1890 ميلاديا ، ووافته المنية في 11 نوفمبر ،1962 وكان على شبكة الاعلام العربية "محيط" أن ترصد حياة الشيخ الراحل.
بدأ الشيخ حياته في قرية شعشاع بمركز أشمون بمحافظة المنوفية شمال القاهردة ، ووالده الشيخ محمود ابراهيم الشعشاعي وسميت القرية باسم جده شعشاع.
حفظ القران على يد والده الشيخ محمود الشعشاعي في عشر سنوات فأتم حفظه في عام 1900 ميلادي.
ثم انتقل إلى مدينة طنطا ليأخذ علم القراءات على يد المتخصصين من أبناء هذا البلد معقل علم القراءات، وانتقل إلى القاهرة عام 1914، وسكن بحى الدرب الأحمر، وبدأ صيته يذيع في القاهرة بين أساطين دولة التلاوة أمثال علي محمود ومحمد رفعت.
وقرأ في مأتم سعد زغلول باشا، وعدلى يكن باشا، وثروت باشا، وكان ثاني قارئ يقرأ بالإذاعة المصرية بعد افتتاحها عام 1934م، وكان الأول هو الشيخ محمد رفعت. عين قارئاً لمسجد السيدة نفيسة، ثم مسجد السيدة زينب عام 1939. حج الشيخ الشعشاعى بيت الله الحرام سنة 1948، وقرأ القران فيه على مسامع عشرات الآلاف من الحجاج.
سافر إلى العراق عام 1954، ثم سافر إليها أكثر من مرة بعد ذلك منها عام 1958م وعام 1961م. من أبنائه القارئ الشهير إبراهيم الشعشاعي الذي خلفه في مدرسته.
ولا شك أن الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي ترسمت شخصيته وتأثرت بوالده الشيخ محمود ابراهيم الشعشاعي ، سافر الى طنطا لطلب العلم من المسجد الأحمدي وتعلم التجويد وأصول المد بالطريقة العادية ولتفوق الشيخ وتميزه بصوت عذب فقد نصحه المشايخ للسفر إلى القاهرة والالتحاق بالأزهر الشريف ، ودرس هناك القراءات على يد الشيخ بيومي والشيخ علي سبيع.
وعاد الشيخ إلى قريته وبين جوانحه إصرارعنيد على العودة إلى القاهرة مرة أخرى ، ليشق طريقه في زحام العباقرة نحو القمة ،وكان في القاهرة حشد هائل من عباقرة التلاوة وعندما بدأ الشيخ رحلته إلى القاهرة كان أكثر المتفائلين يشك أن الشيخ الشاب سينجح حتى في كسب عيشه.
وكون الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي فرقة للتواشيح الدينية ، وكان في بطانته الشيخ زكريا أحمد الملحن العبقري ، والذي ذاع صيته فيما بعد وسرعان ما بدأ الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي يتألق ويلمع وأصبح له عشاقه بالألوف ،ولكن فرقة التواشيح لم ترض طموح الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي فغامر وألقى بنفسه في البحر الذي يتصارع فيه العمالقة.
وفي ذات مساء دخل ليقرأ في الليلة الختامية لمولد الشهيد الامام الحسين (رضي الله عنه) مع أعظم وأنبغ المقرئين في بداية هذا القرن أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ أحمد ندا والشيخ علي محمود والشيخ العيساوي الشيخ محمد جاد الله ، وفي تلك الليلة طار صوت الشيخ الى العالم الاسلامي وأصبح له مكانا فوق القمة وأصبح له معجبين وتلاميذ ومنهم الشيخ محمود علي البنا ، والشيخ أبو العينين الشعيشع وغيرهما كثير.
ومنذ سنة 1930 تفرغ الشيخ لتلاوة القران الكريم وترك التواشيح إلى غير رجعة ومع ذلك لم ينس رفاقه في الدرب فقرر تخصيص رواتب شهرية لهم حتى وفاتهم.
وبعد افتتاح الإذاعة عام 1936 بدأ نجم الشيخ يتلألأ على أنه رفض التلاوة في الاذاعة في أول الأمر خشية من أن تكون التلاوة في الإذاعة من المحرمات ، ولكنه تراجع عن ذلك القرار بعد فتوى شيخ الأزهر الظواهري وقبول الشيخ رفعت لعرض الإذاعة ، وكان يتقاضى راتبا سنويا قدره 500 جنيه مصري.
وذات عام دخل الشيخ لقصرالملك لقراءة القرآن في رمضان ثم أقسم بعدها أن لا يعود إلى التلاوة مرة أخرى فقد علم أنه بينما كان يقرأ القران في جناح القصر كان الملك يفسق في جناح آخر.
وكان للشيخ عبد الفتاح الشعشاعي طريقة خاصة للأداء ومتميزة عن طرق بقية القراء ، وكان الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي يستمع إلى أصوات الشيخ رفعت وعلي محمود حيث يصفهم بأنهم أساتذة و عمالقة لا يتكررون ويعتبر أنهم مدارس ووصف مدرسة رفعت بأنها مدرسة انتهت ولن تتكرر بوفاة الشيخ رفعت.
رحلته الأولى للعراق يقول الشيخ أبوالعينين شعيشع : جاءتني دعوة عاجلة من السفير العراقي بالقاهرة لإحياء مأتم الملكة ((عالية )) ملكة العراق بناء على رغبة من القصر الملكي الذي أرسل إلى السفارة بطلب القارىء الشيخ أبوالعينين شعيشع والقارىء الشيخ مصطفى إسماعيل فوافقت وبحثت عن الشيخ مصطفى إسماعيل كثيراً فلم أجده.
والوقت لا يسمح بالتأخير فاتصلت بالسفير العراقي وأخبرته بصعوبة الحصول على الشيخ مصطفى إسماعيل اليوم فقال السفير اختر قارئاً من القراء الكبار معك فاخترت المرحوم الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي وعلى الرغم من أن العلاقة كانت مقطوعة بيننا وبينهم لكن السيد فؤاد سراج الدين وزير الداخلية آنذاك سهل لنا الإجراءات وأنهينا إجراءات السفر بسرعة .
ووصلنا مطار بغداد وإذا بمفاجأة لم نتوقعها ،إستقبال رسمي لنا بالمطار كاستقبال المعزين من الملوك والرؤساء ، ولكن المفاجأة أصبحت مفاجأتين قالوا: وين الشيخ مصطفى ؟ وين الشيخ مصطفى ؟ فقلت لهم: إنه غير موجود بالقاهرة ولم نعرف مكانه ، والوقت كان ضيقا فأحضرت معي فضيلة الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي وهو أستاذنا ومن مشاهير قراء مصر وشيخ القراء .
وفوجئت بأن وجه الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي تغير تماماً ، وظهرت عليه علامات الغضب لأنه كان يعتز بنفسه جداً وقال: لو كنت قلت لي ونحن بالقاهرة إنني لست مطلوبا بالإسم من القصر ما كنت وافقت أبدا ولكنني الآن سأعود إلى القاهرة كل هذا في مطار بغداد .
وأصر الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي على العودة إلى مصر وبمساعدة المسئولين العراقيين استطعنا أن نثني الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي عن قراره الصعب وخرجنا من المطار وسط جمهور محتشد لاستقبالنا لا حصر له ونزلنا بأكبر فنادق بغداد واسترحنا بعض الوقت .
وتوجهنا بعد ذلك إلى القصر الملكي حيث العزاء ، وكانت الليلة الأولى على مستوى الملوك والرؤساء والأمراء ، والثانية على مستوى كبار رجال الدولة والضيوف ، والثالثة على المستوى الشعبي ووفقنا في الليلة الأولى ولكن أثر الموقف مازال عالقا بكيان الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي .
فلما رجعنا إلى مقر الإقامة بالفندق قال لي الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي أنا انتظرت الليلة علشان خاطرك وباكراً سأتجه إلى القاهرة فحاولت أن أقنعه ولكنه كان مصراً إصراراً لم أره على أحد من قبل فقلت له نم يا شيخنا وفي الصباح تسافر أو كما تحب. وقضيت الليل في التفكير كيف أثني الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي عن قراره.
وجاءتني فكرة وذهبت إليه في الجناح المقيم به بالفندق وقلت له: هل يرضيك أن يقال عنك إنك ذهبت إلى العراق لإحياء مأتم الملكة ورجعت لأنك لم توفق في القراءة ، وإنك لم تعجب العراقيين؟فسكت لحظات ونظر إلي وربت على كتفي بحنان الأبوة وسماحة أهل القرآن .
وقال لي: يا ((أبوالعينين )) كيف يصدر هذا التفكير منك رغم حداثة سنك وأنا أكبرك سناً ولم أفكر مثل تفكيرك ؟! ووافق على البقاء لإستكمال العزاء ومدة الدعوة التي كان مقررا لها سبعة أيام وقرأ في المساء قراءة وكأنه في الجنة وتجلى عليه ربنا وكان موفقاً توفيقاً لا حدود له.
وعاد إلى الفندق في حالة نفسية ممتازة وفي نهاية الأسبوع حصلنا على وسام الرافدين وبعض الهدايا التذكارية وودعنا المسئولون بالبلاط الملكي العراقي كما استقبلونا رسميا وعدنا بسلامة الله إلى مصرنا الغالية.
وبعد تلك الزيارة وهي الأولى للعراق أحبه العراقيون وأصبحت له شهرة واسعة في العراق وأصبح من قراء الاذاعة العراقية الأوائل.
وقد تكررت زيارات الشيخ للعراق مرات عدة منذ ذلك الوقت و حتى آخر عام من وفاته.
ويعتبر الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي أول من تلى القرأن الكريم بمكبرات الصوت في مكة والمسجد النبوي ووقفة عرفات من عام 1948.