مع حلول العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم يبادر الصائمون بالاعتكاف في المساجد والانعزال مؤقتا عن الناس وأمور الحياة والتفرغ فقط لعبادة الله وقراءة القرآن والذكر والنوافل، وهو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحقق هدوء للنفس وراحة للقلب من مشاغل الحياة ولو لفترة من الوقت. وروت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله)، لكن للاعتكاف آداب وسلوكيات فضيلة سنها النبي واتفق عليها العلماء كأن يتجنب المعتكف الانشغال بغير عبادة الله من القول أو الفعل. وعن هذه الآداب يقول الدكتور عبدالفتاح العواري عميد كلية أصول الدين بجماعة الأزهر بالقاهرة، إن القرآن الكريم حدثنا عن سنة الاعتكاف فبين أنه لا يجوز للرجل أن يباشر أهله وهو في معتكفه فقال "ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد"، مضيفا "كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر اجتهد في العبادة واعتزل أهله وأيقظهم للطاعة والعبادة وشد مآزره". وأهم الآداب هي الابتعاد عن مجالس اللغو يقول العواري، مضيفا "وأن ينشغل المعتكف بالذكر والاستغفار والتسبيح وتلاوة القرآن وصلاة النوافل وألا ينشغل بأمور دنيوية وألا يبيت فيه بيته وألا يعاشر أهله، بالإضافة إلى تبييت النية للاعتكاف". كما أنه ينبغي للمعتكف ألا يضيق على المصلين ويفسح لهم وأن يعتني بما تفرغ له من التخلي عن الدنيا والانقطاع للعبادة وأن يقلل من طعامه وشرابه حتى لا يتكاسل عن العبادة والطاعات، وألا يشتغل بشيء غير ذلك وأيضا ألا يجعل معتكفه مقصدا للزائرين والأحاديث الجانبية مع من حوله وإن كان ذلك لا يفسد الاعتكاف لكنه غير مطلوب. وأضاف عميد كلية أصول الدين أنه إذا نوى المسلم الاعتكاف فلا يخرج من معتكفه إلا لضرورة وقضاء حاجته أو المشاركة في تشييع جنازة وغير ذلك من الضروريات التي تحتم عليه الخروج لها وليس له أن يخرج دون سبب أو ضرورة ملحة ككشف كربة عن مكروب أو إغاثة ملهوف أو قضاء حاجة لمحتاج فيجوز أن يترك معتكفه ليسعى في قضاء هذه الحاجة وكشف الكربة. واستشهد بما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه رأى رجلا مهموما في المسجد فقال له ابن عباس ألك حاجة تريد أن تقضيها فقال الرجل نعم، فأخذ ابن عباس نعليه وخرج فقال له الرجل يا بن عباس أنسيت أنك في معتكف فقال له سمعت صاحب هذا القبر- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم والعهد به قريب وذرفت عينا ابن عباس بالدمع- إنه يقول من سعى في حاجة أخيه ليقضيها له كان خير له من اعتكاف عشر سنين". وأضاف أن بعض الفقهاء رأوا أنه يمكن أن يتحقق الاعتكاف بمكث الرجل الوقت الذي يقع بين الفريضتين مثل الظهر والعصر مثلا فيصلي الظهر ويتفرغ لعبادة الله حتى أذان العصر فصلى وانصرف انعقد اعتكافه في هذا اليوم بين هذين الوقتين وله أجره على إقامته هذه المدة.