عشرات الآلاف يخرجون في الصباح الباكر، متجهين إلى عملهم من بينهم "بناءون، مزارعون، حدادون، عمال نظافة" وغيرهم من المهن الصعبة والشاقة التي تحتاج إلى الكثير من الصبر وقوة التحمل ومجهود بدني كبير، ولكن لقمة العيش ومتطلبات الحياة هي ما تدفعهم للعمل تحت أشعة الشمس الحارقة في نهار رمضان. ورغم إتاحة العلماء الإفطار لأصحاب الأعمال الشاقة بضوابط معينة؛ إلا أن الأغلبية العظمى يصومون رمضان لاستشعارهم بلذة الصوم أثناء العمل و مباركة الله فيه. فعملاً بقوله تعالي "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، أكدت دار الإفتاء المصرية في ردها على أحد التساؤلات التي تلقتها لجنة الفتوى بالأزهر حول مشروعية صيام أصحاب الأعمال والمهن الشاقة، بأنه يجوز لأصحاب المهن الشاقة كالمزارعين والحمالين والبنائين، والذين يبذلون مجهوداً شاقاً، الإفطار في شهر رمضان، خصوصًا إذا جاء في فصل الصيف، شريطة أن يكون هذا العمل هو مصدر رزقهم الوحيد. ضوابط شرعية وأضافت "الإفتاء" في بيان لها حصلت شبكة الإعلام العربية "محيط" على نسخه منه "أنه من المقرر شرعًا أن من شرائط وجوب الصيام القدرة عليه، والقدرة التي هي شرط في وجوب الصيام كما تكون حسية تكون شرعية، فالقدرة الشرعية تعني الخلو من الموانع الشرعية للصيام، وهي الحيض والنفاس. وأما القدرة الحسية فهي طاقة المكلف للصيام بدنيا، بأن لا يكون مريضًا مرضًا يشق معه الصيام مشقة شديدة، أو لا يكون كبير السن بدرجة تجعله منزلة المريض العاجز عن الصوم، أو لا يكون مسافرًا، فإن السفر مظنة المشقة". وأشارت دار الإفتاء، إلى أنه من القدرة الحسية ألا يكون المكلف يعمل عملًا شاقا لا يستطيع التخلي عنه في نهار رمضان، لحاجته أو لحاجة من يعول. وأضحت أن المكلف لا يتسنى له تأجيل عمله الشاق لما بعد رمضان، أو جعله في لياليه، فإن الصيام لا يجب عليه في أيام رمضان التي يحتاج فيها إلى أن يعمل هذا العمل الشاق في نهاره؛ من حيث كونه محتاجا إليه في القيام بنفقة نفسه أو نفقة من عليه نفقتهم، كعمل البنائين والحمالين وأمثالهم، وخاصة من يعملون في الحر الشديد، أو لساعات طويلة. التيسير على العباد من جانبه، قال طاهر الفخراني، أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ل"محيط"، إن دار الإفتاء أتاحت الإفطار للعاملين في بعض الأعمال الشاقة، والتي من الممكن أن يتسبب تأجيلها إلى الأضرار بالمصلحة العامة أو الخاصة، وجاء هذا للتيسير عليهم في حياتهم، منوهاَ إلى ضرورة أن يكون هذا الأمر في أطار من الضوابط الشرعية، لكي لا يأخذها كل من أراد الإفطار. وأضاف، لقد جاءت شريعة الإسلام بالتيسير على العباد ورفع الحرج والمشقة والعنت عنهم. وقد دل على هذه القاعدة كثير من أدلة الكتاب الحكيم، ومن ذلك قوله تعالى في سورة "البقرة" عند فرض صيام رمضان: " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ". شبكة الإعلام العربية "محيط" رصدت بعض الأعمال الشاقة التي يمكن للعاملين بها الإفطار في رمضان، بشرط الالتزام بضوابط معينة. الفران "العجن، الخرط، الخبز" يصف لنا محمد طه فران بأحد المخابز، المراحل الثلاث التي يمر بها إنتاج الخبز، الذي يعد العنصر الأساسي على مائدة الطعام، وأشار في حديثه معنا إلى صعوبة المرحلة الأخيرة فهي الأكثر مشقة و إرهاقا، حيث يقوم بالوقوف أمام الفرن ولهيب النار ساعات طويلة قد تمتد لأكثر من 7 ساعات، ورغم علمه بالفتوى إلا أنه يفضل العمل وهو صائم ليبارك الله له فيه. عامل النظافة تحت لهيب الشمس الحارقة يسير عم حسنين بصندوقه البلاستيكي ومقشته المصنوعة من الجريد، ليجمع القمامة من الشوارع، فلم يمنعه الإرهاق والعطش من أداء عمله وهو صائم، مشيراً إلى أن ما يقلقه هو وجود بعض الأكياس السوداء بجانب الطريق فهو يخشى أن تكون أحد العبوات الناسفة. عمال مصانع الطوب العمل داخل مصانع الطوب الطفلي يعد من الأعمال الشاقة، والتي تتجاوز ساعات العمل فيها إلى أكثر من 13 ساعة يوميًا. وبسؤال رضا سلام نقيب عمال مصانع الطوب، عن مشقة العمل في هذا المجال قال: "يتوزع العمل على ثلاث مقاولين هم "مقاول خط الإنتاج، ومقاول الطوب المجفف(وهي مرحلة دخول الطوب إلى الفرن(، ومقاول تحميل الطوب من الفرن على عربات". وأشار إلى أن المقاول الثالث يقوم العاملين معه بوضع حامل خشب على ظهورهم تسمى "بالعصفورة" ليحملوا عليها الطوب وينقلوه على ظهورهم من الفرن إلى العربات، ويتراوح ما يحمله الفرد في كل مرة ما بين 17 و20 طوبة. وتابع "أما مقاول الطوب المجفف يقوم العاملين معه بجمع الطوب الأخضر على عربات كارو، وإدخاله إلى الفرن ليتم حرقه، ويسمى "بالعربجي"، وتبدأ يوميا من 4 الفجر حتى 2 ظهراً." وأوضح سلام أن آخر مرحلة من صناعة الطوب يقوم العمال بتقطيع الطوب، ويقضون فيها أكبر وقت ممكن من ساعات العمل التي تتجاوز 13 ساعة متصلة، ويحصلون على يومية 35 جنيها. عامل البناء لم يختلف المشهد كثيراً عن مصانع الطوب، حيث يقوم محمود أحد عمال البناء، برفع شكائر الأسمنت والرمل على كتفه ليصعد بها إلى أعلى العقار، وبعد معرفته بالفتوى من خلالنا قال "رمضان مرة في السنة مش هيجري حاجة لو تعبنا شوية وصمنا وإحنا بنشتغل، وربنا هيجزينا كل خير". المزارع يخرج عم عبده من منزلة يومياً مع بزوغ الفخر ليسقي ويحرث أرضه، ممسكاً بالفأس، ومع لهيب أشعة الشمس وارتفاع الحرارة تجده منهمك في عمله لا يتهاون فيه رغم صيامه.