حاولت العمل برسالة الماجستير.. ومازلت أحمل لقب «عاطل» أحلم بتقديم برنامج تليفزيوني عن متحدي الإعاقة التليفزيون المصري لا يتسم بالحياد.. والصحافة الورقية لها جمهورها الفضائيات الخاصة تعرض وجهات نظر أصحابها ندمت على وضع «حقوق الإنسان» في عنوان رسالتي تتشابه حياته إلى حد كبير مع عميد الأدب العربي طه حسين.. فقد حرم من نعمة البصر في المرحلة الإعدادية، وواجه الكثير من الصعوبات لكي يتأقلم مع الظلام الدامس الذي خيم على كل ما حوله، حتى أصبح أول كفيف يحصل على درجة الدكتوراه من كلية الإعلام بالجامعة الأعرق في مصر. الدكتور صابر حمد أرسل له الرئيس عبد الفتاح السيسي تهنئة خاصة وباقة ورد عقب حصوله على الدكتوراه.. بل وأوفد مندوبا خاصا عنه لحضور المناقشة.. وفي هذا الحوار مع شبكة الإعلام العربية "محيط" يتحدث عن مشواره العلمي وكفاحه لإثبات نفسه، ودفاعه عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، ودور الإعلام ورؤيته التنموية للإعلام المصري. بداية.. صف لنا شعورك بهدية الرئيس السيسي لك؟ التهنئة وباقة الورد هونا كثيرًا من معاناتي، فأنا سعيد جدًا بتقدير الرئيس لي لأنه كرم إنسانا ضعيفا جار عليه الزمن، ولا يعرف معنى الاستقرار المادي أو الاجتماعي، ويعيش بعيدا عن أهله وبلده، فجاء هذا الرجل ليقول لي "لن ننساك"، وأنا أشكره كثيرًا وأتمنى مقابلته قريبًا ولو لدقيقتين. لو أتيحت لك هذه المقابلة.. ما الرسالة التي ستحملها خلال اللقاء للرئيس؟ سأقول له نظرة من سيادتك لمتحدي الإعاقة، ليست بالعين وإنما بالقلب وبالدعم والتواصل لأنهم بركة المجتمع وأمله، وتقدير الضعفاء له قيمة كبيرة كما حثنا رسولنا الكريم، لأن هؤلاء الناس في حاجة للاهتمام والإحساس بالمواطنة والانتماء، ونرجو من الدولة والمجتمع أن يمدوا يد العون لهم، لأنهم ليسوا بحاجة للشفقة ولا الاستحسان، فالمجتمع المصري بأكمله يحتاج للشفقة. حدثنا عن رحلة كفاحك؟ أنا من أسرة ريفية بسيطة في قرية إطسا بمركز سمالوط التابع لمحافظة المنيا، وهي أسرة مكونة من 16 شخصًا، توفي منهم 4 أشقاء.. وقد فقدت بصري في صيف 1991، بعد إصابتي بمياه زرقاء أثرت على عصب العين، وكنت وقتها في المرحلة الإعدادية فسافرت إلى القاهرة لاستكمال دراستي في مدرسة للمكفوفين، وعدت مجددًا للمنيا للالتحاق بقسم الإعلام بجامعة المنيا. لماذا التحقت بقسم الإعلام تحديدا؟ كنت أحلم منذ صغري أن أكون طبيبا، ولكن بعد أن فقدت بصري تمنيت دراسة الإعلام لأستطيع معالجة قضايا المجتمع في كل المجالات، وأن أنقل معاناة الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة.. وبعد معاناة ورفض دائم من رئيس القسم لأنني كفيف وافق عميد الكلية على التحاقي بالقسم، وبالفعل ساعدني رئيس القسم على الاندماج في العمل الصحفي وكلفني مع زملائي بإجراء العديد من الحوارات، كما قدمت عددا من التحقيقات الصحفية المميزة خلال فترة دراستي. محافظ المنيا يكرم د صابر ما الصعوبات التي واجهتها خلال مشوارك العلمي؟ واجهت صعوبات عديدة خلال رحلة تحقيق حلمي في الحصول على الماجستير والدكتوراه، بداية من تسجيل الموضوع والصدام مع الشخصيات التي ترفض الفكرة لمجرد الرفض دون أسباب مقنعة. كما أنني سجلت الدكتوراه في 2010 خلال الفترة الصعبة التي شهدتها البلاد عقب أحداث ثورة يناير، بالإضافة إلى ظروف اجتماعية عصيبة مرت بي، وتعب نفسي استمر عامًا ونصف العام نتيجة لاعتمادي على شخص ما، مما أضاع مجهود فصل كامل. لماذا لم يتم تعيينك بعد الماجستير؟ حاولت العمل برسالة الماجستير ولكني فشلت في ذلك بالرغم من حصولي عليها بدرجة امتياز مع التوصية بالنشر، ومع ذلك ظل يداعبني الأمل في تعييني بالجامعة بعد حصولي على الدكتوراه، وعزمت على استكمال طريقي في مهنة أتمنى أن أعمل بها حتى استطيع الإنفاق على أسرتي. حدثنا عن موضوع الماجستير الخاص بك؟ رسالة الماجستير كان عنوانها "قضايا العرب السياسية في إذاعتي صوت العرب وبي بي سي"، وتناولت خلالها وجهة النظر العربية والغربية في تناول القضايا العربية، خاصة أن كلتي الإذاعتين موجهتان. رسالة الدكتوراه تمحورت حول حقوق الإنسان.. فكيف ترى هذه الحقوق في مصر؟ رسالة الدكتوراه حملت عنوان "دور الإعلام المسموع والمرئي في التوعية بقضايا حقوق الإنسان لدى ذوي الإعاقة في المجتمع"، أما عن حقوق الإنسان في مصر فلم تعد موجودة، كما أن منظمات حقوق الإنسان غير فاعلة وتعتبر الآن شبهة، وأنا ترددت كثيرا في تركيز رسالتي على هذه القضية، وعند ظهوري في الإعلام أكون حذرًا في التحدث عن عنوان موضوعي، وندمت على وضعي "حقوق الإنسان" في العنوان. كيف يتم استثمار دور الإعلام في تنمية حقوق الإنسان؟ الإعلام له دور كبير في التوعية والتثقيف ونشر المعرفة، فهي حق أصيل من حقوق الإنسان، وعلى المسئولين مراعاة هذه الحقوق وألا يستثني أحد من تنفيذ القانون، لكن الإعلام يغفل الكثير من القضايا الهامة مثل الحث على المساواة والعدل، وربما كانت تصريحات وزير العدل السابق الأخيرة أبسط مثال، وأتمنى أن يكون لي برنامج على شاشة التليفزيون ليكون لي دور في التوعية. كيف تُقيم وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر؟ الوضع يحتاج للكثير من العمل، فهناك تهميش وإقصاء للصُم والبُكم وليس من حقهم الالتحاق بالكليات، ويقتصر تعليمهم على الثانوية العامة فقط، مع العلم أنهم لديهم المهارات التي تؤهلهم لسوق العمل وخاصة في مجال التكنولوجيا والحاسب الآلي، وبينهم العديد ممن يتمتعون بقدر كاف من الذكاء والوعي. وحتى حق ذوي الاحتياجات الخاصة في العمل مهدر، فرغم أنه يحق لهم العمل في المؤسسات الحكومية والقطاع العام بنسبة 5% إلا أنه لا يوجد التزام، ومن يخالف ذلك يدفع غرامة زهيدة للغاية، أما القطاع الخاص فلا يفضل عملهم، ومن يعمل بدافع إنساني يدرج في الملفات ويدفع له مبلغ كل شهر وهو في بيته دون أن يشارك في العمل. ورغم ذلك فنسبة ال 5 % المخصصة لذوي الإعاقة بالوظائف الحكومية غير كافية، لأن عدد ذوي الإعاقة بمصر بلغ 15 مليونا، بينهم نصف مليون بمحافظة المنيا وحدها. ما السبيل لتحسين وضع متحدي الإعاقة؟ هذا لن يتأتى إلا عن طريق توعية المجتمع والمسئولين، وتفعيل القوانين والحث على حق ذوي الاحتياجات الخاصة في الصحة والمشاركة الاجتماعية وحق التصويت في الانتخابات، لكن الكارثة انه ليس لدي المعاقين حركيا تأمين صحي بسبب عدم التحاقهم بالمدرسة، وأنا اعتبر نفسي متحدثا باسم 15 مليونا من ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين وأحمل على عاتقي المطالبة بحقوقهم. خلال مناقشة الرسالة ما تقييمك لدور المجلس القومي لمتحدي الإعاقة؟ له دور في التواصل مع الوزارات وتوعية المواطنين ولكنه غير فعّال، يكفي أن هناك بعض المحافظات ليس بها أمانات فرعية للمجلس للتواصل مع ذوي الاحتياجات الخاصة الموجودين بالمحافظة مثل المنيا والجيزة. ما رأيك في الخطاب الإعلامي المصري في هذه الفترة؟ الإعلام في مصر يحتاج لتفعيل وتطوير، فالعاملون أنفسهم لا يشعرون بالأمان داخل المؤسسات الإعلامية المصرية، وعلى سبيل المثال العاملون بماسبيرو دائما مهددون بالرحيل وهذا ما يجعلهم غير جادين في عملهم. في رأيك.. هل الإعلام في مصر يعمل وفقًا لمواثيق الشرف الإعلامي؟ التليفزيون المصري لا يتسم بالحيادية، فهو لسان الحكومة التي تطلقه للمواطن، ومن خلاله يعرف الشعب مسيرة المسئولين، ومن ثم فانحيازه شيء طبيعي، كما أن القنوات الخاصة موجهة لأنها تعرض وجهات نظر مالكيها. كيف ترى أزمة الصحافة الإلكترونية المثارة حاليًا؟ الصحافة الورقية لها جمهورها والالكترونية كذلك، فالشباب يفضلون التكنولوجيا والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية تسهل ذلك، أما جيل أبائنا فلا يستمتع إلا بالصحيفة الورقية مع شرب القهوة وحل الكلمات المتقاطعة والقراءة للكتاب المفضلين لديه في كل صحيفة. وكذلك الراديو والتليفزيون لهما جمهورهما، فالأذواق تختلف ولا شيء يحل محل آخر، ولكنى أتمنى انضمام الصحفيين الإلكترونين للنقابة وأن تتم مساواتهم بالصحفيين الورقيين. هل تفكر في إصدار مجلة خاصة بك؟ نعم أتمنى ذلك كثيرًا.. وهو حلم أسعى له بكل جهدي، وفي فترة الدراسة كان مشروع تخرجي عام 1999 اسمه "إرادة المستقبل" لذوي الاحتياجات الخاصة، وعرضت فيها الكثير من مشاكلهم وتمنيت أن تتبنى إحدى المؤسسات الصحفية القومية هذا المشروع، وأوصيت في رسالتي بتخصيص صفحة في كل طبعة للتحدث عن قضايا متحدي الإعاقة وكيفية التعامل معهم وإظهار النماذج المضيئة منهم. هل تحلم بتقديم برنامج تليفزيوني عن متحدي الإعاقة؟ حاولت مرارًا الالتحاق بالعمل في مجال الإعلام، ولكن الواسطة والمحسوبيات حالت دون ذلك، ورفضت أن أعمل بالواسطة.. فبعد حصولي على الدكتوراه كرمني محافظ المنيا وأهداني درع المحافظة، وطلب من مدير قناة الصعيد وجودي ببرنامج على الهواء مباشرة وأرجو الاستجابة. وفي حالة موافقة مدير قناة الصعيد سوف أعمل على تعريف الشعب المصري بأهمية متحدي الإعاقة وكيفية التعامل معهم، وسأطالب ذوي الاحتياجات الخاصة بأن يكونوا فاعلين في المجتمع والمشاركة فيه. أخيرًا.. ما هي أمنياتك الشخصية؟ كل ما أتمناه أن يتم تعييني في قسم الإعلام جامعة المنيا حتى أكون بجانب أقاربي وحتى أستطيع مساعدة الفقراء في قرى صعيد مصر، كما أحلم بمراعاة 15 مليون مصري من ذوي الاحتياجات الخاصة والاستماع لمشاكلهم، كما أحلم أن أجد من يحنو عليهم ويشعر بأوجاعهم ويقدر أحلامهم وطموحاتهم.