اعتبر د.محمد عفيفي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة أن العالم العربي الآن يمر بمرحلة "التطهير" على حد تعبير الإخوة المسيحيين كما يقول، ليخرج بأشكال مختلفة عن السابق، قائلاً: نموذج "داعش" على وجه الخصوص لا ينبغي النظر إليه باستهانة، فرغم أنه نموذج ضد التاريخ إلا أنه يستحق دراسات كثيرة عن هذا التحول، فطالما كان الإرهاب موجوداً، لكن أن يعلن له دولة وأن يكون لها جيش، واقتصاد، وسلاح، هذا خطر بالتأكيد على المنطقة، التي أصبحت في حالة تحول، وأتصور أنه عن قريب ستظهر منطقة عربية جديدة. جاء ذلك خلال فعاليات مؤتمر "الدولة فى إطار العولمة وإعادة تشكيل نماذج الدولة فى عالم مفتوح"، الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة على مدار يومين، بدأت أولى فعالياته صباح اليوم الاثنين، ويأتى المؤتمر في السياق الذي يساهم فيه عديد من المحللين السياسيين في التفكير حول الأزمة التي تواجه نماذج دولنا ويقترح المؤتمر بدء تبادل حوار فرنسي مصري حول مصير الدولة في "النظام العالمي الجديد"، ويشارك بافعاليات المعهد الفرنسي بالقاهرة. ولفت عفيفي في كلمته إلى أن أحد أسباب فشل جماعة الإخوان المسلمين في الحكم بمصر هو محاولة تطبيق فكرة "العولمة الإسلامية"، أو "الخلافة" لأنها على حد قوله ضد التاريخ، ولم يستطيعوا إدرك أن مفهوم الدولة المصرية كان أهم. من جانبه أشار البروفيسور الفرنسي جون لوك لافو مستشار التعاون الثقافي، ومدير المعهد الفرنسي بمصر، في كلمته إلى إشكالية الأمن والدولة، قائلاً أن المجتمعات التي تعتمد على الأمن بشكل أساسي، أدى ذلك إلى إنتاج العنف بشكل كبير، بشكل يقضي على إمكانية التفاوض مع الشعب دون استخدام الأمن والقوة، لذلك جاءت ثورة المصريين في 25 يناير 2011، وكانت إحدى سماتها المميزة هي رفض نموذج الدولة الكرتونية، وهدم النظام الذي يعتمد على الأمن. يتابع: في 2012 حاولت المجتمعات التي قامت بالثورة أن تدخل الديمقراطية إلى نظام الحكم، ورغم أن الدولة في مصر وتونس انهارت وتحولت إلى سلطة الميليشيات، وعلى الرغم من الأصولية والعنف، وسيطرة السلطة التنفيذية، والقسوة التي ظهرت في الفضاء السياسي، إلا أن تونس ومصر تماسكتا رغم ذلك بسبب أن هاتين الدولتين كانت لديهما القدرة على الحفاظ على المجتمع. مضيفاً: مصر وتونس دول مركزية منذ القرن التاسع عشر. لذلك - يواصل البروفيسور الفرنسي - في 2011 لم يجد بن علي في تونس، أو مبارك في مصر سنداً اجتماعياً يضمن بقاءهما، لكن في الدول الأخرى هناك فصل بين الدولة والمجتمع، حيث أدى ضعف الدولة إلى انهيار المجتمع، فالأنظمة التي سقطت في ليبيا واليمن والعراق لم تشهد الظروف الثورية التي شهدتها الدول الأخرى في 2011، هذه الدول كانت قبلية أو طائفية، ففي ليبيا هناك كثير من القبائل تحالفت مع القذافي، وهكذا حدث مع صالح في اليمن، هذه القبلية والتشرذم والتفكك أدى إلى انهيار المجتمع، ونرى داعش وميليشيات سوريا نتائج مباشرة لهذا التفكك، في ليبيا مثلاً حوالي 300 ألف من المسلحين، الدولة تحولت إلى قوة ميليشيات، وانتشرت حالة من العنف. ويلفت لافو إلى أن الحدود دائماً تعتبر مصداً يحقق سيادة الدولة، لكنها في الشرق الأوسط أصبحت نتج عنفاً، وذلك منذ الثمانينيات من القرن الماضي، الذي شهد تحرر التيارات الإسلامية، وحرب افغانستان، والحرب بين العراق وإيران. وأوضح أنه في تونس ومصر وافغانستان ظهرت بقوة التيارات الإسلامية، وتحدت المجموعات السرية سياة الدول. وأعرب المتحدث الفرنسي عن قلقه إزاء أن الدولة الآن لم تعد قادرة على التحقق، أو مواجهة الأصولية التي تعتمد العنف، فهناك مثلاً بعض المليشيات المسلحة التي سوف تقدم نفسها كبديل للدولة مثلما حدث في افغانستان، وهكذا استطاعت الأصولية الدينية ان تفرض نفسها باستخدام العنف غير المسبوق في تاريخ الشرق الأوسط، هناك مجازر حدثت ضد الأرمن، وما قام به صدام حسين ضد الأكراد، لكن التطرف الديني يظهر عند تفكك الدولة، علينا أن نفكر في دور الدين في المجتمع، هل يمكن أن يتدخل الدين في هياكل الدولة، هل يمكن باسم الدين أن نرفض المساواة بين المؤمنين وغير المؤمنين، وبين الرجل والمرأة تساؤلات مطروحة بالشرق الاوسط، يجب أن نجد لها اجابات سريعة. وأوضح لافو أن "داعش" تقوم بتدمير الحضارة، فالموصل مثلا يسقط فيها 8 مليون شخص، وأصبحت غير قادرة على المقاومة، مشيراً إلى أن سقوط الدولة كما يقول ابن خلدون يُسقط المجتمع. السؤال هو كيف يمكن أن ننهض في لحظة ما حين يصبح المجتمع غير قادر على الوقوف ضد الجماعات المسلحة، فمثلاً "داعش" لها طابع مثل الدولة،ولها وزارة للثقافة وظيفتها هي تدمير الثقافة، والسؤال: ما هو دور الدولة في مقاومة القوة الهدامة، مشيراً إلى أن الأزمة في العالم العربي هي أزمة مجتمع، وهي أزمة عالمية فكثير من الدول الأوروبية أصبحت مجتمعاتها مفككة. ولنبحث كيف يمكن أن يكون المجتمع ديمقراطي، وامكانية إنتاج مواطن مشارك في المجتمع الديمقراطي هذا لن يحدث إلا بالتوافق أولا، وتعزيز مبدأ العلاقات والروابط بين الدولة والمجتمع. فيما أوضح نبيل عبد الفتاح الباحث المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن داعش خطر حقيقي على المنطقة، وأنه يجب بحث سبل مواجهتها.