"التطريز فن جميل يتطلب صبرا ومثابرة كبيرين ويعلّم صاحبه الدّقة في كل شيء".. هكذا تقول سنية الخياري وهي من مدينة نابل بالشّرق التونسي قضّت أكثر من 35 سنة مع الحرفة. وتتلمذت الخياري على يد والدتها وجدّتها منذ الصّغر وتعلّمت منهما أصول تطريز اللباس التقليدي الخاص بالعرائس في نابل. ومن بين الأزياء التقليدية التي تنتجها سنية "الدُخلة" و"المرساويات" و"التَبديلة" (فساتين نسائية تقليدية) وتستعمل في حياكتها "التَل" و"العدس" و"الكٌونتيل" و"العقيق" (مواد خاصة لتزين وتزويق الثوب التقليدي) فضلا عن "الحَائك" "والساتان" (نوع من الأقمشة). وتقول الخياري إن سعر "الدٌخلة" يصل إلى 5 آلاف دولار أمريكي فما فوق، ما جعل إمكانية اقتنائها من قبل أهل العروس أمر صعب لذلك أصبحت العرائس تلتجأن إلى استئجارها والتزين بها في أعراسهن. أما سعر "التّبديلة" فيتراوح بين ألف وألفي دولار وترتديها العروس في السهرة المخصصة لل "الحنة" وتستعمل سنية في حياكتها خيوطا من الذهب وتقول إنّ "سعر 100 جرام من هذا الخيط تتجاوز 360 دينارا توني(200 دولار) وهي تتطلب من 4 إلى 5 كٌبب (لفة خيوط)." وتضيف الحرفية أن "أهالي نابل وعلى الرّغم من تطور نسق الحياة والتصاميم والموضة إلا أنهن بقين متشبثن بما يسمونه بالفوطة والبلوزة وهي أيضا زي تقليدي ترتديه الفتيات في السهرة الخاصة بحنة العروس التي زاد عليها الإقبال أكثر فأكثر." وَتشير الخياري أيضاً إلى "أنه تم تطويع هذه الأزياء بما يجعلها مواكبة للعصر وللتصاميم الحديثة التي ترغب فيها الفتيات أكثر كأن تتم حياكة ملابس عصرية وتضاف إليها بعض النقوش أو الطريزة أو حَرج (زينة على أطرف الفستان)، وهو ما يزيد الطلب عليها في كل الأعراس والمناسبات." وبحسب الخياري فإن "زي المرساوي" تم تغييره الآن بفساتين السهرات والتي تحمل هي الأخرى نزعة تقليدية وعودة إلى التزويق والنقوش التقليدية." وعلى الرّغم من عودة التونسيين إلى أصالتهم وجذورهم وتشبثهم بها إلا أن الحرفية سنية الخياري تشير إلى أن "أبرز مشكلة تعترض هذه الحرفة هو عدم وجود يد عاملة قادرة على القيام بمهام التطريز والحياكة ولها من الصبر ما يكفي لإنجاز قطع بدقة وحرفية عالية، ففستان واحد يتطلب منا من 3 أشهر فما أكثر حتى يصبح جاهزا للبس." إضافة إلى ذلك فبحسب الحرفية "هناك مشكلة أخرى تكمن في عدم وجود برامج حكومية لتمويل مثل هذه المشاريع سيما بالنسبة إلى المبتدئين، فليس من الهين على حرفي في بداية مشواره أن يكون قادرا على اقتناء المواد الأولية الباهضة الثمن، كما أن عمله في البداية لن يكون متقنا بالمستوى المطلوب وهو ما يستوجب من البعض الإعادة والتجربة لمرات كثيرة حتى يصل في نهاية المطاف إلى مبتغاه وإلى قطعة تعجب الحرفاء ولا سيما العرائس منهم." من جانبها، تقول سناء منصور المندوبة الجهوية المساعدة للصناعات التّقليدية في محافظة نابل (إدارة جهوية تابعة لوزارة السياحة والصناعات التقليدية) في تصريح لمراسلة الأناضول إنّ "العامل الجغرافي والمناخي ساهم عبر التّاريخ في تنمية الصناعات التقليدية في محافظة نابل، وذلك لانفتاحها على الحضارات المتوسطية فتوفر الاستقرار النّفسي في المنطقة ساعدهم على الإبداع والابتكار في مجالات عديدة وخاصة منها الصناعات التقليدية." كما تضيف منصور أن أنواع التطريز اشتهرت بأسماء منشأها فنجد غرزة نابل وغرزة الحمامات (وهي مدينة تابعة للمحافظة). وبحسب المندوبة أيضا فإنه "سنة 1933 التحقت العديد من فتيات المدارس الخاصّة بالحرف والتطريز الموجودة بنابل ومن أهمها ما كانوا يسمونها "دار المعلّمة" التي كانوا يتلقون فيها أصول التطريز وكيفية حياكة الأزياء التقليدية المميزة للمحافظة". وتضيف أيضا أن عدد الحرفيين المسجلين في مجال الإكساء بما فيها التطريز واللباس والتقليدي يبلغون الألف حرفي متمركزين في مدن نابل ودار شعبان الفهري والحمامات (وهي مدن تابعة لمحافظة نابل)، هذا بالإضافة إلى حرفيين آخريين ليسوا مسجّلين لدى الوزارة." أما عن برامج الدّعم، تقول منصور إن "وزارة السياحة تسعى دائما إلى تشجيع الحرفيين خاصّة الشّبان منهم وتخصيص فضاءات مجانية لهم في معرض الصناعات التقليدية الذي تنظمه المُحافظة في شهر آب / أغسطس من كل سنة، والتي تم تمكين 10 شبان من بين الحرفيين من عرض منتوجاتهم بشكل مجاني من مجموع 127 مشاركا بهذه التظاهرة الوطنية". وتضيف أنه "تم تقليص أسعار المشاركة في المَعْرض من مبلغ يتراوح بين 183 دولار و208 دولار إلى 52 و78 دولار وذلك لدفع هذه الصناعات التقليدية ودعم الحرفيين وخاصة منهم أصحاب المشاريع الصغرى". وبحسب المسؤولة فقد تم لأول مرّة تنظيم "معرض الطريزة اليدوية واللباس التقليدي" شهر ديسمبر/كانون الأول المنقضي على مستوى جهوي وفِيه تم تخصيص فضاء متحفي للتعريف باللباس التقليدي ولإشراك صغار الحرفيين، فضلا عن أسبوع الصناعات التقليدية الذي نظم في مارس/ آذار الماضي لأول مرة للنهوض بالصناعة التقليدية بصفة عامة والتعريف باللباس التقليدي بنابل". كما تقر سناء منصور أيضا بوجود مشكلة اليد العاملة الذي يعترض أغلب الحرفيين في مجال الصناعات التّقليدية، وذلك يرجع إلى غزو السلع الأجنبية للسوق التونسية، فضلا عن اندثار مدارس الحرف الذي ساهم كذلك، في تراجع اليد العامّة بصفة كبيرة إضافة إلى عدم وجود إقبال لدى الشّباب على الحرف والصناعات التّقليدية لأنها تتطلب صبرا ومثابرة كبيرين.