رغم تقديري لسعي معالي وزير التربية والتعليم الحالي لضبط مُفردات المنظومة التعليمية عبر إقرار لائحة انضباطية يشارك في صنعها المعلمون وأولياء الأمور والطلاب، إضافة إلى خبراء التربية والتعليم، واستناداً إلى تجارب الغير في هذا المضمار، إلا أن لي بعض الملاحظات على تلك اللائحة - التي ضُخمتْ إعلامياً - قبل إصدارها، أوجزها في النقاط التالية:- (1) إنّ الانضباط لا يتأتي بكثرة إصدار القرارات والتعليمات، وإنما بتطبيق وثائقه على أرض الواقع، وقد ثبت وعلى مدار عقود بأن كثيراً من القرارات لم يُفعّل لأن القائمين على التنفيذ لا يمتلكون إرادة التنفيذ نظراً لترهل المنظومة وضعف قيادتها، ولأن معظم القرارات تصدر بلغة تفتقد إلى الصرامة والحزم بسبب الضغوط الإعلامية والاجتماعية، وبسبب تدخل كل ما هب ودب في شئون التعليم، وأقرب هذه القرارات ما صدر برقم 234 لسنة 2014 بشأن الانضباط والسلوك والذي حُبس داخل أدراج التربية الاجتماعية بالمدارس منذ صدوره وحتى الآن. (2) إنّ اللائحة ستجعل من الطالب ندّاً لمُعلمه، لأنهما قد وضعا معاً في مُحرر انضباطي واحد، الأمر الذي سيُضعف موقف المُعلم في كل الأحداث، لأن الطالب وولي أمره سيشكلان جبهة مسموعة الصوت في كل الدوائر خاصة الإعلامية، وهو - أي المُعلم - لن يجد من يدافع عنه ويصون كرامته، خاصة وقد تراجع دور نقابة المُعلمين كحائط صد عن أرباب المهنة، إضافة إلى إعلام ومجتمع يتربصان بالتعليم والمُعلمين الدوائر، رغم مساهمتهما الكبيرة فيما آلت إليه أحوال التعليم من تردي. (3) إن ضبط عناصر المنظومة التعليمية من مديرين ووكلاء ومعلمين وأخصائيين وفنيين وإداريين وطلاب، لن يتحقق بلائحة ولو كانت صارمة، لأن طُرق الطعن عليها إذا مسّت مصالح البعض ستعدد أمام الجهات القضائية، وقد ينتهي الأمر بإلغائها، ولذلك فالأجدى أن توضع بنود الانضباط في قانون التعليم ولائحته التنفيذية، خاصة وقد استهلك تعديله وقتاً طويلاً في عهد الوزير السابق، أو يتم وضع قانون منفصل للانضباط المدرسي تُشتق مواده من قانون الانضباط العسكري. (4) أن يتولى تنفيذ الانضباط المدرسي رتب عسكرية، فالمدنيون في مجتمعاتنا لم ولن يحققوا الانضباط المدرسي، لأنهم تشربوا التساهل والتهاون والتغاضي عبر سنين طويلة، ولندعهم لمراقبة الجانب الفني، إما الإدارة والانضباط فيتم إسنادها إلى رتب من الجيش حتى حين، فالواقع يشهد أن المدارس العسكرية هي الأكثر انضباطاً والتزاماً. أرجو أن تصل هذا الملاحظات إلى أهل القرار قبل إصدار اللائحة التي لن تضيف جديداً ما يتوافر لها أفرداً قادرون على تنفيذها ومستعدون لتحمل تبعات تنفيذها، على فرضية أنها ستصدر حازمة وصارمة.