إذا أردت أن تفقد كرامتك وتشعر بالمهانة والإحباط، فعليك بالتوجه فورا لمرور فيصل، لإنهاء اجراءت ترخيص سيارة أو طلب أية أوراق خاصة بها سواء مخالفات أو شهادة بيانات أو ماشابه، وعلى الرغم أنه ليس للمرء أغلى من كرامته، لكن كثيرا من المتواجدين هناك ربما يتنازلون عنها، ريثما تنتهي أوراقهم وحتى تذهب معاناتهم، وحتى إن حاول أحد المواطنين رفع صوته على الموظف كانت النتيجة رفع الآخر صوته، وقد يصل الأمر إلى السباب والشتم، ثم تفاجئ بأن عددا لا بأس به قد التف حولك للنيل منك، وفي النهاية أيضا ستستسلم، وربما تقدم أنت كلمة إعتذار للموظف ..لأنك تجرأت وطالبت بحقك. لا مفر من الاستيقاظ مبكرا ربما قبل السابعة صباحا، للوصول إلى شباك الموظف قبل غيرك، لأنه في أي حال من الأحوال لو وصلت متاخرا ستعاني من الوقوف طويلا، وربما تأتي في اليوم التالي مبكرا لتكرر مرارة اليوم الأول، وعلى الرغم من وصولك مبكرا تجد العشرات وربما المئات على 3 شبابيك أو 4، وتجد نفسك في النهاية مضطرا أن تقف في آخر الصف، ومع ذلك تنتظر بفارغ الصبر وصول الموظف بعد إفطاره وبعد شرب الشاي ليفتح الشباك الذي يعد بمثابة بدء المعاناة الحقيقية. الموظف شخص مكتئب بطبيعته، قد تكون عوامل الوراثة، وربما عامل الزمن فكثير منهم تجاوز الأربعين وربما بسبب ما يجدونه يوميا من المواطنين وربما بسبب ضغط العمل كما يقولون، لكنك مجبر على أن تتعامل مع هذا الكائن، وعليك أن تستسلم له بكل جوارحك، لأنك لو اضطررت لأن ترفع صوتك عليه، ضاع كل مجهودك، وعليك البحث عن كائن آخر لتتعامل معه بكل لطافة وسماحة، مضطرا بالطبع. ولحين حضور هذا الموظف، تستمع لأساطير وحكايات تشعرك أنك تعيش في أدغال أفريقيا، فما بين ملف مفقود وما بين عدم وجود ملف أصلا للسيارة على الرغم من وجود رخصة لها، وآخر يخبرك أنه يأتي كل يوم لأكثر من أسبوع، ونهاية بأحد الأشخاص الذي يخبرك أنه قرر أن يفحص سيارته من جديد نظرا لعدم وجود ملف لها بالمرور. كنت أستمع لهذه الحكايات وأحسب أن الناس يبالغون فيما يقولون، لكنها كانت الحقيقة في أسمى معانيها، والمعاناة التي كنا نسمع عنها من أصدقاءنا وجيراننا، لكن تقدمت بحمد الله حتى وصلت الى الشباك لأجدد رخصة سيارتي المنتهية، وأخذ الموظف مني الرخصة وقيد الرقم ليخبرني بالانتظار، وبالفعل انتظرت وانتظرت وانتظرت، لعل أحدا ينادي عليّ لأكمل بقية الاجراءت واستيفاء الأوراق، لكن هذا لم يحدث، لست أنا وحدي من وجد هذه المشكلة، لكن الجميع كان ينتظر سماع حروف ملفه، وكأنها الثانوية العامة ننتظرها بملئ عقولنا وأسماعنا، أما من وفقه الله وسمع حروف ملفه ونادى عليه الموظف ترى ابتسامة وضجر على وجهه في ذات الوقت، ابتسامة لأن محنته أوشكت على الانتهاء، لكنه حزين أيضا من الطريقة التي سيصل بها إلى الشباك ومن التحرش اللفظي والجسدي الذي سيعانيه ويتسبب فيه أيضا لغيره. قررت بعد ذلك، وبعد أن مرت الساعات والساعات، أن أجازف لأسال الموظف عن ملفي ولماذا كل هذا التأخير؟ وبالفعل اخترقت الصفوف الممتدة، وتذكرت وقتها فريد شوقي في فيلم «عنتر» عندما وقع في الرمال المتحركة، وهو يريد أن ينجو من هول ما يقاسي، وفي طريقي للشباك، وكلما عبرت شخصا أسمع من يقول لي "قف في الصف"..ياجماعة أنا قدمت أوراقي، أنا رايح أشوف الملف وصل ولا لا؟؟ -هكذا أجاوب- وعندما وصلت إلى الشباك بعد جهد وتعب وعرق، كانت الإجابة من الموظف التي نزلت عليّ كالصاعقة، لسة الملف ماجاش، عندها تذكرت أيضا البرنامج الإذاعي الشهير "فوت علينا بكرة ياسيد" وأن الروتين في هذه البلد لن ينتهي أبدا. كررت هذه المحاولة -اختراق الضاحية لشباك الموظف- أكثر من مرة، علني أفرح بمشاهدة الملف الذي يتوقف عليه مصير السيارة، ومصير التجوال في الشوارع بها، فبدون هذه الرخصة لن تستطيع السير ويوقفك كل من هب ودب، أخيرا في نهاية اليوم، وبعد أن شعرت بأن شباك الموظف خف الزحام عليه، وصلت إليه وسالته هل وصل الملف؟ فقال لي، للأسف ما جاش. الغريب أن حالتي مشابهة لحالات الكثيرين ممن يرغبون في انهاء اجراءت أوراق سياراتهم، لكني مع فقد الحلول، هم وجدوا الحل، وحاول كثير منهم اقناعي بهذا الأمر، روح للعسكري الفلاني –بدون ذكر اسمه- واديله في يده عشرين جنيه، وهجيبلك الملف لغاية عندك، وقال لي احدهم "أنا عملت كده بعد أن فقدت الأمل من الموظف"، هكذا أجمع الحاضرون على أن دفع المال للعسكري هو الحل، وكلهم حاول إقناعي بذلك، لكن ضميري ومهنتي الصحفية حالت دون قيامي بهذا الأمر، لذلك كان قراري هو الذهاب لرئيس الوحدة. رئيس الوحدة، شخص مهذب يقابلك بكل احترام ويسألك عن مشكلتك التي أبدا لن تكون هي الأولى ولن تكون الأخيرة، ولن ننسى أن الدخول لرئيس الوحدة، هو أيضا بطابور مثله مثل شباك موظفي المرور أنفسهم، لكن ما يميز الضابط أنه يحاول أن يريحك بكلامه الحسن ويحاول أن يشعرك بأنه لامشكلة، على الرغم من أن المشاكل هنا لا تعد ولا تحصى، من ثم عرف أنني صحفي، فأخذ رقم هاتفي وكان هذا يوم خميس، وأكد لي أنه سيتصل بي يوم السبت، وسيحضر لي الملف وينهي مشكلتي ..وكان حديثه معي إيذانا بانتهاء رحلتي في هذا اليوم مع المجهول "ملف السيارة". انتظرت السبت منذ استيقاظي بكل حواسي وجوارحي، أنظر إلى الهاتف وتشدني حركة الرنات به، سواء كانت رنة المنبه، أو اتصال صديق، وكلي عشم أن يكون صوت الضابط، الذي يقول لي "حضرتك الأستاذ سيد الصحفي، تعالى لقينا ملفك" لكن هذا لم يحدث، فقد كان دربا من الخيال، كنت يوم السبت في إدارة المرور لاكرر سيناريو يوم الخميس، بكل حذافيره، وبعد كل الساعات التي مرت، أيضا تلقيت نفس الصدمة التي تلقيتها أول أمس ملفك ليس موجودا. لم أجد بدأ من أن أسلك مسلك الكثيرين الذين نصحوني بالذهاب للعسكري، لأنه هو الوحيد القادر على جلب الملف -بس أغمزه بأي حاجة، هذا سيستم التعامل، ورمز فك الشفرة - بالفعل طفت على كل العساكر هنا وهناك، وحتى أمين الشرطة المسئول عن الأرشيف، لكن لم أجد حلا، فكلهم يقولون نبحث، وقتها قررت الدخول على رئيس الوحدة مرة أخرى، لاعاتبه على وعده الذي لم يف به، للأسف لم أجده لكني وجدت ضابطا آخر ايضا قابلني بكل ترحاب مثله مثل سابقه، وحصل على بياناتي، واخبرني انه سوف يحدثني مرة أخرى بعد انهاء ما أمامه من مشكلات، وبعد لقاء المواطنين أصحاب الشكاوى. نسيت أن أقول، أنه قبل أن أدخل للضابط رأيت ضابطا برتبة عميد، دبت في قلبي الشجاعة لاحدثه عن ما يجري داخل الوحدة من إهمال، وأخبرته أنني صحفي، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهِ السفن، وكان رده لي قاسيا، وقتها كرهت الصحافة وكل من يعمل بها، فقد قال لي "عشان تعرفوا تكتبوا كويس"، لاأدري ما المقصود بهذه الجملة، هل كان يقصد أن هذا ذنبنا أننا نكشف الفساد ونفضحه ونحاول أن نغير منظومة الإهمال، أم أنه كان يقصد من أجل أن تجدوا شيئا تكتبوا عنه..في النهاية هو أيضا لم يقدم حلا مثله مثل غيره. بعد أن انتهيت من مقابلة مسئول الوحدة، قررت أن أقوم بمحاولة أخيرة، فذهبت للعسكري لأساله عن الملف فقال لي في لحظة نسيت فيها كل متاعبي ومشاكلي، أن ملفي لدى الموظف المسئول وأنه قد وجده وأعطاه إياه، طرت فرحا وذهبت للموظف مسرورا لأستكمل أوراقي وانهي مشكلتي التي طالت، فقال لي "لم يات بعد"، وقفت مذهولا وأخبرته أن العسكري أحضره إليك، ووقتها طفت وتحركت ما بين العسكري لأخبره بعدم وجود الملف، وما بين الموظف لأخبره أن العسكري جلبه لك. أخيرا وجدوا الملف لتنتهي أزمتي مع المرور في هذا اليوم، ولأكمل جزء من أوراق إتمام الرخصة التي كانت سببا في كرهي للسيارات، أوشراء السيارات المستعملة وان كانت الأخيرة من الأمور الخارجة عن إرادتنا، فلا نملك سوى شراء المستعمل، وليتأكد لي قول الكثيرين أن «مرور فيصل» من أسوأ ما رأوا في حياتهم. ملحوظة احتجت لمرور فيصل بعدها بيومين، فذهبت إلى العسكري مباشرة في أول ساعة من قدومي للمرور، وأخبرته أني أريد الملف ..فأحضره لي على الفور ..طبعا أنتوا عارفين إزاي!!!!!!!!!!!!!