لقد كان للإسلام السبق في التنبؤ بحدوث تلوث البيئة وفسادها، كما كان له السبق أيضًا في الدعوة إلى مكافحة التلوث بكافة صوره وأشكاله، حفاظًا على البيئة والأرض من الدمار والتخريب. وقبل ذلك كله، دعا الإسلام الناس إلى التأمل فيما حولهم من مكونات للبيئة، وما تشمله من كائنات ومخلوقات وجمادات سخرها الله – سبحانه وتعالى – لخدمة الإنسان، ولتكون عونًا له خلال رحلته الطويلة ومسيرته في الأرض، فقال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) سورة العنكبوت: الآية 20. فهذه الآية الكريمة تحمل دعوة للناس جميعًا للسير في الأرض والتنقل بين أطرافها وقاراتها، والتأمل في العناصر الأولية والمكونات الأصلية التي تتكون منها بيئتهم، وكيف أن الإنسان – على مر العصور – أمكنه الاستفادة منها وتطويرها وتنميتها بما يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع والفائدة الكبيرة. ثم جاء قوله تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ سورة ق: الآيات 6-11.. وقوله تعالي: )أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ سورة النازعات: الآيات 27–33. وقوله تعالي: وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ سورة الحجر: الآيات 19-22. وقوله تعالى: فَلْيَنظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ) سورة الحجر: الآيات 24-32. فهذه الآيات الكريمة تشير إلى عديد من عناصر البيئة ومكوناتها، والدور الذي تؤديه لصالح الإنسان واستقامة حياته واستمرارها على الأرض. فهي تشير إلى الأرض والنبات والماء والرياح والمطر والليل والنهار والجبال والمراعي والأنعام والحدائق والفاكهة والعنب والزيتون والنخيل، وغيرها مما تشتمل عليه البيئة التي نعيش فيها. وهذه الأشياء التي ذكرناها تمثل جانبًا من العناصر الجامدة والحية التي تتكون منها البيئة، كما أنها تتعرض لبعض الظواهر البيئية التي تحدث من رياح وأمطار، وغيرها. وتدعونا هذه الآيات الكريمة إلى التأمل في طبيعة هذه العناصر، وفي الدور الذي تؤديه في تكامل وانسجام تام حتى تمضي الحياة على الأرض في سهولة ويسر. فالماء ينزل من السماء، فيصيب الأرض الجامدة، وتدب فيها الحياة، وتخرج نباتات مختلفة الألوان والطعم والمذاق، حيث تمثل هذه النباتات غذاءً للحيوان. ومن النبات والحيوان يتخذ الإنسان طعامه وغذاءه. والماء الذي ينزل من السماء، هو المطر الذي تسوقه الرياح إلى حيث يأذن الله ويشاء، فينزل إلى الأرض فتدب فيها الحياة وتخرج من خيراتها الكثير والعديد والمتنوع الذي يسد احتياجات الكائنات الحية ويشبع غرائزها وفهمها. فهناك الخضراوات بأشكالها المختلفة والحبوب بأنواعها المتعددة والفاكهة وثمارها المتنوعة في اللون والطعم، والتي تشبع رغبات الإنسان المختلفة وتسد احتياجاته. وهكذا، نجد أن دعوة الآيات الكريمة السابقة للإنسان للتأمل في الكون ومكوناته، والبيئة وعناصرها، إنما هي دعوة لأن يعرف الإنسان مقدار النعم التي أنعم الله – سبحانه وتعالى – بها عليه، وأن يرى تأثير العناصر المختلفة في حياة ونمو الكائنات الحية، والتي توفر له الغذاء والكساء والمأوى، مما يدفعه إلى أن يحافظ على هذه الثروات الطبيعية ويعمل على صيانتها وحمايتها. أستاذ الكيمياء بكلية العلوم واستشاري البيئة بالأزهر