واسينى الأعرج عرض رحلته لعالم المعراج فى سيرته الروائية " سيرة المنتهى عشتها كما اشتهتنى " بملتقى الرواية العربية بالأوبرا ، مستوحيها من سيرة الرسول " سدرة المنتهى "، و معراج ابن العربى ،كما استوحاها من شعر علاء بن المعرى ، و أعمال دانتى كالكوميديا الآلهية . فوجد نفسه يخوض الرحلة لعالم السماوات ليتلقى بأبطال روايته السيريرية ، " الجد الأندلسى الأكبر ، الجدة، والوالد، و الوالدة ، تجربة الحب الأولى، والكاتب سرفانتس ، أكثر من أثروا فى وجدانه و تكوينه ، ليحكى من خلالهم رحلته فى الحياة . استشهد والد واسينى عام 1959 في ثورة الجزائر، وهو قيمة نضالية ذات أثر كبير في حياته، و لكن الأكثر تأثيرا كانت الأم " ميما ميزار " التى علمته " المقومة فى الحياة " فعرفت من خلال أوجاعها كيف تبنى فرحا من لا شئ أحيانا ، فبعد أن فقدت الزوج ، كرست حياتها لتربية أبنائها الستة ، قاومت و عاشت و ربت ، و هذا ليس عملا عاديا . أما الجدة فكان لها الفضل فى تعليمه اللغة العربية رغم أنها كانت أميّة ، ويقول واسينى : كانت تحكى دوما لى عن جدى الأكبر " الروخو " و أصولنا الأندلسية و كانت تقول لي دائمًا: ليرضى عنك أجدادك عليك إتقان اللغة العربية، و بالنسبة إلى الجد الأقدم الأندلسي فهو جد تاريخي، حفظ عنه تاريخ الأندلس، و أكد واسينى أنه يعتز بتلك الهوية و التاريخ ، و حبه الأول " مينا " التى ماتت بشكل مأساوى ، وعلى الصعيد الثقافي فإن سرفنتس هو الكاتب المفضل لواسينى . و قال واسينى : الكاتب يسرب أجزاء من سيرته فى الكتب ، أما ذاته فتظهر أكثر فى السيرة ، و اخترت ان تكون رواية سيرية حتى اترك مساحات اكبر للتخيل ، فهى فى النهاية سيرة أديب ، مضيفا اردت أن تقولنى هذه السيرة بصدق ، فماذا تساوي سيرة بلا صراحة؟ و أضاف : الطفل الذي فيَّ كان عليه أن يتكلم ويقول ما عاشه وما رآه، لأن هذا الطفل والمراهق أيضًا، هو الوحيد الذي لم يكبر فيَّ أبدًا وظل يصر على موقعه على الرغم من أن جزءًا مهمًا من طفولته سُرق منه. فتركته يتوغَّل في مكوناته الداخلية، وليس فقط الثقافية، لأن الأنا الخاصة صناعة معقدة، مصنع مظلم تشتغل فيه الآلات القديمة بكل وسائطها التقليدية المعوقة، والآلات الحديثة التي كثيرًا ما تتحول إلى طاحونة تأكل الأخضر واليابس. و ذكر الكاتب الكبير أنه أهمل الكثير من التفاصيل فى السيرة مركزا فقط على ما هو جوهرى ، أما الطفولة والحرب والمنفى والثقافة وغيرها ، فهى تصلح لتكون سيرا منفصلة . و روى واسينى : كثيرًا ما سئلت لماذا تموت أو تُقتل بطلاتي في النهاية. لم أنتبه لهذه الحالة إلا لاحقًا، عندما توغلت عميقًا في السيرة. من أوجاع رجل، حتى أصابع لوليتا، تشذ عن القاعدة روايات محدودة منها مملكة الفراشة، كل الشخصيات النسوية تنطفئ فيها تحت ماكينة الظلم القاسية ، هذا الموت يجد بعض تفسيراته في النهاية المأسوية التي وصلتني عن مينا . و عن إدانة بعض من جمهور واسينى لشخصية مينا ، قال الكاتب : مينا رغم عملها بالماخور و لكنها لم تختره ، تركها ابن عمها و هى حامل و سافر فلم يعد لها سوى القتل فى ظل مجتمعنا او ان تهيم على وجهها ، حياتها كانت تراجيديا و انتهت بقتلها بشكل مأساوى ، و عن اعتراض القراء ، أشار الكاتب أنمنهم القارئ العادى و المفكر و منهم الداعشى فى فكره ، فبعضهم كان قاسى فى حكمه على مينا و عليه ، و حينها استدعي قول المسيح عليه السلام " من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر" . و تابع واسينى قائلا : أبطالي الذين شكَّلوا أعمدة السيرة كلهم ماتوا اليوم، آخرهم ميما أميزار، وكان عليَّ أن أجد الوسيلة الأدبية والثقافية وحتى الميثولوجية التي توصلني بهم لكي يصبح فعل الكتابة مستساغًا ومقبولاً أدبيًا. وجدت في عملية الانتقال من الأرض إلى السماء بالوسيط المعراجي وسيلتي الأدبية الحيوية التي تجعل من اللقاء بالأموات ومحادثتهم أمرًا ممكنًا، بل عاديًا، لأنه مبرر في ثقافتنا. اخترت المعراج لأرحل نحوهم محملاً بشطط عصري وانشغالاتي، كما اختاره أبو العلاء المعري لتبرير ذوقه وخياراته الشعرية، والشيخ الأكبر ابن عربي لتوصيف داخله المتحوِّل وكشفه عن المستور، ودانتي في بحثه عن الجوهر الوجودي من خلال قصيدة تقاسمتها العناوين المحطات الثلاثة: جهنم Inferno، البرزخ Purgatorio والجنة Paradisio، حيث يقص الشاعر رحلته داخل هذه العوالم السحرية ورؤيته للقرون الوسطى المحكومة بعنف الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. استفدت منهم كثيرًا في هذه السيرة لخلق مساحات من التخييل الثقافي تحوَّلت إلى حاضنة أدبية حقيقية لهذا السرد السيري. و أكد واسينى : السؤال الحقيقى ليس الاقتراب من الذات فى السيرة و لكن كيفية الاقتراب من الذات و هذا ما يمنح كل سيرة خصوصيتها ، قائلا : لا افضل التنظير فى السيرة ، أما عن التاريخ فى كتاباته ، قال : التاريخ يكتبه المنتصرون ، لذا نحاول ننتج رؤى مختلفة مغايرة ، فيتهمك البعض بالخيانة و انعدام الوطنية . كما لفت واسينى أن القرآن الكريم و ألف ليلة و ليلة دخلوا فى المخيال العالمى و أصبحوا فاعلا فيه ، و لكن الأعمال الجديدة غائبة ، لأن العرب لا يدافعون عن ثقافاتهم ، فى حين أمريكا اللاتينية دفعت بنتاجها للعالمية ، مؤكدا أننا فى حاجة لمؤسسة قوية تدفع بالثقافة العربية للأمام . سيرة المنتهى تسجل الرواية لحظة انخلاع الكاتب من الدنيا ، و دخوله لعالم المعراج لتتوالى الحكايات الكبرى،وفي المعراج الصوفي والتكوين الروحي للكاتب تتوالى شخصيات ابن عربي وثيرفانتس ومولاي السالك. ويتقدم الكاتب مولاي السالك مخاطباً «واسيني يا ابني... أمامك مسالك الأنوار الكثيفة التي تعمي الأبصار بقوة... اعبرها بلا تردد فأنت سيد شأنك ، ويبلغ الكاتب في معراجه جبل النار (يتغراو) حيث نزل الجد البعيد (الروخو) بعد الهزيمة الأندلسية ، في عش النسر – قمة الجبل حيث يرى الصوفيين يرقصون كما في الحضرة وبينهم المسيحي واليهودي في إشارة لوحدة الأديان، ويبلغ الكاتب في إسرائه مع جده الروخو «الصخرة» حيث يرى غرناطة، و يتلمس الكاتب في «الغرفة الزجاجية» جراحاته الداخلية وهو يخطو إلى النور، فيرى معشوقته ذات الشعر الأحمر. وبينما يمضي العاشقان في عالم المعراج، تبدو الجدة (حنا فاطنة) حفنة من النور، وتقود الحفيد إلى مقام الشيخ الأكبر ابن عربي، وحوله الحلاج والبسطامي والجنيد ، وعلى مولانا ابن عربي وعلى الجدة يقص الكاتب حكاية الكتاب الذي هرب نحوه ليتحول إلى نقطة نور فيه. وإلى هذا العالم تحضر مينا أيضاً، وتدعو الكاتب إلى الراحة تحت شجرة النور . و ختم الكاتب الرواية بفصل " بعض ما خفي من سيرة عشتها كما اشتهتني "، وهو ما جاء شهادة على الرواية السيريرية .