على وقع ما يجري من انتهاكات في المنطقة، يبدي سكان العاصمة الاقتصادية الكاميرونية دوالا من السنّة والشيعة، موقفا موحّدا من تنظيم "بوكو حرام". فمجرد ذكر إسم المجموعة النيجيرية المسلّحة، يثير مشاعر الإحتقان والاستياء لدى الطائفتين اللتين تضمّان إجمالا بضعة عشرات الآلاف في دولا، بحسب تقديرات غير رسمية. سنّة وشيعة تتعالى أصواتهم منسجمة متوحّدة لتنعت أفراد الطائفة الجهادية ب "المجانين" و"المختلّين عقليا"، و"العاجزين" و"الجبناء".. هكذا اتّفقوا على وصف تلك العناصر التي اجتثّت أمنهم وصادرت سلامتهم، بحسب شهادات متفرّقة لبعض سكان هذه المنطقة للأناضول. وفي صباح كاميروني يحمل معه أخبارا تتشابه في قتامتها حد التماهي مع ما مضى من الأيام في الآونة الأخيرة، تستعرض المذيعة بالإذاعة الدولية الكاميرونية بالعاصمة "ياوندي"، حصيلة الهجمات التي جدت بكل من النيجرونيجيريا وتشاد والكاميرون. وعلى بعد ألف ميل عن استوديو البث، وتحديدا في حيّ "نيو بال" ب "دوالا" على الساحل الكاميروني، يتابع محمد و رفاقه الثلاثة البث ببالغ الاهتمام بعد أن تحولت حصة الإنصات إلى الأخبار، إلى ما يشبه العادة في هذا الحي الذي يضم أكبر طائفة من المسلمين في العاصمة الاقتصادية للبلاد. وما من شيء يدعو محمد إلى هذه المواظبة على ما تبثه مختلف وسائل الإعلام من أخبار سوى القلق الذي يختلج في صدره على مصير والديه وبعض أفراد من أسرته الذين يعيشون في منطقة أقصى الشمال الكاميروني المحاذية لنيجيريا معقل جماعة "بوكو حرام" المسلّحة. وبفرنسية ركيكة، يقول محمد، في تصريح "للأناضول": "نتابع الأخبار بشكل يومي على جميع التلفزيونات والإذاعات الوطنية والدولية، فنحن نرغب في معرفة جميع ما يجري هناك "أقصى الشمال"." "لي عمّ يعيش في مدينة فوتوكول الواقعة على بعد كيلومتر واحد من نيجيريا"، يتابع محمد بنبرة يطبق عليها الأسى، فلقد "غادر القرية صحبة زوجتيه وأبنائه تاركا وراءه بيته والأراضي التي يمتلكها". محمد لا يشكّل حالة منعزلة عما يعيشه بضعة عشرات الآلاف من المسلمين السنّة في دوالا بحسب أرقام رسمية عن المسؤولين عن الطائفة المسلمة بالمدينة."وساليو" أحدهم، حيث قال وهو في طريق العودة من أكبر مساجد المدينة، حيث كان يؤدّي صلاة الجمعة، بصوت متقطّع خنقته العبرات، أنه فقد عائله الذي تكفّل بتربيته بعد وفاة والده في عام 1998، في الهجمات الأخيرة على مدينة فوتوكول. ثم أردف "ساليو" في عصبية واضحة، كمن يحدّث نفسه: "يقولون إن عناصر بوكو حرام من المسلمين. الأمر ليس صحيحا على الإطلاق، فالإسلام دين سلام وتسامح ولم يأمر أحدا بقتل إخوانه. لماذا يقوم هؤلاء بعمليات القتل؟ لماذا يهاجموننا؟ لماذا يريدون قتل الكاميرونيين؟"، غير أنّ جملة تساؤلاته ضلت دون جواب يشفي غليل من فقد أقرب الناس إليه. غير أنّ الواضح هو أنّ مسلمي دوالا بسنتهم وشيعتهم، لم يعد بوسعهم سماع كلمة "بوكو حرام"، دون أن يبدوا مشاعر الاستياء والاشمئزاز، والرأي شائع بين الجميع في أن "بوكو حرام هم شرذمة من المجانين والأشرار". "عبد الكامل" إمام مسجد الأقلية الشيعية الوحيد في مدينة دوالا التي تضم بضعة آلاف من أتباع هذا المذهب، ذهب في هذا الاتجاه عندما قال في حديث للأناضول: "الإسلام، في حقيقته، كما في جوهره يندد بهذه الأعمال الإرهابية. الإسلام دين يدعو إلى العلم وإلى المعرفة. لا تضارب بين الدين والعلم، ولا بين الدين والعقل. الإسلام لم يكن أبدا رديفا للمجازر". ومضى الإمام يقدم لمحة عن سماحة الدين الإسلامي، تجسدت في أبهى مظاهرها في كيفية التعامل مع الأضحية في العيد المرتبط بها: "لقد أمر الرسول بحسن معاملة الأضحية بإطعامها واستعمال سكين مناسبة كي تجري عملية الذبح بأقلّ ما يمكن من الآلام. هنا الأمر يتعلق بحيوان، حين نرى ما يقوم به هؤلاء الإرهابيون مع بشر مثلهم، نفهم أنه ما من دين على الأرض يقبل بهكذا أعمال". الموقف ذاته تبنّاه "ابراهيم مبارك مبومبو" رئيس "الإتحاد الكاميروني الإسلامي"، الذي يضم ممثلين للسنة والشيعة حين شدد على أنّ "عناصر بوكو حرام هم أبعد ما يكون عن المسلمين الذين يتميزون بكونهم "سفراء للنوايا الحسنة" حيثما حلوا. هو نفس القلق الذي يشعر به جميع المسلمين في مدينة دوالا حيال هذا الخلط الجائر بين الإسلام وبين من ينسبون أنفسهم إليه. "الحاج أبوبكر" أحد أئمة "دوالا" ممن يعتدّ برأيهم داخل الأوساط المسلمة بالمدينة، عقّب عن الجزئية الأخيرة بقوله : "أشعر بأسف بالغ حين أستمع لبعض المثقفين الكاميرونيين يقولون بأن بوكو حرام هم مسلمون. لقد أمرنا الله بأن نحب بعضنا البعض من أجل بناء عالم أفضل، وليس العكس". ويقيم "الحاج أبوبكر" مقارنة بين "بوكو حرام" وبين بعض الكنائس المسيحية التي تدعو إلى العنف في وضح النهار، من أجل البرهنة على أنّ المتطرّفين يوجدون في كلّ مكان: "ينبغي علينا أن نحارب هذه الطائفة بوكوحرام" بحسب تعبيره. ولتفادي تسلل أفكار "بوكو حرام" الشاذة إلى داخل الطائفتين المسلمة والمسيحية، عمد القائمون على الشأن الديني في المدينة إلى تنظيم حملات توعوية وعقد اجتماعات مع شباب البلدة داخل الأحياء ذاتها، فيما حمّل الأئمة خطبهم بما يدفع بالمصلّين نحو خانة التسامح والاعتدال. وعن ذلك، أضاف "عبد الكامل" قائلا: "أطلب من المصلّين أن يتميّزوا عن تلك الطائفة، وأطلب منهم أن يتحلّوا بقيم الإسلام السمحة كي يعطوا المثال للعالم أجمع، وقريبا، سنقوم بتنظيم مؤتمرات في الغرض". هذه المجهودات وإن كانت تلقى القبول والترحاب من مسلمي دوالا، غير إنها ليست كافية من وجهة نظرهم ولا تقدم إجابات مقنعة عما يجول في الخواطر من أسئلة مشروعة. "يهمنا أيضا معرفة من يقف وراء هذه الطائفة، ومن يموّلها بهذه الأسلحة المتطورة؟ هنالك حتما رهانات سياسية واقتصادية وراء كل ذلك..."، بحسب مسلم سني "للأناضول" فضل عدم الكشف عن هويته. طرح أيده "دوران كوواه" مسيحي سابق اعتنق الإسلام الشيعي، حيث أكّد أنّه: "تم استخدام الإسلام في هذه الحرب، وفي اعتقادي بأنّه بصرف النظر عن دعم قوات مسلّحة أجنبية لنا قوات تشادية بالأساس، على جميع الكاميرونيين أن يتجنّدوا وأن يدركوا بأنّ بوكو حرام هو عدوّ موحّد لنا جميعا، وهو في جميع الحالات، ليس بعدوّ مسلم".