يقول الله في محكم كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ79 ﴾ سورة يس ورد بالحديث القدسي عن رب العزة .. يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاكَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَه ( مسلم عن أبي ذر الغفاري ) ( يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلا مَنْ أَغْنَيْتُ، ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ عَطَائِي كَلامٌ وَعَذَابِي كَلامٌ إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) *** في العام 1970 قام العريف الأوغندي عيدي أمين دادا بانقلاب عسكري واعتلى سدة الحكم ورقي نفسه إلى رتبة جنرال، بعد الإطاحة به اكتشف عدد من الرؤوس المقطوعة لبعض خصومه في ثلاجات قصوره. وعندما سُئِلتْ أرملة أنور خوجا رئيس ألبانيا وشريكته في الحكم، أول رئيس يحظر الدين في دولته في العالم: هل شعرت بالندم بسبب تعذيب وإعدام خصومك السياسيين؟. قالت: لا.. يجب على الدولة أن تحمي نفسها من أولئك الذين يخططون ضدها. وتبجح بوكاسا (جان بيدل بوكاسا رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى) قائلاً: أنني لست الوحيد الذي أرتكب الجرائم، لقد غفر الله لي، كما غفر لي شعب أفريقيا الوسطى، وأنا الآن لا أدين بأي شيء لأي كان، لا الله ولا الشعب، إننا متعادلون. ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ صدق الله العظيم . ويكمل مؤلف كتاب ريكاردو أوريزيو " حديث الشيطان – مقابلة مع سبعة طغاة " Talk of the Devil – Encounters with Seven Dictators " ( 1 ) في حديثه عن الطغاة عن الجنرال فويسيتش ياروزلسكي وزير الدفاع الذي جاء إلي سدة الحكم في بولندا بدعم من كتلة الدول الخاضعة الاتحاد السوفيتي في فبراير 1981, ظهر الجنرال علي شاشة التليفزيون مطالبا ب " الدفاع عن القانون والنظام الاشتراكي, ووضع حد للفوضى التي سقطت فيها البلاد بسبب حفنة من المتطرفين ", وأعلن الأحكام العرفية. وسرعان ما فرض مجموعة كبيرة من القيود, وظهرت الدبابات في كل الشوارع, واعتقل الآلاف من الكتاب والنقابيين والكهنة, وشهدت البلاد أسوأ فترة قمع مرت بتاريخها . أكد ياروزلسكي مراراً – منذ استيلائه علي السلطة – علي أن " الظروف الاستثنائية أرغمته علي دخول السياسة, ووضع نفسه في خدمة البلد, وأن مواطنينا يحبون قواتنا المسلحة أكثر من جميع المؤسسات الأخرى "، هاهو يتحدث كأنه المنقذ والمخلصَّ، وقد أرسلته العناية الإلهية، لحماية ( بولندا ) من الإرهابيين، وكمثل كل الطغاة , لا مجال لديهم للوم الذات أو الإقرار بما ارتكبوه من فظائع, راح ياروزلسكي يبرر للمؤلف : " لم أكن _____ ( 1 ) نقلا عن مجلة الكويت العدد 370 شوال 1435ه اغسطس 2014م مقال سيد زرد أنا من رسم الظروف التاريخية ، كانت مهمتي الوحيدة التي لا أحسد عليها هي أن اختار بين أهون الشرين، وأيا كان قراري , فقد كان سيؤدي إلي نتائج سلبية، وليس لأحد الحق في أن ينبذني بهذه السهولة بوصفي مجرما، أنا مواطن , لقد أنقذت بولندا من خطر مميت ". وحكي جان – كلود دوفالييه - , ديكتاتور هاييتي , علي المؤلف طرفاً من سيرة حياته : " والدي الرئيس فرانسوا دوفالييه استدعاني إلي مكتبه ذات يوم – وكنت في التاسعة عشر من عمري – قال لي: " لابد أن تحضر نفسك, فسرعان ما سأرحل عن هذا المكان, ولابد خدمة للثورة أن تحل محلي بوصفك وريثي الوحيد، وعندما حل موعد الاستعراض العسكري في نوفمبر 1970 أمرني أن أسير علي رأس القوات، في الأول من ديسمبر ألمح في خطابه إلي حاجة النظام لشبان في الرئاسة، توفي والدي مساء 21 أبريل 1971م حلفت اليمين بعد منتصف الليل بعشر دقائق, وغدوت رئيسا أبديا لهاييتي. نعم , قبل ذلك ببضعة شهور كان القانون ينص علي الحد الأدنى لسن رئيس الدولة هو أربعون عاما, ثم تم تخفيضه إلي عشرين عاما بعد استفتاء شعبي . لم أكن قد بلغت العشرين آنذاك, بيد أنه كان لابد من حماية الثورة . كان شعب هاييتي البسيط بحاجة لمن يدافع عنهم . كانوا بحاجة إلي بابا دوفالييه جديد , وقد اختارني القدر لألعب هذا الدور " . في ظل حكم دوفالييه الابن الذي امتد حتى العام 1986 سمح وأمر بقتل نحو 40000 شخص ونفي مليون آخرين . وفي الوقت الذي كان الناس في شوارع هاييتي يموتون من سوء التغذية وطلقات زبانية دوفالييه , وكان الرئيس وزوجته المسيطرة ميشيل بينيت يعيشان في عالم خيالي من الرفاه. إذ قدرت وزارة التجارة الأمريكية بأن 63% من دخل الحكومة الهاييتية في الثمانينيات سحب بصورة غير شرعية عن طريق أعمال وأشخاص مرتبطين بالنظام الحاكم . والمثال علي ذلك , ما جري في ديسمبر 1980 , حيث تم تحويل عشرين مليون دولار من الاثنين والعشرين مليون دولار التي أقرضها صندوق النقد الدولي لهاييتي إلي الحسابات الخاصة بالسيد الرئيس وقرينته . الكولونيل منجيستو هيلا مريام حاكم أثيوبيا المطلق من شهر فبراير العام 1977 إلي مايو العام 1991 , عندما استولي علي السلطة ألغي الحكم الملكي , وأعلن " ثورة وطنية ديمقراطية " , جاعلا " الاشتراكية العلمية " القانون الذي يحكم البلاد, وأعاد تسمية بلاده " جمهورية أثيوبيا الديمقراطية الشعبية " تحت حكم حزب واحد هو حزب العمال الأثيوبي بزعامة الأمين العام منجيستو . أرسل آلافا من معارضيه إلي فرق الإعدام خلال ما أسماه – بكل فخر – " حملة الإرهاب الأحمر " , قدرت منظمة العفو الدولية عدد من تم قتلهم خلال الحملة بين 1977 و 1978 بنصف مليون شخص . وعندما أعدم جنود منجيستو " أعداء الشعب " رفضوا تسليم الجثث إلي أن يدفع ذوي القتلى فدية تساوي ثمن الطلقات التي استخدمت في الإعدام . حينما التقي به المؤلف في منفاه قال : " أنا رجل عسكري , لم أفعل ما فعلت سوي لأنه كان لابد من تحرير بلادي من القبلية والإقطاعية . إن كنت فشلت, فلأنهم الجماعية, فليست أكثر من مجرد حرب دفاعا عن الثورة " . قابل المؤلف ميرا ماركوفيتش زوجة سلوبودان ميلوزوفيتش بينما كان زوجها سجينا قيد المحاكمة أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي عن جرائم حرب ضد الإنسانية وعن مجازره في كوسوفو . كان ميلوزوفيتش في الخامسة والأربعين عندما انتخب لمنصب " رئيس اللجنة التنفيذية الدائمة للجنة المركزية لتحالف الشرعيين في صربيا " . قبل ذلك كان رئيسا لمصرف بيوبانكا المؤسسة المالية الرائدة في يوغسلافيا . لكن ميرا زوجته أدركت جيدا أن السلطة الحقيقية تكمن في السياسة وليس في الأعمال , ولذلك أقنعت زوجها بأن يتفرغ للسياسة , وأن " يكرس نفسه للبلد " . الذي كان – بحسب رأيها – بحاجة ماسة إلي ذكاء زوجها وكرمه، ومنذ أن كرس ميلوزفيتش نفسه لخدمة بلاده حتى مارس التطهير العرقي ضد الكروات والمسلمين, وأشعل في بلاده أتون حرب طائفية لمدة عشرة أعوام, فاستحق أن يكون أول رئيس دولة يحاكم دوليا بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية . ولأن القاعدة المتبعة من جانب الطغاة , أن وراء كل ديكتاتور امرأة مدمرة , فكانت ميرا زوجة مليوزوفيتش ذات سلطات نافذة وغير محدودة , وأسماها الناس في بلجراد " الساحرة الحمراء " . كانت تكتب عمودا بعنوان " ليلا نهارا " في عدة مجلات , وكان الناس يقرأون ما تكتبه ليعرفوا من هو الضحية التالية في " تبادل نار بين مجهولين" , أو من سيلقي حظوة لدي ميلوزوفيتش أو ليتعرفوا حالته المزاجية . دافعت ديرا عن نفسها وزوجها أمام المؤلف بالقول : " كنا أول من حارب الإرهاب والمتشددين الإسلاميين , كنا أول من وقف في وجههم " . هؤلاء الذين عاثوا في الأرض فساداً، والموجودين في كل زمان ومكان، وتركوا وراءهم الضحايا، ولطخوا التاريخ البشري بالدماء، واجب علينا بحث حالتهم علمياً للوصول إلى الأسباب الكامنة وراء القسوة والعنف، وعلاجها من جذورها، وتدعيم الوعي الإنساني والروح والعقل، فكل الطغاة على مدار التاريخ جهلاء، يتسمون بالغباء والقسوة والغرور. وعندما يتسم نسيج المجتمع والعقل الجمعي بالعافية، والقدرة علي الإبداع والتواصل الذكي الحر، وتفتح النوافذ لشمس الحرية الحقيقية، عندئذ تتحقق شروط الصحة السليمة، ولن يجد مثل هؤلاء فرصة للسيطرة وممارسة عدوانهم على البشر، بادعاءات محاربة الإرهاب وبأنه جاء مخلصاً من خطر داهم، ونحن نجد تناقض سلوك الطغاة مع كل قيمة إيجابية مثل التواضع وهو من المبادئ التي يقوم عليها الذكاء الروحي, ومن وجهة نظر زوهار التواضع يعني " التخلص من الغرور الذي يجعلنا نفكر بأن العالم ملكنا وحدنا, فنجور على البشر, والكائنات الأخرى, ونفسد البيئة والكون, ونصادر حق الأجيال القادمة من خيرات الأرض, ونمنع المساعدة عن الفقراء والضعفاء , ونفشل في سماع الصوت الذي بداخلنا, لا نستطيع الاستماع لبعضنا, ولا ننتبه إلى أننا نلعب أدواراً في دراما كبيرة, ورأينا مجرد رأى وللآخرين أدوارهم, بالإضافة إلى آرائهم التي لابد أن تحترم، والتواضع يحمل في جوهرة التعاطف مع البشر، وهو " القدرة على أن نضع أنفسنا مكان الآخرين ونقدر وضعهم ومشاعرهم وآلامهم, ونواسيهم, ونساعدهم, ونفرح معهم، و " نسير في ضوء رؤية وقيم العمل من منطق مبادئ الانتقال من ثقافة الطمع, والخوف, والأنانية, إلى ثقافة التعاون, وتحمل مسئولية الأسرة, والعلاقات, والعمل, والاهتمام ب " النحن " بدلا من " الأنا" أي نخدم بعضنا, ونقدم ما في وسعنا, ومن قلوبنا . العفوية أن نعيش في اللحظة الراهنة, في ال هنا والآن. ومواجهة المشكلات وكأنها مشكلات جديدة, ورمى الهموم وترك الافتراضات المسبقة , حتى نكون حاضرين لمن معنا وما حولنا، ونتمتع بالنظرة الكلية، رؤية الصورة الكبرى, والعلاقات المتشابكة والشعور بالانتماء, أي أن نعرف أن العالم واحد لا يتجزأ, ونحن نؤثر ونتأثر بالطبيعة والبيئة من حولنا, وفى بعضنا, ونستطيع – مثلا – أن نقتل عدوى اليأس و ننشر الأمل، وطرح الأسئلة, والوصول إلى الخلاصة, والحكمة, فلا نقبل الأمور كما هي, ولا نقوم بالعمل حسب الأمور فحسب, بل نفكر دوما, ونسأل ونعيش مع الأسئلة, ونبحث عن تفسيرات, وطرق, ونتائج مختلفة . القدرة علي إعادة رسم الأطر: النظر من بعيد للمشكلة, أو الموقف والرؤية ضمن السياق الأكبر, ومن جوانب متعددة , وتبني نماذج جديدة، الاستقلالية : القدرة علي مواجهة الأغلبية, والتمسك بالقناعات, وبما نراه صوابا حتى لو لم يكن كما يريده الناس, ولكن بعد مواجهة الذات والتأكد مما نريده حقا , وما نظن أنه الصواب, من دون غرور. الاحتفاء بالتنوع ويعني تقدير الآخرين واحترام الاختلاف, ومعرفة جماله وأهميته, فهو يعني أن نري ألوانا متباينة, ونتعلم جديداً, ونساعد بعضنا ونتكامل . الإحساس بالمهمة، وتلبية النداء للعطاء والخدمة التي نعتقد أننا ولدنا من أجلها . ونطرح السؤال الفلسفي العميق .. لماذا أعيش؟ ***