"الأقصروأسوان".. أكثر من ثلث آثار العالم، تستحق عن جدارة لقب أولى مدن السياحة في العالم، حتى لو واجهت أزمات أو خطورة في الذهاب إليهما فرؤية حضارة سبعة آلاف سنة، والتي تعد أقدم حضارة في التاريخ تستحق المجازفة. ولكن بعد أزمات الإرهاب التي تواجهها مصر في السنوات الأخيرة حتى بعد استقرارها فقد عزف السائحين عن ارتياد تلك المدينتين الأثريتين، إلا أن السياحة الداخلية خلال السنوات الأخيرة كان لها دورا في إنعاش السياحة ولكن ذلك يقتصر على أسابيع قليلة من العام، وهذا لا يكفي لعودة الأمور إلى طبيعتها لأبناء تلك المدينتين الذي يعد مورد رزقهم الوحيد هو السياحة. تحدث عدد من المشتغلين في مجالات عدة في تلك المدينتين ل"محيط" عن الأزمات التي تواجههم وخصوصا بعد ثورة 25 يناير 2011، وأن الأمر مازال إلى الأسوأ، كما أرجع البعض أزمة السياحة إلى حادث الدير البحري عام 1997، والبعض الآخر أرجعها لحادث شرم الشيخ عام 2005. كما أوضح البعض أن المرشدين السياحيين يساعدون في تفاقم الأزمة بسبب إبلاغ السائحين بالأسعار التي يتعامل بها أبناء البلد في مواصلاتهم وشراءهم للمنتجات، ولأنهم يأخذون نسبة من مبيعات أصحاب البزارات التي يوجهون السائحين إليها. قال محمود محمد أحمد أحد أصحاب المحلات في الشارع التجاري بأسوان ل"محيط" أن حالة السياحة الآن في أسوان "تحت الصفر"، "أحنا تعبانين خالص، والبلد واقفة، من يوم 25 يناير مافيش سياحة غير ال 15 يوم في أجازة نصف العام من السياحة الداخلية، وهؤلاء يقومون بشراء منتجات العطارة واللب والفسيخ والفول السوداني!، لكني أملك محل ملابس واتعرض للخسارة منذ 25 يناير، أيضا ارتفاع الأسعار تاعبنا جدا؛ لأن الزبون اللي بييجي أسوان حاليا على قد حاله، ولا يقبل زيادة الأسعار اللي بيضاف إليها مصاريف المحل والعمالة فبتصبح السلع غالية على الزبون، ومن المعروف أن أسوان مشتى والسائح المصري بيجي فقط في أجازة نصف العام، ويقصد زيارة المعابد والأماكن السياحية، لكنه ماعهوش فلوس يشتري، وأما تأتي أسرة مكونة من عدد من الأفراد لمشاهدة محل الملابس، الأب بيقول لولاده نتفرج أنهاردة ونشتري بكرة بعدما يسأل عن الأسعار للتهرب من الموقف!". وأكد أحمد صالح الذي يعمل في إحدى البواخر السياحة "الفنادق العائمة" أنه في السنوات الأخيرة أنعدمت السياحة في أسوان، لكن بعد تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي رئاسة مصر أصبح هناك نوع من التنشيط السياحي في أسوان لكنه للمصريين فقط، لكن لا يوجد سياحة خارجية، مع العلم أن السائح المصري ليس بإمكانه شغل مكان السائح الأجنبي. وأوضح أحمد أن أزهى فترات السياحة في مصر كانت في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وحتى عام 2005 بعد استهداف الإرهابيين لبعض الأماكن الأثرية وخصوصا حادث "قرية غزالة" الشهير في شرم الشيخ عام 2005، ومن قبله مذبحة الدير البحري في الأقصر عام 1997، فبعد هذه الأحداث انهارت السياحة في أسوان؛ فالأخبار تصل للدول وبالتالي يخاف السائحين من التنزة مع أسرهم في أماكن يستهدفها الإرهاب، كما أن هذه الفترة التي نعيشها في مصر من قتل جنود وإرهاب في مناطق متفرقة يؤثر على حركة السياحة والاقتصاد العام للبلد كلها في التجارة والصناعة والسياحة. واليوم لكي تعود السياحة للعهد السابق نحتاج أكثر من عشر سنوات وذلك بعد استقرار البلد". وواصل أحمد: "كنا سابقا لا يهمنا ضعف المرتبات لأن اعتمادنا كان على "البقشيش" من السائحين وكان يكفينا بزيادة كبيرة، وكانت الرحلات الواحدة تلو الأخرى، لكننا اليوم اصبحنا في انهيار تام، فالسائحين الأجانب خلال الموسم الحالي لم يتعدوا عندنا الثلاثين فرد!، لكن سابقا كان يأتي لمصر حوالي 30 مليون سائح وذلك في فترة التسعينات، وكانت البلد شغالة". المرشدون أحد أسباب أزمة السياحة أما أسامة موافي صاحب أحد البزارات في الشارع التجاري بأسوان والذي كان يصل ثمن بضاعته لقرابة ربع مليون جنيه، فاضطره الوضع الحالي لاستبدال نشاطه إلى التجارة في الملابس وذلك بعد أن خسر في الفترة الماضية من سوء حال السياحة، فحتى السياحة الداخلية برأيه تبدأ في نهاية شهر ديسمبر وتستمر حتى أول عشر أيام من شهر مارس، وبعدها تنعدم أيضا السياحة الداخلية. وتحدث أسامة عن المشكلات التي يواجهوها في السوق التجاري بأسوان وقال أن أهمها مشكلة سرقة الزبائن، فإما يستبدلوا أموالهم بمال مزور، أو يسرقوا تليفوناتهم المحمولة، أو يسرقوا حافظة نقودهم!!؛ ولذلك يقوم المرشدين السياحيين بتحذير الزبائن من الشراء من شارع السوق التجاري، وأن المرشدين يفعلون ذلك عن قصد كي يوجهون الزبائن لمحلات كبيرة يشتروا منها كل أغراضهم بهدف الحصول على نسبة متفق عليها من أصحاب تلك المحلات، ويأتوا بالزبائن إلى السوق بعد أن ينتهوا من شراء أغراضهم بالكامل!، وهذا ما يحدث سواء قبل أو بعد ثورة 25 يناير. وواصل أسامة: "جميع أصحاب المحلات في السوق بدءوا في تغيير أنشطتهم، وأنا كذلك، كنت أبيع في المحل حجر وصواني نحاس وعطور واستبدلت نشاطي للتجارة في الملابس؛ لأن البازارات اصبحت خاسرة في أسوان. نريد تدخل الدولة لإنعاش السياحة من جديد، فنحن في شارع السوق نزيد عن 700 محل، والمرشدين السياحيين يوجهون الزبائن لمحل أو اثنين فقط!! للحصول على نسبة من المحلات، وسبق وطلب مني عدد من المرشدين السياحيين نسبة 50% من المبيعات ليأتوا لي بسائحين، ورفضت ذلك لأنني لو اعطيتهم نسبة 50%، ومن يعملون معي حصلوا على نسبة، بالإضافة إلى ثمن البضاعة، فكم سيتبقى لي؟!!". وأكد أسامة أنه في بداية عام 2013 عادت السياحة لما كانت عليه في عصر مبارك، لكنها انعدمت من جديد بعد ثورة 30 يونيو، وحاليا بدأت السياحة الأجنبية في العودة ولكن لم تعود كسابق عهدها. مشيرا إلى أن السياحة الداخلية لا تعوض السياحة الخارجية؛ وذلك لأن مشتريات 50 سائح مصري تعادل مشتريات سائحين فقط من الأجانب!، كما أن نسبة شراء المصريين الذين يعيشوا في الخليج أكثر بكثير ممن يعيشون في مصر أو رحلات المدارس والمسنين". وأكد الحاج ناصر من غرب سهيل أن السياحة لم تعود حتى الآن في أسوان وغرب سهيل، إلا في شهري يناير وفبراير، مؤكدا أن السياحة بعد الثورة تكاد تكون معدومة في الشهور الأخرى، لكن السياحة تمرض ولا تموت كما قال، إلا أنه امتدت هذه الفترة حتى أربع سنوات، متذكرا أيام غزو العراق للكويت بأن السياحة تأثرت قرابة تسعة أشهر لكنها عادت كما كانت، لكنها لم تعود حتى الآن بعد ثورة 25 يناير!! ولم يحدث أي تغيير حتى الآن وبعد اتفاقيات وزارة السياحة في المؤتمر الدولي الذي عقد مؤخرا مع شركات سياحة عالمية. وقال الحاج ناصر: "نحن نعمل خلال شهرين فقط في العام؛ حيث يتواجد سائحين مصريين وأجانب "فبنمشي حالنا" باقي العام، ونسوق منتجاتنا في أسوان نفسها ولدينا محلات صغيرة في القرية. لكن لو امتدت السياحة الداخلية في مصر لفترة خمسة شهور منذ شهر أكتوبر وحتى فبراير لكان هذا كاف لنا ولم نحتاج للسياحة الخارجية والأجانب؛ فالسياحة الداخلية مهمة جدا سواء قبل أو بعد الثورة، وفي هذه الشهور يكون الجو جميل جدا في أسوان، وذلك بدلا من تكريس أنفسهم في شهرين". السياحة في الأقصر أما عن مدينة الأقصر فأكد عبدالجابر عبدالله العرنوسي صاحب ميكروباس يعمل عليه في البر الغربي أن تواجد السائح المصري حاليا يتقدم على السائح الأجنبي في الأقصر، وذلك بعد قيام ثورة 25 يناير، وخصوصا في فترات أجازات المدارس، لكن مؤتمر السياحة الذي عقد مؤخرا لم يأتي بجديد!. ورأى العرنوسي أن السياحة الأجنبية حاليا تقتصر على عمال الدول الأجنبية، سواء عمال النظافة أو غيرهم، أي "سائحين على قدهم"، وليس من كانوا يأتون إلى الأقصر منذ سنوات. وقال: "السياحة الداخلية موجودة لكنها بالنسبة لنا لم تكون مثل السياحة الأجنبية، فالمصري من المعروف عنه أنه يفاصل في الأسعار، تقوله الحاجة "بجنيه" يقولك لا "بربع"؛ لذلك "بييجوا بخسارة على ناس الأقصر"، فهم حتى لا يتركوا "بقشيش" للعمال بعد أن يرحلوا، أما الزبون الأجنبي فهو يحافظ على أي مكان يقوم بزيارته من متاحف أو معابد وغيرها، فهو يأتي لرؤية الشيء ويعرف ما هو قيمته". أما عن التفجيرات الأخيرة التي تحدث يوميا وخصوصا بعد ذكرى ثورة 25 يناير، فقال العرنوسي أنها بالفعل تؤثر على السياحة في الأقصر، كما تؤثر بشكل خاص على شباب الأقصر، واللذين ذهبوا في السنوات الأخيرة للعمل في الغردقة بعدما قلت السياحة في الأقصر، لكنهم حاليا يعودوا إلى الأقصر لأن ما يحدث في البلد أثر أيضا على وجود سائحين في الغردقة، فلم يوجد سوى "الروس والطليان والأسبان، ولم يوجد مثل زمان ألمان وأنجليز وفرنسيين، أي الدول الميسور حالها، وحاليا كل شباب الأقصر يجلس في بيته، وعندي أقاربي من أولاد عمامي وأخوالي جميعهم حاليا بدون عمل ويغلقون محلاتهم وبزاراتهم بسبب ضرب السياحة". وواصل العرنوسي: "أيضا المرشدين السياحيين ينبهون على السائحين بدفع أجور لنا مثلما يدفع المصري!! فأصبح السائح الذي يتحدث اللغة العربية يطلب من السائق "الربع جنيه الباقي"، فمن أجل أن يستنفع المرشد من الزبون يقول له على الأسعار التي يتعامل بها الشعب المصري في بلده! وهذا لا يجب أن يحدث". أما عن الفترة قبل مذبحة الدير البحري بالأقصر فقال العرنوسي أن هذه الفترة كانت من أفضل سنوات السياحة في مصر؛ فكان السائحين ميسورين الحال وكرماء لدرجة أنهم يفتحون حافظة نقودهم ليأخذ منها المصريين كما يريدوا، ويقولون "أأخذ ما تريد"، ومنذ ذلك الحين وظلت السياحة في الرقود، فالسائح يريد الأمان وما تداول في الإعلام الغربي جعل السائحين يخافون من السياحة في مصر، وهؤلاء لم يأتوها من قبل؛ لأن من أتى منهم إلى الأقصر سابقا يعلم مدى كرم أهلها وأمنه وسلامته على أرضها، "لكن مذبحة الدير البحري كانت كارثة رأيتها بعيني وكان عمري وقتها حوالي ثلاثة عشر عاما، فقد هتكوا أعراض النساء الأجانب والأطفال، ومثلوا بجثثهم، وجردوهم من ملابسهم سواء رجال أو سيدات أو أطفال، وهذه المشاهد من شاهدها في الخارج بالطبع أثرت عليه، وأنا مازلت أتذكر هذه الواقعة التي رأيتها بعيني كعلامة لم أنساها قط، فهم قتلوهم بالبنادق الآلي والسكاكين وكانت مجزرة في عام 1997". وبعد قيام ثورة 25 يناير ساء حال السياحة بشكل كبير جدا كما هو معروف، ولم يوجد عمل، حتى السائحين المصريين كانوا يدفعون إكراميات بدون حساب لأن دخلهم كان كبير، لكن حاليا المصري أصبح يعاني من قلة العمل بعد الثورة، وأنا أعمل على الميكروباص منذ عشر سنوات، والسنوات الحالية هي أسوأ فترات السياحة في الأقصر، "فحاليا قل دخلي أكثر من نصف ما كنت أحصل عليه، وهذا في شهور رواج السياحة، وباقي السنة لم نجد عمل، وكنت أعمل في بازار ومحل في الغردقة الشهور الأخرى من السنة لكنني تركتها لأنه لم يوجد سائحين أيضا هناك، فاضررت إلى شراء ميكروباص أعمل عليه". كما قال المراكبي علي أحمد ل"محيط" أن السياحة الداخلية هي الموجودة حاليا في الأقصر، وهناك أجانب لكن بشكل بسيط جدا، والسياحة المصرية لم توفر ما توفره السياحة الأجنبية، "فحاليا يوجد رحلات للمصريين نعدي بهم من الشرق للغرب والعكس فقط، ولم نخرج رحلات طويلة. أنا أعمل على المركب منذ 13 عاما، ويوميتي حاليا في الموسم السياحي لم تتعدى الأربعين جنيه وأحيانا لم أكسب ولا مليم، لكن سابقا كنت أكسب حوالي 150 جنيه على الأقل في اليوم". أما عن زيارة المعابد والمتاحف فهي في شهور الموسم السياحي الحالي تتلقى السائحين المصريين بشكل كبير، حتى مع حوادث الإرهاب التي تحدث، ففي يوم 26 يناير وبعد التفجيرات التي حدثت قبلها بيوم، نجد أن متاحف الأقصروأسوان كانت مكتظة بالسائحين، مثل معبد "فيلة" في أسوان، والذي تزاحم عليه السائحين، ولكن حضور السائح الأجنبي كان أقل بكثير، وما ساعد على زيادة السائح المصري في هذا الموسم هو مبادرة وزارة السياحة في تنظيم رحلات داخلية مدعمة عن طريق هيئة تنشيط السياحة، لدرجة حدوث أزمة في تذاكر قطارات الصعيد بجميع درجاتها وتنشيط حركة أتوبيسات الوجة القبلي والسوبر جيت والطيران الداخلي من القاهرة إلى الأقصروأسوان والعكس.