أحسب أن ما من مصري يتابع العملية الاجرامية التي وقعت في باريس الا وتخطر له أحوالنا وما نلاقيه.. فان كانت عملية ارهابية وقعت ولها كل هذا المذاق المرير علي الجموع لديهم فما البال وشعب مثلنا يتجرع من هذا الارهاب الاجرامي ما يزيد الآن علي عام! ليس هذا بتشف حاشا.. بل هو العجب من أحوال الدنيا التي تجعل من قادة سياسيين وحكام لشعوب يفتقدون الشعور بما تؤدي به سياساتهم علي الآخرين فلا يتنبهون الا عندما تطالهم في ديارهم ويذوقون! فليقطب الرئيس الفرنسي جبينه كما شاء وليعلن عن حزنه او غضبه أو فجيعته، انما لن يخفي هذا ولن يزيل عنه ولا عن سلفه ساركوزي مسؤوليتهما في دعمهما المباشر للارهاب متمثلا في تنظيم القاعدة وداعش وغيرها.. هم والساسة الامريكيون سخروا الارهاب لتنفيذ مآربهم، طالما بعيدا عن ديارهم فلا ضير... اما الآن عندما دقت صفارات الانذار فالموقف لابد واختلف، ومن يربي الوحش عليه أن ينتظر يوم يتحول اليه لينهشه! ما حدث بباريس عملية ارهابية بكل المقاييس انما لا دخل لها بالدين ولا يوصف من يقومون بمثلها غير أنهم ارهابيون فقط، لأن الارهاب لا دين له ولا عنصر أو جنسية، وجاهل من يقول انه ارهاب − اسلامي − لأنه بجهله ينفذ ما يريده الارهابيون! ويكفي لعلم من يقول مثل ذلك أن ضحايا الارهاب غالبا هم من المسلمين.. وشعوبنا هي الاشد والاكثر استهدافا لهذا اللون من ارهاب متخف تحت أستار الدين.. وليخجل من نفسه من يبقي ليسمي مثل هذا الاجرام بأنه ارهاب اسلامي! بعضا من عناصر وأحزاب من المغرقة في اليمينية بأوروبا حتي أصبحت تقترب من الفاشية العنصرية نجدها تتحرك في الاسابيع الاخيرة بما يكاد يماثل بنحو أو آخر ما سبق وانتشر في ثلاثينيات القرن الماضي وعرف بمعاداة السامية.. كانوا في الماضي يصورون اليهود كعنصر أدني، فكانت المقدمة لما وقع بعد ذلك من أحداث عرفت بالهولوكوست ! ومواقع التواصل الاجتماعي في فرنسا بدأت تنذر باحتمال وقوع ما يأمل فيه هؤلاء ومعهم من الجانب الآخر الارهابيون! فما الذي يستهدفه الارهاب غير ذلك من مثل تلك العمليات؟ انهم يستهدفون اثارة العداء والفرقة ونشر الكراهية وتبادل العنف ونوازع الانتقام. ! هذا التيار السياسي المخادع الذي يعمل تحت شعارات الدين له مآرب أخري نحسب انها ما عادت تخفي علي احد الا لو كان ذا غرض... تلك العملية الباريسية تبدو محسوبة العواقب، لم تتم بتلقائية ولا علي عجالة وانفعال ولا بعشوائية، انما تمت بمتابعة ودقة حتي أنها استهدفت ذلك اليوم الوحيد في الأسبوع الذي يلتئم فيه مجلس التحرير بأكمله ! واضح أنها استهدفت اثارة الغضب العارم من الشعب الفرنسي ضد المسلمين وعددهم في فرنسا وحدها لا يقل عن 5 ملايين... هنا لابد ونتحسب ما قد يتلو من ردود أفعال سياسية المنشأ في عدة دول أوروبية قد تؤدي الي ما يصعب احتواؤه، وقد يثير أمورا لن يستفيد منها غير المتطرفين من طل الاطراف! نعلم أن حرية التعبير في أوروبا وتتراوح ما بين بلاد واخري، ومعظم الديموقراطيات الغربية لها قوانينها التي تمنع التعرض بالخطاب أو النشر لبعض الأمور ذات الحساسية الخاصة، انما نعلم أيضا أن للمسلمين والعرب أعداء مزمنين ويتحينون كل فرصة للنيل منهم جملة بل منهم من يريدون للسياسة الرسمية وللاعلام الأوروبي أن يقعوا تحت تأثير رؤيتهم اليمينية المتطرفة، ويعتبرون كل مسلم هو ارهابي محتمل، أو يكمن بداخله ارهابي منتظر... لذا نريد للعالم المتحضر بغربه وشرقه أن يتعاون بجدية ضد الأعداء المشتركين ! فما يحدث وما نستشعر الاتجاه اليه يدل علي أن أغراضا سياسية يمينية تستعد لاستثمار ما حدث سياسيا، لتصل علي متنها الي الحكم ! ذلك التيار اليميني العنصري المعادي لما هو أجنبي، نشط في الأسابيع الأخيرة بنحو يكاد يفسح المجال ويعد المستقبل أمام اثارة وقيعة كبري بين المسلمين عامة والغرب! وهذا ما نريد ان نحذر من وقوعه ! علينا أن نحدد ما هو الارهاب ومن هو الارهابي ولا نعمم ولا نجمع حتي لا نقع جميعنا في الفخاخ المنصوبة، سواء من المتعصبين الارهابيين أو من العنصريين في أحزاب اليمين المتطرف. حدث منذ نحو ثلاث سنوات طقت في رأس شاب متطرف من أبناء النرويج ان يطلق النار عشوائيا علي بضع عشرات من شباب كانوا يقضون إجازة قرب العاصمة أوسلو فقتل عشرات معلنا انه يريد ان يحمي النرويج من عواقب الأسلمة !! رد الفعل جاء بحق يليق بالبلاد التي وضعت الي رأس قائمة دول الرفاهية والرقي! هنا لابد ألا يفوتني أن أذكر بكثير من الاحترام موقف ذلك السياسي الامريكي هوارد دين، الذي كان مرشحا عن الحزب الديموقراطي الأمريكي في انتخابات الرئاسة لعام 2004 وقبلها حاكما لولاية فيرمونت لما يزيد علي عشر سنوات، هذا السياسي والطبيب أعلن منذ ساعات رأيه المدوي عن عملية باريس، ورماه بشجاعة في وجه كل من يريد استغلال تلك العملية الارهابية لينال بها من الاسلام أو من سائر المسلمين.. هوارد دين مخاطبا الغرب في جموعه سواء في أمريكا أو في اوروبا قال بأوضح العبارات : ∩ لا تقولوا بعد الآن ارهاب اسلامي.. فما هؤلاء الارهابيون مسلمون بأكثر مني، ولقد توقفت عن وصفهم بالمسلمين بعدما ادركت ان لا احترام لدين عندهم ولا لحياة، فانها مشكلة مزمنة ولها في اوروبا أبعاد خطيرة فما يسمون أنفسهم بالدولة الاسلامية ليسوا غير ذوي ∩عقيدة∪ تخصهم لا علاقة بأفعالهم والاسلام : A cult. Not an Islamic Cult… هذا ما قاله د. هوارد دين بالنص في وجوه ذوي الغرض من السياسيين! لن نعدم محاولات تعميق لنوازع العنصرية واثارة الشعوب ضد المهاجرين عامة، فهذه العملية من بدايتها لا علاقة لها بحرية تعبير انما علاقتها تسهدف أجندة سياسية واضحة المعالم وتتوفق واغراض طرفين متناقضين: الارهابيين من ناحية والجماعات العنصرية اليمينية المتطرفة من الناحية الاخري! لا يفوتني هنا أن أبدي الاعجاب بلون التضامن الرفيع والحزن النبيل الذي عبرت عنه جموع الفرنسيين ممن شاهدناهم علي شاشات الفضائيات، لون متحضر من رد فعل رفيع.. حتي كتابة هذه السطور! نقلا عن " اخبار اليوم " المصرية