حتى يتسنى لك الوقوف على السر وراء طول العمر فربما يتعين عليك أن تدرس حياة الحوت المقوس الرأس وهو الحيوان المعمر المهيب الذي يقطن مياه القطب الشمالي ويمتد به العمر الى 200 عام. أزاح العلماء الستار عن الخريطة الجينية (الجينوم) للحوت المقوس الرأس التي تحفل بالأسرار الكامنة وراء طول العمر الاستثنائي لهذا المخلوق ومقاومته المشهودة للأمراض، حسبما نشرت وكالة الأنباء "رويترز". وعندما أجرى العلماء مقارنة بجينوم هذا الحوت والثدييات الأخرى وجدوا اختلافات في جينات هذا الكائن تتعلق بطريقة إصلاح الحمض النووي (دي إن إيه) ودورة حياة خلاياه ومقاومته للأورام، وهي العوامل التي قد تفسر لغز طول عمره وحيويته. وقال خواو بيدرو دي ماجالايس أستاذ الوراثة بجامعة "ليفربول" الذي أشرف على هذه الدراسة التي أوردتها دورية (سيل ريبورتس) العلمية الخاصة بأبحاث علوم الخلية، "إنه أضخم حيوان جرى بحث تسلسل الجينوم الخاص به ليصبح بذلك أول حوت يخضع تسلسله الجيني للدراسة". وأضاف ماجالايس: "نأمل أن نتعرف من خلال تحديد الآليات المبتكرة لتجديد الخلايا وصيانتها على لغز طول عمره ونضارة صحته وربما أمكن لنا تطبيق هذه المعرفة لتحسين صحة البشر وحماية حياة الإنسان". والحوت المقوس الرأس -الذي يتميز بطول العمر عن أي ثدييات أخرى- من بين أضخم المخلوقات على وجه الأرض إذ يصل طوله إلى 18 متراً، وهو ثاني أثقل حوت بعد الحوت الأزرق، ويغلب اللون الأسود على لونه، فيما يكون الجزء الأمامي من فكه الأسفل المقوس أبيض. ويتغذى الحوت المقوس الرأس بطريقة ترشيح الماء ويقتات بأسلوب تصفية العوالق الحيوانية. وقال مادس بيتر هايدي يورجنسن أستاذ الأحياء بمعهد "جرينلاند" للموارد الطبيعية وبجامعة "كوبنهاجن"، "يتراوح وزن الحوت المقوس الرأس بين 50 و100 طن في طوره اليافع وربما يزيد عدد خلاياه عن البشر بواقع ألف مرة، إلا أنه يتميز بطبيعته المضادة للأورام على مستوى الخلية وهو نموذج أكثر كفاءة بكثير عما يوجد لدى الإنسان". وأوضح العلماء أن فك شفرة جينوم هذا الحوت ربما تفسر التكيفات الفسيولوجية المتعلقة بالحجم. وقال ماجالايس إن خلايا الحوت أقل فيما يختص بمعدلات التمثيل الغذائي عن الثدييات الأصغر حجماً. وأكد أن دراسة الجينوم رصدت تغيرات في جين معين يتحكم في درجة حرارة الجسم، وهو ما قد يتعلق بالاختلافات الخاصة بالتمثيل الغذائي في خلايا الحوت. والجينوم الخاص بهذا الحوت أصغر قليلاً من جينوم الإنسان وجينوم الثدييات المعروفة الأخرى. وأضاف ماجالايس: "عموما فإن الأنواع الأكثر تعقيداً تميل إلى أن تكون ذات جينوم أكبر وجينات أكثر، لكنني لا أعتقد أنه فيما يتعلق بالثدييات هناك ثمة علاقة تربط بين حجم الجسم وحجم الجينوم".