تحتفي مدينة سيدي بوزيدالتونسية بالذكرى الرابعة لاندلاع الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي وأشعلت فتيل الربيع العربي في المنطقة لكن ليس بنفس الشعلة والتوهج. ومع أن المدينة بدأت تستقطب اليوم العديد من السياسيين ونواب البرلمان ونقابيين ومنظمات من المجتمع المدني في ساحة محمد البوعزيزي مفجر الثورة بوسط المدينة إلا أن وهج الثورة فقد الكثير من بريقه مقارنة بالفترة الأولى التي أعقبت الاطاحة بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 كانون ثان/يناير 2011. وقال الناشط مهدي الحرشاني من سيدي بوزيد ضمن لجنة حماية الثورة التي ظهرت بعد سقوط نظام بن علي لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) "تراجع الشعلة هو أمر طبيعي لأن الانتظارات هنا كانت كبيرة. لم يتحقق الا نسبة قليلة منها". وحتى اليوم يدين أهالي سيدي بوزيد وكافة المنتفضين في ربوع تونس الى بائع الخضار المتجول محمد البوعزيزي عندما أحرق نفسه في مثل هذا اليوم قبل أربع سنوات احتجاجا على مضايقات الشرطة وشكلت وفاته لاحقا بداية العد العكسي لانهيار نظام قمعي استمر لنحو ربع قرن في الحكم. ولم يكن في وارد أحد آنذاك أن تسري عدوى الاحتجاجات مثل النار في الهشيم في كامل البلاد لتنتقل الى معقل النظام في العاصمة وتدفع الرئيس السابق الى مغادرة التراب التونسي وسط ملابسات لم يكشف عنها بدقة حتى اليوم. ولكن على الرغم من ذلك الحدث الفارق الذي أحدث زلزالا في المنطقة العربية فإنه وبخلاف النصب التذكاري للبوعزيزي الذي تم تشيده وسط المدينة فإن سيدي بوزيد تفتقد فعليا إلى أي مظاهر توحي بتغيير في البنية التحتية أو في ظروف معيشة الناس مع ان شهرتها أطبقت الآذان. ولا تزال المنظمات الفاعلة في المدينة تنتظر مثلا تفعيل قرار حكومي بإحداث متحف للثورة يفترض أن يتحول إلى مزار سياحي عالمي. ويردد السكان المنتفضون في المدينة ان الاستحقاقات التي قامت عليها الثورة لا تزال معلقة، وهو أمر يفسر حالة التوتر والاحتجاجات العمالية والاجتماعية المتواترة في المدينة على مر الحكومات المتعاقبة منذ 2011. وأوضح الحرشاني "قامت الثورة أساسا من أجل البطالة وتحسين ظروف العيش. لكن الأوضاع في أغلبها لم تتغير خاصة في المناطق الداخلية المهمشة". وتحتفظ سيدي بوزيد بأحد أكبر معدلات البطالة المتفشية خصوصا في المناطق الغربية من البلاد وفي الجنوب حيث يمكن أن ترتفع إلى ما بين 30 و40 بالمئة مقابل قرابة 16 بالمئة على المستوى الوطني. ويتزامن الاحتفال بالذكرى الرابعة لانطلاق شعلة الثورة هذا العام مع الرمق الأخير من مسار الانتقال الديمقراطي الذي شهد صياغة دستور جديد للبلاد وتنظيم انتخابات برلمانية ديمقراطية ونزيهة في انتظار تتويج كامل المسار بتنظيم الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية يوم الأحد المقبل. وتتضح المفارقة الكبرى عبر الانتخابات أن جزءا كبيرا من حزب حركة نداء تونس الفائز في الانتخابات التشريعية ويستعد لتشكيل الحكومة الجديدة لتولي مقاليد الحكم طيلة الخمس سنوات المقبلة، منتسب في الأصل الى النظام القديم لحكم بن علي. وليس هذا الأمر وحده ما يدعو الى التحفظ في سيدي بوزيد وعدد آخر من الولايات في تونس من عودة المشهد القديم، فالتوقعات أصلا لا تبدو متفائلة في سيدي بوزيد على المدى القريب لأن حجم الإصلاحات والانتظارات ليس هينا. وكانت الحكومة المؤقتة الحالية كشفت في وقت سابق عن أن الوضع الاقتصادي في تونس سيحتاج إلى نحو ثلاث سنوات من الإصلاحات المؤملة قد تطال مراجعة الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية واصلاح الضرائب وتجميد الزيادات في الأجور والانتداب في القطاع العام. ويقول حزب حركة نداء تونس بمعية أحزاب أخرى قريبة منه إنه سيعمل أولا على فك العزلة عن الجهات الداخلية المهمشة وسيدفع بشكل عاجل لتركيز برامج تنموية في المناطق الحدودية والانطلاق في تهذيب نحو 575 الف مسكن يقطنها قرابة 5ر2 مليون ساكن في الأحياء الشعبية وتحسين ظروف العيش والحد من التلوث البيئي. لكن مثل هذه الاجراءات لن تحدث بين عشية وضحاها، إذ أكد رئيس الحزب المرشح للانتخابات الرئاسية الباجي قايد السبسي أن التغيير سيحدث بشكل تدريجي. وحتى تلك اللحظة لا يتوقع تحديدا ما قد يحصل في سيدي بوزيد أو أي منطقة أخرى في تونس.