تعيش الساحة التشكيلية حالة من الحزن على فنانيها اللذين يرحلوا واحد تلو الآخر في الفترة الأخيرة، آخرهم فنان الكاريكاتير الكبير أحمد طوغان رئيس الجمعية المصرية للكاريكاتير والذي رحل يوم الأربعاء الماضي. وفي بعض الشهادات التي قالها عنه بعض النقاد والفنانين التشكيليين، قال الناقد والفنان د. مصطفى يحيى الأستاذ بمعهد النقد الفني بأكادمية الفنون ل"محيط": "يعتبر طوغان من الرعيل الثاني للفنانين التشكيليين وإن كان اتخذ اتجاه الصحافة أو الكاريكاتير ولكن له بعض الأعمال القليلة التي تؤصل للعادات والتقاليد المصرية القديمة مثل دقة الزار والسبوع والاحتفالات الشعبية كأعمال تعتبر رصد تبعد عن الكاريكاتير، ولكنها كانت تحمل الحس الساخر الموجود في أعماله في المبالغة والاستطالة واللامنطق، ولكن بعد ذلك اتجه إلى الصحافة والأعمال الفنية الصحفية "الكاريكاتير"، ويعتبر طوغان علامة هامة في الحركة التشكيلية المصرية، شأنه شأن الفنان حسين بيكار وغيرهم، ومحمود سعيد ومحمد ناجي، ولكنه أخذ حظا قليلا من هؤلاء، لبعده عن التكتلات أو الشلالية والتجمعات، وهو كان من الفنانين المؤثرين في الحركة التشكيلية، وينتمي مثل أغلب الجيل القديم لأصول غير مصرية لكنه تمصر هو وعائلته وعاش في مصر". كما قال الناقد صلاح بيصار ل"محيط" أن طوغان يعتبر من أعمدة الكاريكاتير السياسي في مصر، وأنه اللمسة الأخيرة العميقة في هذا الجيل، فهو رحل عن عمر يناهز ال88 عاما، ولو قلنا أن مدرسة الكاريكاتير المصرية بدأت بثلاثة أجانب هم سانتوس الأسباني، ورفقي التركي، وصاروخان الأرميني الذي استطاع أن يجسد وجه مصر من خلال الكاريكاتير وأن يستوعب الشخصية المصرية، ويمصر الكاريكاتير، وكان عبدالمنعم راخة هو العلامة الأولى في الكاريكاتير المصري بعد الجانب الأجنبي، ثم عبدالسميع وزهدي وطوغان واللذين أصبحوا العلامة الثانية؛ حيث مارسوا الكاريكاتير السياسي وكان لهم بصمة كبيرة وفتحوا الطريق للمدرسة المصرية الحديثة للكاريكاتير بدءاً بجاهين وحجازي وجورج البهجوري وبهجت إلى أحدث الأجيال. الفنان طوغان كان مهموما بالقضايا السياسية في الوطن والعالم العربي، وكان له رحلات كثيرة منها لليمن والجزائر، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب منها عن الجزائر والتي كان له دورا في تحريرها، وقام أيضا بعمل كتيبات لحرب اليمن لتوعية الجنود كما فعلت الولاياتالمتحدة لتوعية الإنجليز". واصل بيصار: "بالإضافة إلى الجانب الثالث عند طوغان وهو المعارض الخاصة؛ حيث أقام معرضه الأخير "حكايات من زمن فات" في قاعة "بيكاسو"، عارضا نحو ستين لوحة، عبارة عن لوحات تعبيرية بالكاريكاتير بدون كلام، وهم آخر ما رأيناه لطوغان في شهر سبتمبر الماضي؛ حيث عاد بهذه اللوحات للأربيعينيات من القرن الماضي، وقدم صور كثيرة مدهشة عن هذه الفترة، منها عودته للعمدة الذي يمتطي حماره وأمامه ابنه، وفي الخلف شيخ البلد يحرصه، والهانم تجلس على كرسي نحاسي وقارئة الفنجان تجلس على الأرض لتقرأ لها الفنجان، وحولها مجموعة من العناصر كلمبة الكيروسين، والأشخاص ذات الشوارب، صندوق العروسة، "التسريحة"، القادمون من الريف لزيارة المدينة، ساعي البريد الذي يخبر الأسرة بخبر سعيد، القطار في الأربعينيات؛ حيث حاول طوغان تعريف الجيل الجديد معنى الفن والزمن الذي كان يحبه، كما نحب جميعنا الماضي". وأكمل: "رحلته مع الصحافة بدأت في مجموعة مجلات منها "روزليوسف" ومؤسسة "الأخبار" التي عمل بها لفترة، كما كان مؤسسا لصحيفة "الجمهورية" عام 1953، وظل بها حتى اصبح مستشارا فنيا لها، تلك الجريدة التي صدرت بمبادرة من الرئيس الراحل أنور السادات، الذي كان على علاقة شخصية به قبل أن يكون رئيسا، وكان يجلس معه على مقهى "عبدالله"، حيث كان وقتها صديقا حميما للكاتب محمود السعدني، الذي اكتشفه من رسوم الحوائط ورشحه لعبد المنعم راخة، وبدأ يشق تاريخه في الكاريكاتير، وكان يجلس على المقهى معهم زكريا الحجاوي، ومن هنا انصهرت علاقته بالسادات. تربع على عرش جوائز الدولة، فهو حصل على جائزة "النيل" عام 2014 عام رحيله، وهي أكبر جوائز الدولة والتي حصل عليها مصطفى حسين عام 2010، وتعتبر تتويج لشخصية طوغان وللرسم الصحفي الخاص والكارياتير. كلنا نحيي هذا الفنان ونقول أنه آخر الجيل العظيم، ولنا عزاء كبير في الجيل الحالي الذي يقود مدرسة الكاريكاتير الحديثة، وسوف يبقى طوغان بطول الزمن شاهدا على عمق الكاريكاتير المصري وتأثيره بالسياسي، فقد ظلت لمسته لأكثر من 65 عاما". وقال فنان الكاريكاتير أحمد عبدالنعيم مؤرخ فن الكاريكاتير في مصر، والرسام بمؤسسة "أخبار اليوم"، في شهادته ل"محيط": "ولد طوغان عام 1926، وبدأ الكاريكاتير مبكرا عام 1946، وهو أحد الجيل الذي عمل على تمصير فن الكاريكاتير الذي بدأ في مصر على يد فنانين أجانب. عمل في أكثر من مكان حتى استقر في جريدة "الجمهورية" التي كان يهدف الرئيس الراحل السادات لإنشاء جريدة بعد ثورة يوليو، وكان طوغان ضمن من أسسوها مع بيرم التونسي، ومحمود السعدني وانضم لهم مجموعة من الشباب كصلاح شاهين واللذين كانوا يجلسون على مقهى "عبدالله". دوره مهم ليس كرسام كاريكاتير فقط، لكنه شارك في حرب الجزائر وحرب اليمن، فهو رسام الكاريكاتير في العالم كله، شارك في حروب الشعوب العربية التي رغبت في التحرر، وكان يشارك بشكل إيجابي ليس بنقل حدث في المعارك لكن بحمله السلاح وسفره للحرب في اليمن والجزائر؛ حيث حصل على رتبة عقيد وهو في اليمن، وعاد إلى مصر بفكرة الدفاع عن الحريات وكانت فكرة أساسية عنده كرسام وكاتب، وله كتاب مهم عن الدكتاتورية، وغيره عن قضايا الشعوب، لخص فيه فكرة البحث عن الحريات التي يطلبها الشعوب من الدكتوريات والذي كتب مقدمته السادات، كما كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يعلق على رسوم طوغان في مجلس قيادة الثورة. وظل طوغان يرسم حتى أصبح رئيسا لجمعية الكاريكاتير المصري خلفا لمصطفى حسين منذ عام 2011. استمر طوغان في أداء دوره وقام بعمل مجموعة من الكتب الكاريكاتيرية، وجسد كتاب منهم برسوم طوغان القضية الفلسطينية منذ بدايتها وحتى يومنا هذا. كما كان لديه مشروع مجلة تجمع رسامي الكاريكاتير فتولى مع مصطفى حسين إصدار مجلة كاريكاتير، ولأول مرة يتولى رئيس تحرير مجلة اثنين من أهم رسامي الكاريكاتير في مصر، وتركها طوغان لحسين واهتم بتاريخ الكاريكاتير المصري بالرسوم، وقام بعمل 7 كتب أهمهم قضايا الشعوب، والقضية الفلسطينية، صدر بعضهم عن الهيئة العامة للكتاب والبعض الآخر عن مشروع مكتبة الأسرة. وفي آخر خمس سنوات بحياته بدأ الرسم بشكل أسبوعي وليس يومي فاهتم باللوحة، وركز على رسم لوحات سماها "مصر في الأربعينات" نقل خلالها المظاهر المصرية الشعبية الموجودة في فترة الأربعينيات، مستخدما الألوان المائية والمساحات التشكيلية بالأبيض والأسود الذي كان استاذا فيه. وأقام طوغان مجموعة من المعارض في دار الأوبرا وأتيلية القاهرة وقاعة أرت كونر وبيكاسو، وسافر ألمانيا وفرنسا وأبو ظبي في قاعة آرت جاليري، وعاد إلى مصر ليركز على كتابة سيرة حياته كتابتا وليست رسما، وانتهى منها واختار اسم "فنان صنعته الآلام" لها، وهو الاسم الذي اختاره له السادات عندما كتب مقدمة أحد كتبه، وقد خرج هذا الكتاب للنور قبل وفاته؛ حيث صدر عن الدار المصرية اللبنانية في 425 صفحة من القطع الكبير، والذي يؤرخ فيه تاريخ حياته من ميلاده في المنيا علم 1926 وحتى وفاته. أما إبراهيم عبدالرحمن صاحب جاليري "بيكاسو" والذي استضاف آخر معارض طوغان، فقال ل"محيط": "طوغان فنان من فناني الكاريكاتير القلائل الذي مارس هذا الفن في الصحف بالإضافة إلى إبداعاته الخاصة التي تناولها في المعارض، ففي معرضه الأخير قدم معرض توثيقي لأشياء انقردت من مصر، على رأسهم الكتاب، والبنت الصغيرة في الأرياف ذات سن ال16 التي ترتدي حذاءا كبيرا وتقدم الشاي لخطيبها، ومن يتلصصون وينظرون من وراء الباب، هناك لوحة "المحمل" ذات الإبداع الجميل، لوحة العمدة بعد عودته من الحج، شيخ الغفر الذي يسير بهيبه والجميع من حوله في سكينه واطمئنان حتى الكلب يجلس بجانبه نائما. كان معرضا جميلا وفريد من نوعه كل من رآه أشاد به. شخصية طوغان اعتبره قاموس متنقل، يحكي عن أحداث من فترات طويلة، كرحلته لليمن، عندما ارسلوه إلى هناك لتسجيل الأحداث حارب معهم حين رآهم يواجهون الاستعمار مرتديا مثلهم، كان يأكل معهم من الجبل، فهو شخصية لم يكن مترفه يأتي له الحدث من أبسط الأبواب، لكنه يعيش الحدث، وفعل ذلك في اليمن والجزائر. لم أنسى له في أيامه الأخيره عندما قمت بزيارته وكان على سريره وقال لي: "أنا نفسي أعملك حاجة تستحقها، أنت ساعدتني بهذا المعرض وأعدتني للحياة مرة أخرة"، فشخصية طوغان ترجعني للزمن الجميل الذي أستطيع أن أقول أنه مثل بيكار وتحية حليم من الفنانين القلائل الذي عاشرناهم، رغم قلة عشرتي به إلا أنني بكيت بعد وفاته لأنه أثر في كثيرا من أخلاقه وكرمه. سنتذكره بكل خير.