عرفت تونس منذ استقلالها عن فرنسا في 20 من مارس/آذار 1956 إلى حد الآن وصول 5 رؤساء إلى سدة الحكم منهم من دام حكمهم عقودا على غرار الحبيب بورقيبة الذي حكم البلاد ل30 عاما وزين العابدين بن علي الذي استمر على رأس الدولة 23 سنة ومنهم من حكم ليوم واحد فقط. وبعد زهاء 50 سنة من حكم الحزب الواحد (الحزب الحر الدستوري الذي تحول إلى الحزب الاشتراكي الدستوري في الستينات ثم إلى التجمع الدستوري الديمقراطي في عهد بن علي) سجلت تونس مفارقة لم تعرفها في تاريخ رؤسائها. ففي ظرف لم يتجاوز 3 سنوات منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي سنة 2011 تقلد 3 رؤساء مقاليد الحكم. فبعد الإطاحة ببن علي في 14 يناير/كانون ثاني 2011، تولى رسميا الوزير الأول حينها محمد الغنوشي الحكم بشكل مؤقت لأقصر فترة لم تتجاوز 24 ساعة يومي 14 و15 يناير/ كانون الثاني 2011، ليتقلد بعده رئيس مجلس النواب في عهد بن علي، فواد المبزع، منصب رئاسة الجمهورية لمدة تقارب السنة. بعدها يتم انتخاب الحقوقي ورئيس حزب المؤتمر من اجل الجمهورية حينها محمد المنصف المرزوقي من قبل المجلس التأسيسي رئيسا لتونس يوم 13 ديسمبر كانون الأول 2011. ووصل الرئيس الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة إلى الحكم إبان حصول تونس على استقلالها من الاستعمار الفرنسي، فقد اُنتخب رئيسا للجمهورية التونسية من قبل المجلس القومي التأسيسي في 25 يوليو/تموز 1957 بعد إعلان الجمهورية وإلغاء النظام الملكي. وشرع الرئيس بورقيبة عندها في القيام بإصلاحات داخل في المجتمع التونسي، لعل أبرزها تعميم التعليم والصحّة وإصدار مجلّة الأحوال الشخصية يوم 13 أوت/أغسطس 1956 لمنح مزيد من الحقوق للمرأة. وكان بورقيبة شاهدا على جلاء آخر جندي فرنسي من الأراضي التونسية في 15 م أكتوبر/تشرين الأول 1963 إثر حرب بنزرت (شمال العاصمة) والتي سقط فيها عدد هام من الشهداء. وشهدت فترة حكم الحبيب بورقيبة عديد التجارب الاقتصادية كالتجربة "التعاضدية" (الاشتراكية) في ستينيات القرن الماضي والتجربة الليبرالية في السبعينات. كما عرفت فترة حكمه في الوقت ذاته هزّات مختلفة كمحاولة الانقلاب عليه سنة 1962 بقيادة الأزهر الشرايطي وجماعته والصدام مع الاتحاد العام التونسي للشغل في 26 يناير/كانون الثاني 1978 و"ثورة الخبز" في يناير/كانون الثاني 1984. واتسمت فترة الحكم البورقيبي بالحكم الاحادي ورفض التعدّديّة السياسية حتى أنه أصبح رئيسا مدى الحياة في 1975. وفي 7 نوفمبر 1987، واثر قرابة السنة من المواجهات مع حركة الاتجاه الإسلامي تمت الإطاحة بالرئيس بورقيببة من قبل وزيره الأول الجنرال السابق زين العابدين بن علي. بشّر بن علي يوم توليه السلطة بمزيد الحريات والديمقراطية ولكنه بدأ حملة في 1991 على أبرز قوة معارضة وهي حركة النهضة ‘(الاتجاه الإسلامي سابقا) سرعان مع شملت بعد مدة معارضين آخرين له يساريين ونقابيين وحقوقيين كان من بينهم الرئيس الحالي محمد المنصف المرزوقي. وانتخب بن علي لخمس ولايات متتالية في1989 و1994 1999 و2004 و2009 وكانت كلها انتخابات تفتقد لشروط الديمقراطية والنزاهة، كما اجمعت شهادات جهات حقوقية داخلية وخارجية. ووصل حكم بن علي إلى التآكل مه نهاية عام 2010، ومثلت حادثة إضرام الشاب وبائع الخضار المتنقل محمد البوعزيزي النار في جسده في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2010 في محافظة سيدي بوزيد (وسط غرب) القطرة التي أفاضت الكأس والتي أحدثت هبة شعبية في مختلف المحافظات انتهت بتجمهر شعبي ضخم في العاصمة تونس حيث هتف الجميع بضرورة رحيل النظام والرئيس آنذاك والحزب الذي يمثله التجمع الدستوري. وأحدث فرار زين العابدين بن علي في 14 جنفي/كانون الثاني 2011 إلى السعودية فراغا في منصب الرئاسة ما أدى بالوزير الأول محمد الغنوشي آنذاك إلى تولي هذه المهمة لمدة 24 ساعة وذلك استناداً على الفصل 56 من الدستور التونسي والذي ينص على أن لرئيس الدولة أن يفوض الوزير الأول في حال عدم تمكنه من القيام بمهامه وقتيا، ويبقى في هذه الحالة محتفظا بمنصبه. غير أن المجلس الدستوري أعلن إنه بعد الإطلاع على الوثائق، لم يكن هناك تفويض رسمي واضح يمكن الارتكاز عليه بتفويض الوزير الأول كما أن الرئيس لم يستقل رسميا، وبما أن مغادرته حصلت في ظروف معروفة وبعد إعلان الطوارئ وبما أنه لا يستطيع القيام بما تفرضه مهامه ما يعني الوصول لحالة العجز النهائي فعليه قرر اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس وبناءً على ذلك أعلن في يوم السبت 15 جانفي/كانون الثاني 2011 عن تولي رئيس مجلس النواب حينها محمد فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت، كما يقضي الدستور. وأواخر 2011، انتخب الطبيب والحقوقي ورئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في ذاك الوقت محمد المنصف المرزوقي رئيسا لتونس من قبل نواب المجلس التأسيسي ب153 صوتا من مجموع 217 نائبا. وخلال تقلده هذا المنصب، اختارته مجلة التايم الأمريكية من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم كما اختارته المجلة الأمريكية فورين بوليسي من بين أفضل 100 مفكر عالمي لسنتي 2012 و2013 وجاء في المرتبة الثانية في كل منهما. وفي أواخر نوفمبر 2013 أصدرت رئاسة الجمهوية كتابا بعنوان «منظومة الدعاية تحت حكم ابن علي- الكتاب الأسود» يفتح فيه أرشيف الإعلام والإعلاميين الذي تعاملوا مع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من التونسيين والأجانب و شهد الكتاب ردود أفعال متباينة دى الرأي العام التونسي. وقد اعترف الرئيس الحالي المنصف المرزوقي في تصريحات إعلامية سابقة بارتكابه أخطاء خلال فترة حكمه أولاها تعيينه لمستشارين لم يكونوا في المستوى وثانيها ثقته في سياسيين لا يستحقون الثقة فضلا عن عدم تقديره عند توليه الرئاسة حجم الصعوبات التي تعانيها البلاد. وتستعد تونس هذه الأيام لأول انتخابات رئاسية ديمقراطية تجري بالاقتراع العام المباشر في تاريخها في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 يشارك فيها 27 مترشحا إبرزهم المرزوقي والباجي القايد السبسي، زعيم حزب نداء تونس الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة. وتستمر الحملات الانتخابية التي بدأت غرة نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي إلى حدود 21 من الشهر نفسه على أن يكون اليوم التالي مخصصا للصمت الانتخابي. وسيكون الاقتراع خارج تونس أيام 21 و22 و23 نوفمبر/تشرين الثاني.