لا شك أن مصر باتت مطالبة بالسعي نحو تقليص اعتمادها علي حلفائها في الخليج والبحث عن بدائل لجذب استثمارات ضخمة من شأنها أن تدفع عملية النمو الاقتصادي نحو توفير فرص عمل والحد من تفاقم البطالة، وذلك بعد تحذيرات أطلقها صندوق النقد الدولي أكد فيها أن استمرار انخفاض أسعار النفط علي المدي المتوسط سيلحق أضراراً بالغة باقتصاديات بلدان مجلس التعاون الخليجي وعلي رأسها السعودية والإمارات والكويت، بشكل يجعل من توسع تلك البلدان في تقديم مساعداتها التي تجاوزت 22 مليار دولار إلي مصر عقب 30 يونيو 2013 وحتى الأن، أمر شبه مستحيل مستقبلاً في ضوء ضرورة مراجعة تلك البلدان لتدابير انفاقها الموجهة للقطاع الاستثماري بالداخل والخارج، ما قد يؤثر سلباً علي تقليص ما تتوقعه مصر وتأمله وتعول عليه من استثمارات عربية في مؤتمرها الاقتصادي المرتقب، وهو ما يفسر إحجام دول خليجية عن ضمان السندات الدولارية المصرية المرتقب طرحها، لمخاوف تلك الدول من استمرار اعتماد مصر على المساعدات الخليجية وفقاً لمسئول بوزارة المالية. ومن المؤكد أن تراجع الأسعار إلي 75 دولاراً للبرميل لفترة طويلة ليس من شأنه تراجع في الفائض المالي لبلدان المجلس ككل من 275 مليار دولار إلي 100 مليار دولار فحسب، بل يتعداه إلي أن تقع دول كالسعودية – أكبر مصدر للنفط – فريسة عجز الموازنة الذي سيصل بها إلي 7.5% بحلول 2019 بعد تراجع الفائض المالي إلي 2.5% العام الجاري نظراً لثبات حجم الانفاق علي الأجور والرواتب ونمو النفقات بشكل حاد وتراجع ايرادات الصادرات النفطية وتقلص الطلب علي المنتجات البتروكيميائية، اضافة إلي انخفاض متوقع بالودائع الحكومية لدي مؤسسة النقد العربي السعودي "البنك المركزي السعودي" بنسبة 55% تقريباً بين عامي 2013 و2019، وستكفي في عام 2019 لتغطية 6.5 أشهر من الإنفاق مع انخفاض بالاحتياطيات المالية الوقائية. وعليه فإن المملكة مطالبة وفقاً لتوصيات مشاورات المادة الرابعة من صندوق النقد بسرعة ضبط أوضاع المالية العامة وتقليص المصروفات ومراجعة أوجه الإنفاق، من خلال مسح للوظائف غير الضرورية والغاؤها للحد من الرواتب الحكومية وتحديد الأولويات للمشروعات بتأجيل بعضها أو إلغاء البعض الأخر، وفرض ضرائب عقارية علي العقارات الأعلى ثمناً والأراضي الفضاء ورفع أسعار الطاقة، وهو ما يعد مستحيلاً لاعتبارات سياسية تتعلق بضرورة ضبط الأوضاع داخل تلك البلدان وضمان استقرارها سياسياً حتى لا تصاب بعدوي الاحتجاجات السياسية والاجتماعية من خلال الإبقاء علي معدلات الانفاق المرتفعة حالياً ومظاهر البذخ الاجتماعي. ذلك كله يشير بقوة نحو ضرورة سعي مصر للبحث لا عن حلفاء أخرين، وانما الاعداد التنظيمي والموضوعي الجيد لمشروعاتها الكبرى المقرر طرحها علي طاولة المؤتمر الاقتصادي، فضلاً عن تقديم امتيازات مغرية ومشجعة للاستثمار خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلي مراجعة أوجه الانفاق الحكومي وترشيده، وأخيراً تبقي الإشارة إلي أن نجاح المؤتمر الاقتصادي فرصة أخيرة لإنعاش الاقتصاد ودفعه من ركوده، وهو ما يدركه الرئيس السيسي تماماً وأكد عليه أكثر من مرة.