قال صندوق النقد الدولي إن المالية العامة للسعودية قد تسجل عجزا العام المقبل، مرجحا أن تلجأ الرياض إلي احتياطياتها الضخمة من النقد الأجنبي إذا لم تكبح جماح النمو للإنفاق الحكومي. وكان الصندوق قد حث السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، علي تهدئة النمو السريع في إنفاقها علي مدي سنوات، وهي تحذيرات هون من شأنها المسؤولون السعوديون، واعتبروها مثيرة للمخاوف بغير داع. ورسم تقرير لصندوق النقد الدولي، صدر هذا الأسبوع عقب المشاورات السنوية مع الحكومة السعودية، صورة شديدة التشاؤم لضغوط مالية علي المملكة تلوح في الأفق. وكانت الحكومة السعودية أطلقت مشروعات ضخمة باهظة التكاليف للبنية التحتية، في وقت ينذر فيه تراجع أسعار النفط بتقليص عائدات الدولة. كما أن السعودية تنفق، بسخاء، علي المساعدات المقدمة لبلدان عربية أخري للحفاظ علي الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة. نبه تقرير صندوق النقد الدولي إلي أنه حتي ثروة السعودية النفطية قد لا تكون كافية لمواجهة هذه التحديات جميعا في وقت واحد، وقد يسجل عجز في الميزانية قدره 1.4% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015 بدلا من فائض قدره 4% كان صندوق النقد قد تنبأ به في أبريل/نيسان الماضي. ورغم أن الصندوق كان أعلن، سابقا، أن السعودية لن تسجل عجزا في الميزانية إلا في عام 2018، فإنه عاد، في أحدث تقاريره، ليؤكد أنه من المرجح أن يرتفع عجز الميزانية إلي 7.4% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2019. وسجلت الرياض آخر مرة عجزا في الميزانية في عام 2009 حينما هوت أسعار النفط فترة قصيرة بسبب الأزمة المالية العالمية. وقال الصندوق، في التقرير ذاته، إن 'ضبط أوضاع المالية العامة الذي كان قد توقعه موظفو الصندوق في عام 2013 لم يتحقق، ومن الضروري أن تمضي الحكومة قدما الآن علي هذا الطريق نحو تنفيذ تعديل للمالية العامة'. وأضاف التقرير 'أن تعديلا يقلص عجز القطاع غير النفطي من المالية العامة بنحو 3% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي سنويا خلال السنوات من 2014 إلي 2019 بالنسبة إلي عائدات ميزانية 2013، سيضمن أن تظل الودائع الحكومية كافية للتغلب علي آثار هبوط كبير في أسعار النفط'. ارتفع الإنفاق الحكومي السعودي خلال الأعوام القليلة الماضية، إذ أنفقت الحكومة المزيد من الأموال علي الرفاهية الاجتماعية لضمان السلم الاجتماعي في أعقاب انتفاضات الربيع العربي. ومنذ عام 2010، زاد الإنفاق السنوي 52% إلي 994.7 مليار ريال '265.2 مليار دولار' في عام 2013. ولفت تقرير صندوق النقد إلي أن الحكومة بدأت الآن مشروعات للبنية التحتية ستؤدي إلي زيادة أخري في الإنفاق. ويمكن أن يؤدي ارتفاع الإنفاق، بحسب التقرير، إلي تقليص الاحتياطيات التي تكونت لدي المصرف المركزي، وهو مؤسسة النقد العربي السعودي، خلال السنوات القليلة الماضية بفضل ارتفاع أسعار النفط. وأضاف التقرير: 'من المتوقع أن تهبط ودائع الحكومة في مؤسسة النقد العربي نحو 55% بين عامي 2013 و2019، وفي عام 2019 ستكون كافية لتغطية الإنفاق الحكومي لمدة ستة أشهر ونصف فقط'. ويستثمر المصرف المركزي السعودي، عادة، في الودائع الحكومية في أوعية استثمارية أجنبية مثل سندات الخزانة الأميركية، لأن عملة البلاد مرتبطة بالدولار، مما يعني أنه إذا أرادت الرياض السحب من ودائعها فإن هذه الخطوة من المحتمل أن تشتمل علي بيع أوراق مالية أجنبية، وفق التقرير نفسه. وفي المقابل، يرتقب أن يزداد صافي الموجودات الخارجية لمؤسسة النقد العربي السعودي إلي 768.5 مليار دولار في عام 2014 من 716.7 مليار دولار العام الماضي. وقال صندوق النقد الدولي إنه بسبب الإنفاق الحكومي المرتفع، فإن سعر النفط الذي تحتاج إليه الحكومة لتحقيق توازن الميزانية ارتفع إلي 89 دولارا للبرميل في عام 2013 من 78 دولارا في عام 2012. ولكن أسعار النفط سارت في اتجاه سلبي بالنسبة للسعودية في الأشهر القليلة الماضية، مؤكدا أن الأسعار ستواصل تراجعها عكس توقعات المسؤولين السعوديين، حيث تنبأ التقرير بأن تبيع السعودية نفطها الخام بسعر 101.6 دولار للبرميل في عام 2015 و91.8 دولار فحسب في عام 2019. قال صندوق النقد إن ارتباطات السعودية الخاصة بالمساعدات الخارجية عرفت زيادة كبيرة، فقد تعهدت بتقديم 22.7 مليار دولار مساعدات مالية بين يناير/كانون الثاني 2011 وأبريل/نيسان 2014، وصرفت من هذا المبلغ 10.9 مليار دولار معظمها لمصر. كما منح العاهل السعودي، الملك عبد الله، مؤخرا، الجيش اللبناني مليار دولار لمساعدته في قتال المتشددين. ويعتقد خبراء اقتصاديون أن التعهدات بتقديم مساعدت قد تدفع الميزانية إلي العجز هذا العام. وقال رئيس البحوث في جدوي للاستثمار في الرياض، فهاد التركي، إن 'المعونات المالية علي وجه الخصوص هي التي ستدفع الميزانية إلي تسجيل عجز هذا العام'. غير أن الاقتصاديين يرون أن تسجيل عجز في ميزانية السعودية لن يكون أمرا كارثيا للحكومة، لأن بإمكانها استخدام احتياطياتها، كما تستطيع بسهولة الاقتراض من الأسواق مثلما تفعل معظم الحكومات في أنحاء العالم. وهبط الدين الحكومي إلي 2.7% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2013، وهو من أدني المستويات علي مستوي العالم. وأوصي صندوق النقد السلطات السعودية بتخفيض فاتورة الأجور، من خلال تحديد وظائف القطاع العام التي يمكن إلغاؤها حينما تصبح شاغرة. وقال الصندوق، في تقريره سالف الذكر: 'فضلا عن ذلك، فإنه نظرا لأن مشروعات الإنفاق الرأسمالي تؤلف جزءا كبيرا من نفقات الميزانية، فإن ترتيب أولويات هذه المشروعات بعناية يمكن أن يساعد في تحديد أي هذه المشروعات يمكن تأجيله أو إلغاؤه، كما أن مراجعة عمليات تنفيذ المشروعات قد تسفر عن ترشيد في الإنفاق'. كما دعا الصندوق السعودية إلي دراسة فرض ضريبة علي العقارات الفاخرة والأراضي الفضاء، وزيادة الرسوم علي الخدمات الحكومية، ورفع أسعار مواد الطاقة المنخفضة بدرجة كبيرة.