يتخوف الكثير من المراقبين المختصين بالشأن اليمني من أن تكون لجنة العقوبات في مجلس الأمن الدولي قد وضعت اللبنات الأولى لإشعال حرب أهلية طاحنة في اليمن، نتيجة للقرار الذي اتخذته في وقت متأخر من مساء الجمعة الماضية بمنع الرئيس اليمني السابق وقيادات من الصف الثاني الحوثية من السفر وتجميد أموالهم. وعزا ذلك أن لجنة العقوبات بمجلس الأمن الدولي لم تدرس الأضرار أو النتائج العكسية التي يمكن قد تحل في اليمن لاسيما بعد أن سقطت الجمهورية تحت سيطرة الحوثيين المدعومين بشدة من دول خليجية وخاصة إيران، بل حصلت على ضمانات من صاحب الفكرة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي الذي قال لهم إن قيادات الجيش تحت سيطرته كما هي الأوضاع، مقللا من نفوذ سلفه الأسبق ومن خطورة الحوثيين المنتشرين في كافة أرجاء البلاد. اختراق مجلس الأمن ووفقا لمعلومات تسربت من داخل القصر الرئاسي فإن الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي استطاع اختراق مجلس الأمن الدولي وممارسة الخديعة كعادته في تغييب الحقيقة.. منذ محاصرة الحوثيين لعمران أقنع سفراء الأجانب إن ما يجري فيها كانت مناوشات بين الإصلاح (الإخوان) والحوثيين، وانتهى ذلك بسقوطها وقتل قائد كبير فيها حزن لذلك غالبية اليمنيين، إلا أنه لم يكترث في ذلك واستمر في توزيع بطاقات الخديعة إلى سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية ومجلس الأمن الدولي وقبل ذلك إقناع اليمنيين أن ما يحدث في اليمن هو بدعم ومخطط من صالح، وهو في ذلك صادقا في بعض منها لكونه أكبر الداعمين للحوثيين وتسليمهم صنعاء. قلب الطاولة بتلك اللعبة كان يهدف من خلالها إلى قلب الطاولة على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بتصويره للغرب ولمجلس التعاون الخليجي إنه فعلا من يدعم الحوثيين ويعرقل العملية السياسية فيها، وتخوفيهم إن مشروعهم إيراني بحت في نفس الوقت كان الأخير يتحدث بحسن نية إلى الخليجيين إنه قادر على كبح جماح المتمردين الحوثيين وهو محق في ذلك؛ إلا أن الخديعة التي مارسها هادي لدول مجلس التعاون الخليجي وخاصة المملكة العربية السعودية، قلبت الطاولة على الرئيس السابق ما جعل الإعلام السعودي والخليجي يهاجمه ويصفه بأقبح العبارات، واستغل هادي تلك الفرصة وبعث برسالة استنجاد إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية عبر سفيرها في اليمن يطالب فيها بفك الحبل عن رقبته وإنقاذه من طوفان صالح، وطمأنهم على أن الشعبية التي يتمتع بها صالح لم تعد قائمة بعد أن استطاع سحبها من تحته، حتى إن الولاياتالمتحدةالأمريكية وبكل أجهزتها ومخابراتها التي تتمتع فيها لم تتوان في ذلك حتى معرفة الحقيقة، وصاغت مشروع قرار قدمته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وقدمت أدلة هشة. أخذ مجلس الأمن الدولي تلك الرسالة بمحمل من الجد وناقشها في جلسة مغلقة وبحضور كافة الأعضاء، وخرجوا بقرار إدراج الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح مع كل من أبو علي الحاكم (قائد الميداني للحركة الحوثية، وعبد الخالق الحوثي (شقيق زعيم الجماعة) في القائمة السوداء، وفرض عقوبات دولية عليهم. المبادرة الخليجية يعرف عن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بالدهاء السياسي، وقد سبق له بالخروج من الربيع العربي من بين زعماء آخرين بسلام، على عكس فرار الرئيس التونسي، وقتل الزعيم الليبي وسجن ومحاكمة الرئيس المصري، أو الحرب الأهلية في سوريا، وبذلك جنب اليمن من حرب أهلية كانت ستقضي على أحلام أكثر من 25 مليون يمني باتفاق تاريخي رعته دول مجلس التعاون الخليجي تحت إشراف مجلس الأمن الدولي قضى بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة إلى حلفه الرئيس الحالي عبده ربه منصور هادي ولمدة عامين فقط تنتهي في 21 فبراير 2014. غير أن العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على الرئيس السابق أنهت وقضت على كل من المبادرة الخليجية، وأخيرا اتفاق السلم والشراكة الذي وقع عقب سقوط صنعاء بين الأطراف اليمنية، وهذا يعني أن اليمن ستعود إلى المربع صفر، ولم يستبعد المراقبون أن رسالة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي الداعية لفرض عقوبات على صالح والحوثيين وصلت المجتمع الدولي على طبق من ذهب الذين يريدون زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج العربي ومقدمتها المملكة العربية السعودية. مجلس عسكري كان رد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح سريعا على تلك العقوبات، وخرج صبيحة اليوم التالي واجتمع بحزبه وأجمعوا على عزل الرئيس اليمني الحالي من أمانة عام حزب المؤتمر الشعبي العام، وإعادة قناة اليمن اليوم الناطقة باسم الحزب، يفسر المفسرون ذلك بالخطوة الخطيرة وعزل هادي سياسيا مستقبلا، فضلا أن ذلك مقدمة لخطوات هامة قد تفرض عليه عقوبة جماعية من أحزاب يمنية يصل ذلك إلى عزله من منصبه، وتشكيل مجلس عسكري بحجة أن بقاء هادي في الرئاسة غير شرعي، وبقائه تمثل نكسة أخرى للعملية السياسية. نتائج عكسية ويحذر المراقبون السياسيون من النتائج العكسية لقرار مجلس الأمن الدولي، معتبرين أن ذلك سيؤجج الأوضاع في اليمن أكثر من أن يهدئها، مشيرين إلى أن ذلك يعني عودة اليمن إلى ما قبل 2011 والمبادرة الخليجية وبطلان شرعية الرئيس اليمني الحالي عبده ربه منصور هادي. ويتخوف العديد من المحللين السياسيين أن يتخذ الرئيس اليمني السابق خطوات مدمرة على اليمن وأهلها، واختيار باب الاندماج العلني مع الحركة الحوثية للانتقام من الرئيس اليمني السابق والقيادات والسفراء الذين ساهموا في قرار مجلس الأمن الدولي ضد صالح وقياديين من الحركة الحوثية. حرب أهلية ويجمع المراقبون أن الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي سيخسر كل شيء وفي مقدمتها أنصاره وحلفائه من القبائل بعد أن يكتشف أو يتسرب إليهم أنه سببا رئيسيا فيما حدث ويحدث في البلد الهش الذي يعاني من الفقر ومهدد بالتشرذم، وسيكتسب صالح والحوثيين أنصار إضافية لكون طبيعة اليمنيين يرفضون التدخل الأجنبي في شئونهم ويعتبرون من يتعاون معهم خيانة لمجتمعهم وقبيلتهم. ويتوقعون أن هادي لن يصمد كثيرا أمام جبروت صالح لاسيما وأنه أصبح بنظر المجتمع اليمني شخصية "خائنة" نتيجة لما يتهموه معظم الشعب اليمني بتسليم صنعاء للحوثيين ومحاولة جر اليمن إلى مربع العنف وقبل دعا الأمم المتحد بفرض الوصاية الدولية على البلاد وإدراجها في البند السابع، وقد يتجه هو الآخر بتشكيل جماعات مسلحة لحمايته، وحماية ما يطلق عليها المؤسسات الشرعية الدستورية، لتبدأ معركة الدماء والانتقام، ليتكرر سيناريو الوضع الليبي في اليمن، ويعود التاريخ بسيل العرم لكنه بلون الدماء. المجتمع الدولي سيصاب بالنكسة لأول مرة في التاريخ، وستزعزع أمن واستقرار الخليج من الحرب الأهلية في اليمن، وستصاب المملكة العربية السعودية بالوباء سريعا، ولن يستطيع المجتمع الدولي تشتيت ذهنه في محاربة داعش والإرهاب والمشاركة في اليمن لمقاتلة الحوثي وأنصار صالح من أجل نصرة هادي، وربما قد يرفض المشاركة معه، وسيبقى بعيدا يدرس الأوضاع في اليمن المتهاوي، لكنه في النهاية سيطالب هادي بالرحيل وسينتصر أبناء القبلية وعلي صالح، غير أن ذلك النصر سيكون بنكهة الهزيمة لسببين رئيسين هما. أولا ستنتهي الحرب الأهلية بعد أن أصبحت اليمن دولة هشة، وقضت على كل معالمها الجميلة وأحلام شبابها، وفقدت أغلب كوادرها وخيرة شبابها، ولم يستبعد أن تكون اليمن ليبيا آخر أو صومال جديدة. ثانيا ستخسر اليمن وحدتها التي سعى من أجلها اليمنيين وقدموا دمائهم من أجل ذلك، وحافظوا عليها أكثر من عشرين عاما نتيجة للحرب الأهلية التي ستندلع في شمال اليمن، وقد تصبح أيضا دويلات صغيرة كما كانت في القرون الماضية.