تعد مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، التي أسسها رجل الأعمال والصناعي الأمريكي أندرو كارنجي عام 1910 مؤسسة غير حزبية تسعى إلى تحقيق نتائج عملية من خلال الأبحاث والمنشورات وعقد الاجتماعات، و إنشاء مؤسسات جديدة وشبكات دولية في بعض الأحيان. وتشمل اهتمامات المؤسسة مختلف المناطق الجغرافية والعلاقات بين الحكومات والأعمال والمنظمات الدولية والمجتمع الأهلي مع التركيز على القوي الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية التي تحرك التغيير العالمي ولها في ذلك عدة برامج من بينها "برنامج الديمقراطية وسيادة القانون، مشروع كارنيغي للشرق الأوسط". مركز كارنيجي للسلام ينبثق مركز كارنيجي للشرق الأوسط من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، وهو مؤسسة مستقلة لأبحاث السياسات، مقرها في العاصمة اللبنانية بيروت. ويوفّر المركز تحليلات معمّقة حول القضايا السياسية،والاجتماعية والاقتصادية، والأمنية التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،ويسند تحليلاته إلى كبار الخبراء في الشؤون الإقليمية، ويعمل بالتعاون مع مراكز الأبحاث الأخرى التابعة لكارنيغي في بيجينغ، وبروكسل، وموسكو ، وواشنطن. ويهدف المركز لتقديم توصيات لصانعي القرار والجهات المعنية الرئيسية، من خلال الدراسات المعمّقة، وأيضاً من خلالوضع مقاربات جديدة للتحديات التي تواجهها البلدان العربية التي تمرّ فيمراحل انتقالية. وللمركز مجلس استشاري يضم شخصيات وطنية ودولية مرموقة وناشطة من مختلف دول المنطقة في مجالات السياسة والأعمال والمجتمع المدني. أهم دراسات المركز ومن أهم الدراسات التي طرحها كارنيغي الفترة الماضية تحمل عنوان "السلطوية المتجددة في مصر.. إنه أسلوب حياة" للباحث ناثان براون. ويرى "براون" في دراسته أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتخذ سلسلة من الخطوات القانونية البطيئة ولكنها مدروسة لاستعادة وتعزيز سلطة مؤسّسات الدولة، وفي ظل غياب البرلمان،استغلّ السيسي الفراغ الدستوري لتمهيد الطريق لأجهزة الحكم كي تعمل بحريةتصرّف واسعة وقدر ضئيل من الرقابة العامة، ورجح أن يتواصل نهجه هذا حتى بعد انتخابالبرلمان في نهاية المطاف، واتّخاذ خطوة الانتخابات الموعودة منذفترة طويلة ربّما بحلول نهاية العام 2014. وأشار "براون" إلى أن الإرث السلطوي الطويل في مصر، جعل العديد من مؤسّسات الدولةقادرة بالفعل على التهرّب من حكم القانون، غير أن الأجندة التشريعية للسيسي قد تمنح الجهات الرسمية تفويضاً شاملاً يجعل اللجوء إلى التدابير الاستثنائية في المستقبل أقلّ ضرورة (مثل حالة الطوارئ المكروهة كثيراً) بهدف ممارسة سلطات واسعة). وأوضح "براون" أن رئاسة السيسي يبدو أنها تعكف، في خطواتها الأولى، على إعادة تشكيل سلطوية تعمل على نحو أكثر وضوحاً (على الأقلّ في إطار الخطوط العامّة) ومن خلال القنوات القانونية العادية (وإن كانت فظّة)، وبدلا من أن تسهم في تعزيز السلطة داخل رئاسة الجمهورية، أدّت سلسلة من المبادرات الأخيرة إلى خلق إطار قانوني يمنح المحاكم وأجهزة الأمن والنائب العام حريّة تصرّف كثيفة في تفسير نصّ القانون، ما جعل حالة الطوارئ أو التدابير الاستثنائية الأخرى غير ضرورية. وتابع أن القوانين التي اتخذها السيسي الفترة الماضية مثل"قانون التظاهر، قانون تنظيم الجامعات والحظر الذي تم فرضه مؤخراً، وحصول المحاكم العسكرية على الحماية، ليس عبر تغيير نظامها الأساسي بل من خلال دستور العام 2014، الذي يسمح لها بالاستمرار في محاكمة المدنيين استناداً إلى تفسيرها الخاص لسلطتها القضائية حصراً. ونوه إلى أن هناك ثلاثة مشاريع قوانين مقترحة تحوك لغة قانونية غامضة ضمن أهداف تشريعية تبدو سليمة، وتشمل قانون مكافحة الإرهاب، وقانوناً يهدف إلى فرض مزيد من القيود على المنظمات غير الحكومية، وقانوناً يتناول الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وتفيد المبادرات المذكورة من جهود صياغة القوانين التي تعود إلى فترة حكم مبارك، ومع أن المواضيع التي تتناولها المبادرات متباينة، إلّا أنه يمكن استخدامها لإضعاف أو استهداف معارضي النظام، بما يعنيه ذلك من احتمال جعل الكثير من الأنشطة السياسية غير قانونية. ويرى ناثان في نهاية دراسته أن السياسة في مصر اليوم لم تمت، لكنها عليلة ومقيّدة وقيد الاحتواء. ويبدو أن الخيارات التي تواجه الناخبين منظّمة بعناية بهدف توجيه الأصوات الشعبية بطرق محدّدة أو التخفيف من تأثيرها عبر تشتيتها بين قوى ضعيفة التنظيم. لقد بدأت الآراء الانتقادية بالظهور، غير أنها لم تتجمّع حتى الآن حول أي منظمة أو حركة أو أجندة. كما أن أي محاولة للخروج إلى الشوارع تجابَه بالقوة. وفي ضوء هذه المعطيات، تعكف رئاسة السيسي الجديدة على وضع إطار قانوني من شأنه أن يعزّز قدرة مؤسّسات الدولة على التصرّف كما يحلو لها، ومن دون رقابة عامة. في الوقت نفسه، يتحرّك السيسي نفسه للاستفادة من التشريعات القائمة والغامضة لمزيد من تهميش أو إلغاء المعارضة له. وبالتالي فإن غياب البرلمان، جنباً إلى جنب مع وجود محاكم متعاونة كما ينبغي، يعني أن من المرجّح أن توفّر هذه الممارسة حماية قوية للسلطوية المصرية التي أعيد تشكيلها. اقرأ في هذا الملف"المراكز البحثية.. سماسرة أفكار أم صناع سياسات؟" * خبراء : المراكز البحثية أداة لصناع القرار حول العالم * «راند».. يصنف الإسلاميين وتقاريره يستخدمها الكونجرس والخارجية الأمريكية * «معهد واشنطن».. أداة صنع السياسة الأمريكية بالمنطقة العربية * هل استطاعت مراكز البحث العربية فهم الفكر الغربي ؟ ** بداية الملف