استنكر عدد كبير من الفنانين التشكيليين الهجوم الذي قام به عدد من الأثريين على تمثال "كيداهم" للفنان محمد الفيومي، والذي يوضع في مقدمة الأعمال بصالة (3) بمطار "القاهرة" لاستقبال الزوار. وقد نشر عدد كبير من الفنانين تعليقهم على الأمر عبر صفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وتعجبوا من حكم من هاجموا التمثال، معتبرينهم غير متخصصين ولا يحق لهم الحكم على أعمال فنية. أكد الفنان د. حمدي أبو المعاطي نقيب التشكيليين في حديثه ل"محيط" أن ما قاله بعض الأثريين بشأن تمثال "كيداهم" بأنه يوحي للسائحين بأنهم مقبلين على دوله تقدس الكسل، يعني للأسف الشديد جهلهم بالفن التشكيلي؛ كون أن نحات ينتج عملا يعبر عن طبيعة البيئة المصرية للمرأة في الريف!!، فهذا موجود عندنا في المجتمع المصري، المهم أن العمل به جماليات أم لا، وبخصوص السائحين فهم أكثر ثقافة منا، ويتفهمون معنى وجود عمل فني. وقال النقيب: "أنا ضد ما أشيع حول التمثال، فكان يجب على الأثريين أن يكون عندهم ثقافة تشكيلية؛ لأن العمل الفني عندما ينتج لم يكون من هذا المنطلق بل من أن هناك مقومات للعمل الفني الموجود، و"كيداهم" عمل جيد، والحقيقة لا يجب أن ينظر إليها بهذه النظرة. فالفن المصري ليس فقط فن فرعوني بل به فنون حديثة ولابد أن نوضع في الاعتبار فلسفة الفنان في التعبير عن وجهه نظره، ووجهه نظره لا تسيء أبدا إلى مصر أو المرأة المصرية أو الشخصية المصرية". وبخصوص رد النقابة رسميا قال النقيب أن ما قيل عن التمثال لم يكن بشكل رسمي من وزارة الآثار، فهو وجه نظر لمجموعة من الأثريين لديهم جهل بالفن التشكيلي لا يجب الرد عليهم، ولكن عندما يزعموا رسميا إزالة التمثال وقتها سنتدخل في هذا الوضع؛ لأنه يوجد وزيرا للآثار ووزيرا للثقافة، ووقتها سيكون للنقابة دور تتدخل به. واصل النقيب: "معنى أن "التمثال يوحي بتقديس المصريين للكسل" لا أفهم!!، فنحن في مصر عندنا المرأة الرشيقة والفلاحة التي "تجري على أكل عيشها" وتعمل من أجل ابناءها، فالفنان يعبر عن طبقة مطحونة في المجتمع، فبالعكس، فقد يمثل هذا التمثال قيمة مهمة جدا، ولا أعرف وجهة نظر من اعترضوا عليه!!، ولكن الفهم الخاطيء اعتبره جهل بالعمل الفني والفن التشكيلي بشكل عام ولا يصح أن هذا يكون من أثريين، وهم غير منوطين بالحكم على العمل الفني لأنه ليس دورهم، فهم غير متخصصين وبالتالي إدراكهم للموضوع مختلف. أما الناقد عزالدين نجيب فقال ل"محيط": إذا كان الأثريون لا يرضون بأن يتحدث في الآثار كل من "هب ودب"، فنحن أيضا كفنانين تشكيليين نقول أنه ليس من حق الأثريين أن يتحدثوا في الفن وقيمه الجمالية. وتمثال مثل "كيداهم" لمحمد الفيومي لا يصح أن ينظر إليه باعتباره وثيقة أو تسجيل لواقع مباشر مثلما ينظر إليه من لا يفهم في الفن؛ لأنه في البداية والنهاية عمل فني يقاس بمقاييس الجمال والعلاقات التشكيلية بين أجزاءه وليس بمقياس المطابقة مع الواقع والرمزية السطحية لمصر. فإذا كان من يرى أن التمثال يوحي بالكسل فماذا يقول مثلا عن تماثيل النحات العالمي الشهير بوتيرو بتماثيله بالغة الثمنة حتى الانتفاخ والتشوة في النسب؟!!، فهل كان يريد هذا الفنان مثلا أن يعطي صورة للكسل عن نساء أمريكا اللاتينية؟!!، وهل كل المتاحف التي تقتني أعماله مغرمة بالسيدات البدينات؟!!، أم أن الأمر يتعلق بالقيم الجمالية في هذه التماثيل. والسياح الذين يتدرع بهم المعترضون على التمثال لن ينتظروا إعجابهم بمصر تمثال لفنان؛ لأنهم يأتون وهم يعرفون جيدا خصائص مصر الحضارية، وإذا كانوا يتدرعون بصور تسيء إلى مصر فعليهم أن يوجهوا أنظارهم إلى أكوام "الزبالة" التي تستقبل السياح في كل مكان، فليطلقوا اعتراضاتهم ضد مظاهر التشوة التي تسيء إلى مصر وتقطع الطريق أمام السياحة فيها. إنما تمثال محمد الفيومي فهو يمثل قوة البناء والاستقرار لمصر ولإنسانها، بعيدا عن الاسقاطات السياسية والاخلاقية. ومن جانبه رأى د. مصطفى الرزاز المسئول عن اختيار الأعمال ووضعها في أماكنها في مطار القاهرة وتكليف الفنانين بها، أن من يقولون عن أن التمثال يوحي بكسل المرأة المصرية "جهلاء" ولا يعرفون في الفن، ولا يفهمون أن الفن لم يكن الموجود في أذهانهم، ف"كيداهم" تمثال عظيم، وبالعكس يحظى بإعجاب الكثير من الأجانب وكبار الزوار من خبراء الفن الذين يحضرون إلى مصر في البناليات والمعارض الفنية، ومن يحضرون من المتاحف العالمية؛ ولذلك فأنا لم أوافق على اعتراض البعض على التمثال، فهم غير مختصين، وهذا التفسير الذي فسروه يسمى تفسير انطباعي، بمعنى أن الشخص يهيء له ما يتصوره، ويراه من اتجاه واحد، وهذا ليس به رؤية علمية أو رؤية خبير؛ ولذلك فهم تجاوزوا قدراتهم في الحكم على هذا التمثال القيم. وواصل الرزاز: "بصفتي المسئول عن اختيار هذه الأعمال اعتقد أن "كيداهم" عمل ناجح جدا وكل من رأى التمثال اعجب به اعجابا كبيرا، كما أن الفنان محمد الفيومي فنان كبير وله مكانته، ومن الفنانين القليلين الذي عبر عن الإنسان المصري حقيقاً؛ لأنه يعيش في الفيوم بين الناس، فأعماله تحمل نبض حي للإنسان المصري، وهذا لا يعيب في أي شيء، فنحن لا "نستعر" من أهلنا ذات الشكل المكتل قليلا أو من يجلسون، وهذا لم يكن كسل!!، وإلا لما قام المصريين بثورة 25 يناير و30 يونيو، فهؤلاء من قالوا عنهم كسلانين!!؛ ولذلك فنحن لم "نستعر" من أهلنا عندما نصورهم بطريقة فنية معبرة. أما الفنان محمد الفيومي فقال في تعليقه ل"محيط": "أنا من مواليد الفيوم وأقيم بها. حاولت نقل مجتمعي وطبقة المهمشين كي يراهم الناس ويعرفوا أنهم لهم دور مؤثر وفعال، فلم يشعر بهؤلاء إلا من عايشهم عن قرب ويعرف دورهم، لكن للأسف هناك أشخاص ناكرين لهم، يريدون إنكارهم من المجتمع المصري. الفنان العالمي بوتيرو، عندما يقيم معرضا تتخطفه كل المطارات الموجودة في العالم، وضمنهم مطار فرنسا، وتكون أعماله ضمن برنامج زيارة السائح الأجنبي، على الرغم من أن جميع أعماله شخصيات ممتلئة ومنها "نيوت"، لكن العالم يحتفل به، أما عندنا فلا كرامة لنبيل في وطنه. معظم تعليقاتهم النقاد الأجانب التي تصلني تفيد بأن محمد الفيومي يمتلك أدواته وموهبته أكثر بكثير من "بوتيرو"، فأنا أعمالي موجودة في كل متاحف العالم ويحتفلون بها. لكن لو أرادوا إزالة التمثال فسأتقدم بطلب لقطاع الفنون التشكيلية كي أزيله بنفسي؛ فهذا التمثال بعته بثمن زهيد، وأثق بأن أي متحف في العالم يتمنى أن يكون هذا العمل ضمن مقتنياته. فمن هاجموا التمثال للأسف لم يتبعوا الحركة التشكيلية العالمية، ولم يكونوا متخصصين في مجالنا، ولا يعرفوا عني شيء، وأنا حاليا أقدم في معرضي الجديد بقالعة "الزمالك" للفن فكرة عالمية تنطلق من لغة محلية مصرية، لغة نحت أجدادنا الفراعنة التي أبهرت العالم لأنها أقوى لغة نطق بها شعب، ف"هنري مور" تأثر بتمثال "الملك والملكة" وأنتج أهم تماثيله وكل أوروبا تحتفي به لمجرد أنه اقترب من النحت المصري، فللأسف المصريين يحبون ممارسة حضارة الأموات والأحياء يعيشون في توابيت، ولا يكرم أحد إلا بعد موته ولم يرى ثمرة نجاحه. أنا رجل أحب العمل ولا أريد الخوض في صراعات مع أحد". وأوضح الفيومي بأن هذا التمثال يوجد نسخة منه ضمن المقتنيات الشخصية لمؤسسة "العويسي"، ومقتنيات الإمارات بالكامل، كما قدمت نسخة منه في معرض "آرت سوا" حضرته الفنانة يسرا ووزير الثقافة المصري ووزير إعلام الإمارات وكان هناك احتفاء بالعمل على الرغم من أنه كان واحدا ضمن مجموعة. فهذا العمل نفذت جميع نسخه بالكامل ال8 "الماستر بيس"، والأربعة الآخرين، وبيع مؤخرا في مزاد "كريستيز" بأكثر من 30 ألف دولار وكانت تحتفل القاعة بهذا العمل. وتابع الفيومي: "لم أحزن.. فبعد أزمة هذا التمثال فوجئت بكم حب الناس لي، وأنا لم أتقلد منصب كي يجاملني أحد لكني منكب على عملي تماما وليس لي مصالح مع أحد". وقال الفيومي عن "كيداهم" بأن هذا التمثال له قصة طريفه معه، فعندما أنتجه كان يسكن وقتها في حي شعبي، وكان يذهب للسوق كل يوم جمعة للتسوق، وكان يرى دائما بياعة يتردد عليها، وفي إحدى المرات كان ينظر لها من الناحية التشريحية للجسد فظنت أن نظرته "غير بريئة"، فاستهجنت نظرته واشتبكت به، وكانت هذه السيدة، كما قال الفيومي، مثال "الجدعنه"، مثال السيدة المصرية التي تحترم ذاتها وتثق في نفسها، فعندما أطلعها على الأمر وعرفت أنه نحات كانت غاية في "الجدعنة"، عندما تشعر أنه ليس معه مال كافي لشراء الخضروات كانت تلح عليه بأن يدفع حقه المرة القادمة. وقال الفيومي أن تلك السيدة كانت تجلس في "عز" الشمس في الصيف وتحت الأمطار في الشتاء كي توفر لبيتها وأولادها رزق بالحلال. وتساءل: "فإن لم تحترم تلك السيدة وتخلد في عمل فني من إذا سنخلده؟!! وهل المهمشين سيظلوا طوال عمرهم مهمشين في أوطانهم حتى في الأعمال الفنية؟!! وعندما يريد شخص يخلدهم يهاجموه؟!!. مؤكدا أن الحضارة المصرية بها منحوتات ممتلئة الأجسام بداية ب"أفروديت" مرورا بتمثال "شيخ البلد" وهو شبه "كيداهم"، فلو وضع بجانبه نظنه زوجها أو أخوها. وواصل: "من اعترضوا على التمثال لم يعرفوا أو يفهموا حتى ما درسوه!!". يذكر أن بعض الأثرين شنوا حملة ضد تمثال "كيداهم" في جريدة "الوطن"، بتاريخ 30 أكتوبر، وتحت عنوان "حملة لإزالة تمثال ملكة البدانة"، مطالبين بنقل تمثل "كيداهم" من مكانه، بدعوى أنه يُسيء إلى مصر.