انتهاء لقاء القمة بين الرئيسين الأمريكي والصيني في كوريا الجنوبية    سعر سبيكة الذهب اليوم الخميس 30 أكتوبر 2025 بعد الانخفاض.. كم تبلغ قيمة السبيكة ال5 جرامات؟    دوري أبطال أفريقيا.. كواليس جلسة رئيس بيراميدز مع اللاعبين قبل مواجهة التأمين الإثيوبي    القبض على قائد سيارة ملاكي دهس طفلة بالبدرشين    متحدث رئاسة الوزراء: أكثر من 40 رئيسًا يحضرون افتتاح المتحف المصري الكبير    زينة تكشف آخر تطورات حالتها الصحية بعد إصابتها خلال تصوير "ورد وشوكولاتة" (فيديو)    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    هيجسيث: مقتل 4 من تجار المخدرات خلال الضربة التي نفذتها القوات الأمريكية في المياه الدولية    بعد عرض الحلقه الاولي.. مسلسل كارثة طبيعية يتصدر تريند جوجل    سر الخلطة المقرمشة..طريقة عمل البروستيد في المنزل بمذاق كنتاكي الأصلي    طريقة عمل الطحال، أكلة شعبية وقيمتها الغذائية عالية    ارتفاع الأخضر الأمريكي عالميًا.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه الخميس 30-10-2025    «محافظ على مستواه لا بيهاجم ولا بيدافع».. إبراهيم سعيد يسخر من نجم الأهلي    محمد عبد المنعم يصدم الأهلي بهذا القرار.. مدحت شلبي يكشف    حميدتي يأسف ل«الكارثة» في الفاشر ويتعهد توحيد السودان «سلما أو حربا»    رحمة محسن تتصدر تريند جوجل.. لهذا السبب    في ذكرى تأسيس بلاده: سفير أنقرة يهتف «تحيا مصر وفلسطين وتركيا»    إعلام فلسطيني: تجدد غارات إسرائيل على خان يونس جنوبي غزة    التصريح بدفن ضحايا انقلاب سيارة في ترعة بطريق بنها - طوخ    وسائل إعلام فلسطينية: جيش الاحتلال يشن أكثر من 10 غارات على خان يونس    انطلاقة ساخنة لدور الانعقاد.. «الشيوخ» يشكّل مطبخه التشريعي    بالشراكة مع عدة جامعات.. صيدلة المنيا ضمن مشروع بحثى ممول من الاتحاد الأوروبي    «مش هسيبكم».. زوجة خالد الصاوي تفتح النار بعد مصرع المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    المتحف المصري الكبير| التكنولوجيا والتراث يقدمان تجربة سياحية ذكية مبهرة    رسميًا اليوم.. موعد تغيير الساعة للتوقيت الشتوي 2025 وإلغاء الصيفي    نتائج قرعة ربع نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    «الهيئة العامة للرقابة الصحية» تختتم برنامج تأهيل المنيا للانضمام للتأمين الصحي الشامل    نبيل فهمي: سعيد بخطة وقف إطلاق النار في غزة.. وغير متفائل بتنفيذها    مانشستر سيتى وجها لوجه أمام برينتفورد فى ربع نهائى كأس كاراباو    بايرن ميونخ يسحق كولن برباعية ويتأهل بثقة إلى ثمن نهائي كأس ألمانيا    مدمن مخدرات يشعل النيران في شقته وزوجته وأبنائه.. والتحريات: الحريق جنائي    تشالهان أوجلو يقود إنتر للانتصار بثلاثية زيادة جراح فيورنتينا    موناكو يقلب الطاولة على نانت في مهرجان أهداف في الدوري الفرنسي    موعد صرف المعاشات لشهر نوفمبر فى أسيوط    مباحثات سعودية أمريكية لبحث تعزيز التعاون في قطاع التعدين والمعادن الإستراتيجية بالرياض    محمد علي السيد يكتب: التجريدة المغربية الثانية.. مصر73    فاهمة الحياة كويس.. أهم 3 أبراج حكيمة وعاقلة ترى ما بعد الحدث    وكيل لاعبين: النظام المتبع فى الزمالك يسهل فسخ العقود من طرف واحد    التحفظ على جثة المصور كيرلس صلاح بمستشفى القنطرة شرق العام ب الإسماعيلية    محامي شهود الإثبات: الأيام القادمة ستكشف مفاجآت أكبر في القضية التي هزت الإسماعيلية    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد عيادات التأمين الصحي بالعريش    الحبس شهر وغرامة 100 ألف جنيه عقوبة دخول المناطق الأثرية بدون ترخيص    ترامب: تصريحات بيل جيتس تظهر أننا انتصرنا على "خدعة المناخ"    رئيس الاتحاد الإنجيلي اللوثري العالمي يشارك في صلاة جماعية وتوقيع نداء من أجل إنهاء الحروب    أبراج وشها مكشوف.. 5 أبراج مبتعرفش تمسك لسانها    النيابة الإدارية تُعاين موقع حريق مخبز بمنطقة الشيخ هارون بمدينة أسوان    أخبار × 24 ساعة.. مدبولى: افتتاح المتحف المصرى الكبير يناسب مكانة مصر    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الخميس 30102025    الشرقية تتزين بالأعلام واللافتات استعدادًا لافتتاح المتحف المصري الكبير    مطروح تستعد ل فصل الشتاء ب 86 مخرا للسيول    بالصور.. تكريم أبطال جودة الخدمة الصحية بسوهاج بعد اعتماد وحدات الرعاية الأولية من GAHAR    من تأمين المصنع إلى الإتجار بالمخدرات.. 10 سنوات خلف القضبان لاتجاره في السموم والسلاح بشبرا    سوهاج تكرّم 400 من الكوادر الطبية والإدارية تقديرًا لجهودهم    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    محاكمة صحفية لوزير الحربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلافات الصحابة .. وقفة جادة لتنزيه المقدس عن البشر
نشر في محيط يوم 26 - 10 - 2014

العرب يهابون دراسة أنفسهم .. وأقلام مشبوهة تسعى لهدم الوحي
من الشافعي للشنقيطي .. التشيع تهمة جاهزة !
بن تيمية شيخ السلفيين الذي أنصف تاريخ الصحابة الكرام
بن عربي في "عواصمه" والخطيب في شرحه ، ارتكبا تدليسا واضحا
تأمل لتأخر بيعة علي لأبي بكر .. وغضب معاوية للسلطة .. وندم عائشة عن الجمل
الصحابة ليسوا معصومين من الخطأ .. هكذا علمنا الرسول
تراث الصحابة وقع بين كربلائيين شيعة وأمويين جامدين !
طاعة السلطان الجائر تراث غير مقبول في عالم اليوم
إن الأمّة لن تخرج من أزمتها التاريخيّة إلا إذا أدركت كيف دخلت إليها. فليس من خروج من هذه الأزمة الدستوريّة التاريخيّة دون دراسة الخلافات السياسيّة التي تفجّرت بين الصحابة في القرن الأوّل الهجري، وتأمُّلها بعقل متجرّد يمنح قُدسيّة المباديء رُجحاناً على مكانة الأشخاص، ويواجه العقد النظريّة السائدة في هذا الموضوع بفقه وثّاب غير هيّاب، مع التزام بصحّة النقل، والتثبُّت في الرواية."
هكذا أوجز المفكر الموريتاني محمد مختار الشنقيطي أزمة الأمة في كتابه الصادر بطبعة جديدة عن دار "تنوير" تحت عنوان "الخلافات السياسية بين الصحابة .. رسالة عن مكانة الأشخاص وقدسية المباديء" والذي ناقشته مساء أمس محاضرة بمكتبة "ألف" بحضور حشد من الباحثين الإسلاميين يتقدمهم الدكتور أحمد محمود أستاذ التاريخ الإسلامي، والناشر عبدالرحمن أبوذكري، فيما أدار اللقاء المستشار الثقافي للمكتبة عماد العادلي.
الكتاب ذاع صيته منذ أن صدرت طبعته الأولى بجدة عام 2004، وصار محط جدل لا يزال مستمرا بين مشجع ومعارض، من أبناء التيارات الإسلامية المختلفة، كما حظيت طبعاته المختلفة بتقديم من الشيخين راشد الغنوشي ويوسف القرضاوي على التوالي.
أما صاحب الكتاب فهو متخصص بالشريعة الإسلامية وخاصة الفقه والأصول، حائز الدكتوراة في تاريخ الأديان من جامعة تكساس بأمريكا، كما عمل مديرا للمركز الإسلامي نحو سبع سنوات، حاضر بعدد من الجامعات العربية، وله العديد من الدواوين والإصدارات الفكرية الهامة ومعظمها يدور حول فلسفة الحكم في الإسلام.
أضواء على كتاب الخلافات
في مناقشة الكتاب، أشار عماد العادلي، إلى أن القداسة المتوهمة للأشخاص رفضها الإسلام، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصا على إظهار بشريته، وللأسف فقد عني الغرب بدراسة تراث العرب، بينما ظل العرب يهابون دراسة أنفسهم، فخضعت أغلب الدراسات حول العرب ذات بعد استشراقي يبرز مركزية الغرب وهامشية العرب أو يحوي افتراءات وأكاذيب ليس لها أساس .
وصحابة الرسول حملوا أمانة الدين على أعناقهم وتحملوا المشاق، ولكن هناك من يضفي عليهم قداسة وعصمة غير مفترضة إلا لنبي ، فيما يظل هناك فريق متربص يتعامل مع اصحاب النبي (ص) بعداء ظاهر ويتهمهم بأنهم مجرد غزاة أو حتى يذهب للتحقير منهم كما يفعل بعض غلاة الشيعة.
لكن هذا الكتاب يتأمل أفعال الصحابة باعتبارهم بشر مميزون حقا، ولكنه يعلي من قيمة المباديء المستقرة عندنا كمسلمين، والتي نقيس عليها فعل الأشخاص، وليس العكس، عملا بمبدأ "يعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال"
من جانبه تحدث الدكتور أحمد محمود، مدرس التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم، عن توقع الخلاف السياسي بين الصحابة بعد رحيل النبي صلى الله عليه وسلم، باعتباره أمر طبيعي بين البشر، فقد عاشوا مرحلة ما بعد الوحي، وكان من الطبيعي أن يكون على رأس التساؤلات التي تشغل ضمير المسلمين : من يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في مقام الحكم لا النبوة ؟
وزاد من صعوبة السؤال أن النبي لم يرد عنه نص صريح بتولية أحد الحكم من بعده، ولم تتضمن البنية النصية للمسلمين المتمثلة في القرآن والسنة الصحيحة، على طريق إجرائي محدد للحاكم وطريقة تنصيبه وعلاقته بالرعية وواجب الرعية نحوه، وإن اشتملت على مجموعة من القيم السياسية الكلية كالشورى والعدالة والمساواة.
ويزداد الأمر صعوبة حين نتذكر أن الإسلام أرسى دعائم دولته، ولم ينتشر بدول ذات نظم حكم مستقرة، لكن ما جرى أنه تنزل في جزيرة العرب التي عاش أهلها حياة القبلية، وكان هذا الفكر حاكما لكل تنظيم سياسي واجتماعي، ومع هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، انتقل المسلمون لطور الدولة بعد أن عاشوا طور القبيلة، وبنشأة الدولة الإسلامية فقد صارت راعية للدين وحملته بقوة السلطان لخارج الجزيرة العربية .
ومن هنا فقد أحال الإسلام المسلمين للتجربة البشرية بشرط ألا تخالف تلك التجربة نصا محكما تشريعيا. وطالما ان الإسلام أحال الحكم للتجربة البشرية فمن الطبيعي أن يحدث الخلاف السياسي، لا العقائدي
مذاهب تناول سيرة الصحابة
جرى خلاف بين أئمة وفقهاء المسلمين في مسألة تناول خلافات الصحابة، فمنهم من رفض خوض تلك السيرة عملا بحديث الرسول "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا" ومقولات الصالحين كعمر بن عبدالعزيز الذي سئل عن تلك الخلافات فأجاب : "هذه فتنة عصم الله منها سيوفنا، فلنعصم منها ألسنتنا ..
.. وهناك من فسر الحديث بأن المقصود هو الإمساك عن التعريض بهم أو التطاول عليهم وليس نقد أفعالهم للعبرة ، ومن هنا سنجد أئمة كابن كثير والنسائي يتحدثون عن خلافات الصحابة من باب العلم بالشيء ولكنهم يؤكدون أن الخوض فيها محرم
في حين نجد إمام يعد ثاني مؤسس للمدرسة السلفية، بعد تأسيسها الأول على يد الإمام أحمد بن حنبل، وهو الشيخ بن تيمية يعتبر أن دراسة تلك الخلافات مفيد للمسلمين طالما ليس فيه تطاول على مقام الصحابة المكرمين، فهم بشر وتعرضوا لفتن وبعضهم أخطأ وكانت نيته حسنة ، وندم فيما بعد، كما حدث في فتنة مقتل عثمان وما تبعها من أحداث مؤسفة. وقد ندمت السيدة عائشة رضي الله عنها حين ذهبت تطلب صلح المسلمين فانتهى الأمر بمقتلة بشعة لم تقصدها وحاشاها
أخيرا هناك فريقان يقفان على حدي النقيض، الشيعة المتطرفون الذين يسبون ويكفرون صحابة الرسول (ص) ، والمتشيعين السنة، وهو مصطلح صكه مؤلف الكتاب في غالب الظن، ويعني بهم هؤلاء الذين دلسوا الحقائق التاريخية الدامغة لنفي أي خطأ جرى من أي صحابي عاصر الرسول وبعثته، وهو نهج يخالف النهج النبوي ذاته، ويضرب المؤلف أمثلة لهؤلاء ك"بن عربي" صاحب "العواصم من القواصم" ومحب الدين الخطيب شارح العواصم والإمام الطبري ونحوهم.
ونجد بن عربي يتجاهل مثلا الدور الذي لعبه عبدالملك بن مروان لإفساد منهج النبوة في الحكم، وما جرى بعهد ابنه الذي تولى بعد عدة اشهر مستهلا حكمه بالقول "لا يقولن أحدكم اتق الله إلا قطعت رأسه" أو انتزاعه الحكم من عبدالله بن الزبير والذي أودى بقتل الأخير، وهو أحد أكابر الصحابة، وأنه سبب رئيسي في فتنة مقتل عثمان بن عفان . كما ينكر بن عربي حقيقة تأخر بيعة علي بن أبي طالب التي أكدتها شهادة السيدة عائشة رضي الله عنها، ويذهب لأحاديث ضعيفة .
ويضيف الدكتور أحمد محمود على كل هذه الفرق والمذاهب في دراسة سير الصحابة، فئة معاصرة تستهدف هدر الوحي تدريجيا، وتحويل الدين من تشريع لمادة قيمية مفرغة على حلقتي "الله والأخلاق" بدون وحي أو نص، وهؤلاء حين يتعرضون لحياة الصحابة الكرام ويخطئونهم في أشياء، يرمون للتدرج صعودا ونفي الصدقية عن أصحاب النبي والمؤمنين الأوائل برسالته ومن ثم نسف فكرة التصديق بالوحي من الأساس.
لكن المؤلف وضع ضابطا أساسيا في التعامل مع الخلافات السياسية بين الصحابة، وهو العلم والعدالة، بحيازة الأدوات المعرفية من حيث التبحر في قراءة التاريخ والإلمام بعلم الحديث ونقد الروايات الحديثية والتاريخية والفقه واللغة، وغيرها من العلوم، ثم أمانة النقل والبعد عن التحيز والابتعاد عن تحكيم مناهج مدرسة فقهية بعينها.
والحقيقة أن تهم التكفير والتشيع طالت كل من تناول سيرة صحابة الرسول بالتفكر والنقد، وآخرهم مؤلف هذا الكتاب والذي يورد أنه حتى الإمام الشافعي والأئمة النسائي والطبري ، حين كانوا يؤسسون لمنطق فقهي جديد أو ينقلون روايات تتوافق مع ما يذهب إليه الشيعة،اتهموا بالتشيع، ومن ذلك آرائهم في الجهر بالبسملة في الصلاة أو المسح على الخف، وهي من المندوبات التي يؤكد العلامة بن تيمية أن تركها لمجرد توافقها مع بعض أفعال الشيعة أمر مكروه ومرفوض في الدين.
أزمة الفقه الدستوري الإسلامي
يقول المؤلف : "لقد انتصر المجتمع الاسلامي الاول علي الردة الاعتقادية التي ثارت في اطرافه , لكنه انهزم امام الردة السياسية التي نبعت من قلبه . والردة - كما يقول ابن تيمية - قد تكون عن الدين كله , او بعض الدين . وتلك الردة السياسية المتمثلة في تحويل الخلافة الي ملك هي التي رسمت صيرورة الحضارة الاسلامية ومآلها , ولا تزال تتحكم في المسلمين حتي اليوم ."
الكتاب يتناول مسألة شائكة، وهي غياب الفقه الدستوري السياسي المحكم عند المسلمين، لأن غالب الأئمة الأكابر عاشوا في ظلال القهر والاستبداد السياسي تحت راية الخلافة المتوارثة، وكانوا مهمومين بوحدة البلاد ومجابهتها لحملات الصليبيين ونحوها، فجاء تراثهم داعيا للخضوع للسلطان، وعدم الخروج عليه، لكن مؤلف الكتاب معجب بمنهج بن تيمية الذي جاء فيه صراحة ضرورة الخروج على الظالم لأن الله يعاقب القرى بظلم بعض اهلها وصمت الآخرين على استمرار هذا الظلم . وقد سلك العلامة الماوردي فيما بعد مسلكا وسطا سعى فيه لأن يكون للعلماء والفقهاء دور الوسيط بين الرعية والحكام، واستمر العمل بهذا المبدأ ببعض الأمصار حتى جاء محمد علي فنسف هذه القاعدة .
ويلفت مؤلف الكتاب لنقطة هامة، وهي أن السياسة وأمور الحكم من الفروع وليست الأصول في شريعة المسلمين، وحتى كتب الأصول التي تعرضت لها فقد جاء ذلك من باب الرد على أفكار الشيعة الذين يعتقدون بالإمامة ويضعونها أصلا بالعقيدة، ويستدعي المؤلف ما قاله الصحابي خالد بن الوليد رضي الله عنه، حين تحدث إليه أحدهم حول خلافه مع سعد بن أبي وقاص فقال : "مه .. فإن ما بيننا لم يبلغ الدين" أي أنه من الفروع الوارد فيها الخلاف.
بين المقدس .. والمتغير
هيمنت على الكتاب الدعوة لضرورة التمييز بين الوحي، بوصفه ثابتا مقدسا معصوما، وبين التجربة التاريخية المتغيرة التي يجوز الحكم عليها وتقييمها، وهي تجربة تحتمل الخطأ احتمالها للصواب. وقد أهدى الكتاب إلى الذين يؤثرون الكتاب على الشخص والوحي على التاريخ، ليكون الوحي حاكما على التاريخ لا العكس، فالاحتكام للوحي لا بظرف تاريخي متغير.
والكتاب ليس سردا للخلافات بين الصحابة، ولكنه قواعد عامة تبلغ 22 قاعدة استخلصها الشنقيطي من قراءاته وبالتحديد من أعمال الحجة بن تيمية، والإمام أحمد بن حنبل، ليستفيد منها أي باحث في مسائل الخلافات بين الصحابة.
واختار المؤلف بن تيمية، ليعتمد على تراثه الوافر في هذا الجانب وخاصة كتابه الضخم "منهاج السنة" وهو موسوعة في الفقه السياسي الإسلامي إضافة لفتاواه التي تتناثر بمجلداته . كما أن الرجل كما أسلفنا من مؤسسي المذهب السلفي البارزين وكتبه حجة لهذا التيار بطوائفه بدء من السلفية الجهادية وانتهاء بمن يأمرون بطاعة الحكام ! وربما في الاستئناس بما أوره من فتاوى رد عملي على من يكفر ويتهم مؤلف الكتاب من أبناء التيار السلفي الذين يكن لهم المحاضر ومؤلف الكتاب احتراما وتقديرا، ولكنه ينتقد ما عندهم من نظرة أحادية لكل مسألة وضيق بالرأي الآخر ، أحيانا. ويؤكد المؤلف أن كتابات بن تيمية إلى جانب ما سبق امتازت بالموضوعية، فلم يكن الرجل يتورط في التطاول على الصحابة، ولكنه لم يكن أيضا يلتفت كثيرا لمكانة الأشخاص، فخرج إنتاجه متزنا بين قدسية المباديء ومكانة الأشخاص.
وينتقد بن تيمية مثلا طريقة أهل السنة في مواجهة بدع الشيعة وبذاءاتهم، فالشيعة يتخذون يوم عاشوراء مأتما عظيما ويجلدون انفسهم لأن الحسين قتل بينهم ، لكن نجد أهل السنة يتخذون يوم كهذا للفرح والسرور وتبادل الأطعمة وهي مسألة عجيبة .
قواعد الحديث عن الصحابة
الكتاب يعتمد على 22 قاعدة مفيدة في التطرق لخلافات الصحابة، ويستشهد الدكتور أحمد محمود على سبيل المثال فقاعدة هامة وهي "التثبت في النقل والرواية"؛ فالتاريخ الإسلامي قائم على المرويات، وكتب ك "تاريخ الأمم والملوك" للإمام الطبري، يضم أحداثا مؤرخة ومرويات مسندة لأصحابها، ولكن الطبري لم يحدد الثابت من الضعيف فيها، كأن يكون الراوي شيعيا أو يهوديا وما شابه، كما أن بعضها يناقض قواعد التطور التاريخي والعقلي أحيانا، وبينما يدعو مؤلف الكتاب لاعتماد منهج المحدثين، الذي ينظر في الإسناد ويحكم على رواة السند وعدالتهم، بغض النظر عن اتفاق الفكرة مع تحيزي الديني من عدمه.
يرى الدكتور أحمد محمود أن ذلك يحدث إشكالية لكل باحث ومهتم بالدراسات الإسلامية التاريخية بالتحديد، لأن الأحاديث تترك فراغات واسعة لا تفسر التطور والتفصيلات التاريخية، لكنه يفضل هنا اعتماد ما ذهب إليه الدكتور أكرم العمري، أن الروايات المتعلقة بالعقيدة أو الأحكام الفقهية، نطبق فيها منهج المحدثين، لكن الروايات المتعلقة بالغزوات وتعيين الولاة وبناء الأمصار وغيرها من المسائل الحضارية، يمكن أن نتسامح فيها قليلا فنعتمد باقي المرويات ونمحصها.
ثم نأتي لقاعدة أخرى يشملها الكتاب وهي "التعامل مع الصحابة كبشر وليس ملائكة"، ويورد الكتاب قصة اجتماع السقيفة الشهير، والذي انتهى باختيار ابي بكر بعد ان اختار الصحابة سعد بن عبادة خليفة لرسول الله في الحكم، وحين تغير الحال غضب سعد ولم يبايع عمرا، ويفسر بن تيمية ذلك بانه كان يطلب الامارة لنفسه ، وقد تأخر سيدنا علي بن أبي طالب عن البيعة ستة اشهر، بحسب رواية البخاري، ولم يبايع عمرا إلا بعد وفاة السيدة عائشة رضي الله عنها، وقد كان معترضا على الطريقة التي جرى بها تنصيب سيدنا أبي بكر ، وليس على شخصه.
وينقل المؤلف عن بن تيمية بعض أسباب الخلافات التي دارت بين الصحابة، وهي التنشئة الاجتماعية والسياسية السائدة في الجاهلية والتي لم تنزاح كلية عند كل صحابة الرسول مع دخولهم للإسلام، فقد توعد معاوية بن أبي سفيان بالحرب حين علم بإمارة أبي بكر الصديق، وقال "والله لأملأنها عليهم بالخيل والرجال" ووصفها بارتضاء الإمارة في أذل بيت للعرب، وهو ما رد عليه الإمام علي بن أبي طالب بقوة وحزم داعيا إياه لنبذ أي شر بالمؤمنين.
ويشير الدكتور أحمد محمود إلى حقيقة أن قتال معاوية كان بغيا من أوله، فالمطالبة بدم عثمان لا تكون بالانقلاب على الخليفة علي بن أبي طالب ، وهو هنا يعود لمنطق الجاهلية والقبيلة، وربما تلك واحدة من أبرز انتقادات المؤلف فضلا عن المحاضر حول فتاوى بن تيمية، فقد مال لتبرير بعض أفعال معاوية بن أبي سفيان وذهب إلى كونه لم يكن يريد السلطة في حياة علي بن أبي طالب على خلاف الثابت تاريخيا .
وبخصوص الفتن التي عاصرها المسلمون الأوائل، يميل مؤلف الكتاب إلى عدم تحميلها وحسب لأطراف خارج الدائرة الإسلامية، فلم يكن عبدالله بن سبأ سببا وحيدا بمقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان، لكن هناك عوامل أخرى فقد كان رضي الله عنه لينا مع الصحابة حتى ظن بعضهم أن الخروج عليه أمر سهل، بخلاف سابقه عمر بن الخطاب المعروف بالحزم. كما أن هناك تحولات طرأت على المجتمع الإسلامي بعد انتشار الفتوحات، فصار الصحابة يفسر بعضهم استبعاده من الولاية على أحد الأمصار بأنه تقليل من دوره وجهوده لنشر الإسلام أو قدراته في الإمارة والإدارة، على الرغم من أن رسول الله حسم هذه النقطة ، فكان يولي من يجد فيه الكفاءة لا الصلاح فحسب، وهذا ما جعله صلى الله عليه وسلم يقول لأبي ذر الغفاري أنه امرأ فيه ضعف فلا يمكن توليته واختار خالد بن الوليد برغم أن الأخير كان مع جهوده الواثقة في الحروب وبراعته حتى لقب بسيف الله، له أيضا بعض الأخطاء التي تبرأ الرسول منها .
لقد شهد التاريخ الإسلامي أمورا يندى لها الجبين، ويجب الاعتبار منها، مع مراعاة الظرف التاريخي والسياق الاجتماعي والزماني، لكن المحصلة كانت قتل خلفاء راشدين بل وشيوع سباب لصحابة من فوق المنابر، وهو ما أمر به غلاة الحكام الأمويين في حق علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورفض كثير من الصحابة الانصياع له ، وكان من أشهر هؤلاء الولاة "عبدالملك بن مروان" .
"إن جيل الصحابة لم يكن غير مجتمع بشري فيه الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات بإذن الله، وليست غلبة الخير على أهل ذلك الجيل مسوغاْ كافياْ للتعميم والإطلاق، وإضفاء صفات القدسية على كل فرد فيه، مما يناقض حقائق الشرع قبل حقائق التاريخ. وإذا كان لأهل الحديث مبررهم في قبول رواية كل الصحابة دون استثناء، فإن تحويل عدالة الرواية في السلوك بشمل كل الصحابة خلط في الاصطلاح، وتنكر للحقيقة الساطعة لا يليق بالمسلم الذي يؤثر الحق على الخلق مهما سموا" محمد المختار الشنقيطي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.