في باحة أقدم دور العبادة للمسلمين بالعاصمة الغابونية "ليبرفيل"، عند المسجد المركزي بالمدينة، تعم هذه الأيام أجواء استثنائية في فترات ما بين الصلوات الخمس. المسجد فتح أبوابه للمئات ممن يستعدون لأداء مناسك الحج لهذا العام، يجتمعون حول واعظ معين من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في الغابون (سيساييغ)، لتلقي تكوين حول طريقة أداء المناسك. وتلتئم الحلقات التكوينية لفائدة حجاج هذا العام، يتابعونها بلهفة من انتظر الموعد بكل شوق، تقطعها من حين لحين تساؤلاتهم حول تفاصيل المسألة، لا سيما منهم من يؤدون الفريضة الخامسة من الإسلام، لأول مرة في حياتهم... التكوين انطلق منذ أسبوع، يتكفل بتقديمه أئمة من لجنة متابعة الحج المنضوية تحت المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في الغابون وهو هيكل مستقل يعمل تحت إشراف وزارة الداخلية في البلاد. "محمد مصطفى"، أحد مالكي مؤسسة للقروض الصغرى في حي "شاربوناج" في ليبرفيل، من بين هؤلاء، يؤكد للأناضول: "كان علي أن أوفر المال "لمدة عام كامل للذهاب إلى مكةالمكرمة، أرجو أن يكون حجا مقبولا وذنبا مغفورا لي ولجميع إخواني المسلمين". وإذا كان "محمد" قد وفر تكلفة الحج المقدرة ب 2.4 مليون فرنك إفريقي (قرابة 4.700 دولار) من ماله الخاص، فإن 50 مترشحا انتفعوا من برنامج سحب وطني نظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لفائدة الفئات ضعيفة الدخل من المترشحين، تتكفل بموجبه لجنة الحج بجميع مصاريف الفائزين. "عصمان أوندينونوس" هو أصيل منطقة "بور جونيي" غربي الغابون، ورد إسمه في قائمة من وقع عليهم الاختيار لأداء مناسك الحج هذا العام، يروي للأناضول لحظة تلقيه الخبر السعيد: "لقد عانيت من عدة مشاكل عائلية هذه السنة، خبر وجود إسمي في قائمة المسافرين لتأدية الحج منحني بسعادة لا أجد الكلمات لوصفها". ويشمل تكوين حجاج هذا العام في الغابون 4 محاور: احترام سلطات بلد الاستقبال (العربية السعودية)، جملة الأدعية التي ينبغي ترديدها في البقاع المقدسة، مختلف مناسك الحج، وأخيرا، كيفية تأدية هذه المناسك. "عبد العزيز كايتا"، أحد أعضاء فريق الأئمة المسؤولين عن التكوين يصف ما يجري خلال الحصص التكوينية قائلا للأناضول: "هي توجيهات عملية، من دونها يتوه الحاج دون شك. هذا التكوين على غاية من الأهمية كونه يهيئ الحاج روحيا ونفسيا وجسديا لما ينتظره هناك. من الخطأ الاعتقاد أن الأمر مجرد رحلة عادية، ليس الأمر كذلك، هي رحلة إلى البقاع المقدسة لها متطلباتها الخاصة". ولا يتابع هذه الدروس من يؤدي فريضة الحج للمرة الأولى فحسب، ف "أوباسي نافيساتو" الذاهب إلى مكةالمكرمة للمرة الرابعة في حياته، لا يفوّت البتة حضور هذه الدروس التي تمثل بالنسبة له "نكهة مسبقة" عما ينتظره في مكة. ويشعر "نافيساتو" الخمسيني بإثارة كبرى حين تقفز ذكريات الحج إلى مخيلته: "حين تذهب إلى هناك للمرة الأولى، تجد لجنة خاصة تتكفل بتوجيهك. الكعبة الشريفة تثير فيك مشاعر جياشة، تدرك حين تطوف بالمكان أنك في حضرة مكان مشبع بالروحانية، هو أمر مثير حقا". ومن بين 350 مترشحا، من مختلف الجنسيات، سيتمكن 90 غابونيا فحسب من الذهاب الأسبوع القادم إلى البقاع المقدسة، فيما ترتفع حصة الغابون إلى 150 حاجا. وعلى إثر اجتماع لجنة متابعة الحج يوم الإربعاء الماضي في مسجد "الحسن الثاني" بليبرفيل، قرر قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في الغابون التخلي عن التكفل بالإجراءات الإدارية للأجانب الذين يرغبون في الحج انطلاقا من الغابون. وعند الاستفسار عن الأمر، قال مصدر من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في الغابون للأناضول أن هذا القرار متأت من السلطات السعودية التي تقوم بعملية صيانة للحرم المكي". وتابع ذات المصدر قائلا: "في العام الماضي بلغ عدد الحجاج المنطلقين من الغابون ال 300 ما بين غابونيين ومقيمين أجانب".