تعرف على أسعار الخضار والفاكهة في أسواق البحيرة اليوم    حرائق تلتهم غابات الجبل الأخضر وتقترب من المناطق السكنية شرق ليبيا    ليبيا..تسريب نفطي في أحد خطوط الإنتاج جنوب مدينة الزاوية    وزارة الخارجية والهجرة تحتفل بيوم أفريقيا    "مساهمات كثيرة".. ماذا قدم محمد صلاح في مبارياته أمام كريستال بالاس؟    تمهيدًا لتعميم التجربة.. مطار الغردقة الدولي يُطلق خدمة جديدة لذوي الهمم    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 25 مايو    إصابة عدة أشخاص في أوكرانيا بعد ليلة ثانية من هجمات المسيرات الروسية    «حلم الكهرباء الموحدة».. مطلب عاجل بربط حلايب وشلاتين بالشبكة القومية للكهرباء    جدول مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة: ليفربول ومانشستر سيتي.. نهائي الكونفدرالية    طقس اليوم: شديد الحرارة نهارا ومعتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 38    سعر الدولار اليوم الأحد 25 مايو 2025 في 4 بنوك    عيار 21 بكام.. ارتفاع أسعار الذهب الأحد 25-5-2025 في مصر    نموذج امتحان الجبر والهندسة الفراغية الثانوية الأزهرية 2025.. تفاصيل امتحانات طلاب الأزهر    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    إعلام: عطل في اتصالات مروحية عسكرية يعطل هبوط الطائرات في واشنطن    مصرع ميكانيكي سقط من الطابق الخامس هربًا من الديون بسوهاج    عاصفة تهز سوق العملات الرقمية.. أكثر من 100 مليار دولار تتبخر في ساعات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 25-5-2025.. كم بلغ سعر طن حديد عز؟    مي عبد الحميد: تنفيذ أكثر من 54 ألف وحدة إسكان أخضر.. ونستهدف خفض الطاقة والانبعاثات    القبض على 3 شباب ألقوا صديقهم في بيارة صرف صحي ب15 مايو    خبير اللوائح: أزمة القمة ستسمر في المحكمة الرياضية الدولية    الكشف الطبي على 570 مواطنًا خلال اليوم الأول للقافلة الطبية    مستشفى دمياط التخصصي: حالة الطفلة ريتال في تحسن ملحوظ    نجاح أول جراحة «ليزاروف» في مستشفى اليوم الواحد برأس البر    ترزاسكوفسكي يرفض التوقيع على إعلان الكونفدرالية بشأن أوكرانيا والاتحاد الأوروبي والأسلحة    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    بينهم موسيقي بارز.. الكشف عن ضحايا تحطم الطائرة في سان دييجو    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    ياسمين رضا تترك بصمتها في مهرجان كان بإطلالات عالمية.. صور    "العربية للسياحة" تكشف تفاصيل اختيار العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية    المخرج الإيراني جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية.. القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    بيسيرو: رحيلي عن الزمالك لم يكن لأسباب فنية    الصديق الخائن، أمن الأقصر يكشف تفاصيل مقتل سائق تريلا لسرقة 6000 جنيه    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    رمضان عبد المعز: التقوى هي سر السعادة.. وبالصبر والتقوى تُلين الحديد    «الداخلية» تكشف تفاصيل حادث انفجار المنيا: أنبوبة بوتاجاز السبب    رحلة "سفاح المعمورة".. 4 سنوات من جرائم قتل موكليه وزوجته حتى المحاكمة    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    بعد غياب 8 مواسم.. موعد أول مباراة لمحمود تريزيجيه مع الأهلي    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



100 عام على رحيله..
نشر في محيط يوم 24 - 08 - 2014

أديب ومفكر لبناني المولد.. مصري الإقامة.. عربي الهوية.. إسلامي الثقافة.. مسيحي الديانة.. وضع يده على عناصر التسامح والعقلانية والتميز في الثقافة الإسلامية ليحول هذا التاريخ من مادة صماء إلى حكايات ووقائع وشخصيات شديدة الحيوية، كما دافع عن الإسلام وثقافته دفاعا نبيلا حتى وصل به الأمر إلى تدريس التاريخ الإسلامي في -الجامعة المصرية- إلا أن ديانته وموجة التشدد والمناخ المتعصب من قبل الاحتلال الإنجليزي وقتها منعته من ذلك، إنه الروائي والمؤرخ جرجي حبيب زيدان.
البداية .. جبل لبنان
ولد جرجي في بيروت في 14 ديسمبر 1861 لأسرة مسيحية فقيرة من قرية عين عنب في جبل لبنان، وكان أبوه حبيب زيدان رجلا أميا يملك مطعماً في ساحة البرج في بيروت يتردد عليه رجال الأدب واللغة وطلاب الكلية الأمريكية.
وكانت عائلة جرجي قد خرجت بقيادة الجد مطرودا ومطاردا من قريته عين عنوب في قضاء عالية شرق الشويفات ليذهب مع أبنائه إلى بيروت بلبنان التي كانت مجرد مكان ريفي، ووجدت الأسرة نفسها أمام خيار وحيد فإما العمل الشاق وإما الموت وسعى الأبناء خلف الرزق واتجه والد جرجي لافتتاح مطعم صغير، وجاء جرجي لتسعى الأم بكل الطرق لكي تلفت ابنها من هذا المصير البائس فتلح على الأب لكي يذهب إلى المدرسة الأولية والتي لم يستمر فيها طويلا ليجذبه إلى المطعم ويختلف الأبوان.. ثم يتفقان على أن يتعلم جرجي صنعة، واختر إصلاح الأحذية "إسكافي" ورضي الطفل الصغير بأقداره وظل في هذه المهنة عامين أصيب خلالهما بالعديد من الأمراض نتيجة تعامله مع المواد الكيماوية والجلود ليترك هذه الصنعة المهلكة عائدا إلى مطعم أبيه ليلتقي بأحد زبائن المطعم "مسعود الطويل" وهو صاحب مدرسة ليلية وطلب الفتى أن يتعلم اللغة الانجليزية مع استمراره في العمل مع والده لأنه تعلم من متابعة والديه أن الإنسان خلق ليشتغل، -وأن الجلوس بلا عمل عيب-.
الحكواتي
بعد أن قطع "زيدان" شوطا كبيرا في تعلم الإنجليزية انقطع عن التعليم وهو في الحادية عشرة من عمره واستمر يعمل مع والده في المطعم وفي هذه الفترة كان يستمع إلى قصص الحكواتي، في مقهى قريب من مطعم والده فسمع قصص عنترة والزيل سالم وفيروز وشاه وعلي الزيبق، وحرص على مشاهدة "الأراجوز" فولدت بداخله أجنة الأدب والتي راحت تنمو وتتعلق بعد أن راح يقرأ أشعر المنتبي وابن الفارض ويحاول أن ينظم العشر وقرا في هذه المرحلة كتاب مجمع البحرين للشيخ ناص اليازجي.
كما بدأ في متابعة مجلة "المقتطف" ولكن التفرغ للقراءة والأدب كانت رفاهية لا يمكن لعائلة من الشغيلة أن تمتلكها خاصة بعد أن اتفق والده مع صديقه حنا الزيلع على افتتاح فندق صغير ملاصق لمسرح سوريا، وافتتحا أسفله مطعم عهد به لأبنيهما جرجي زيدان وجرجي الزيلع ولكن نداهة التفوق والتميز ظلت تصرخ في وجدان الفتى الصغير خاصة بعد أن قرأ كتاب "سر النجاح" والذي نقله إلى العربية يعقوب صروف وفيه فصول عن بعض العظماء الذين بدءوا حياتهم بالعمل في مهن بسيطة (حلاق - إسكافي - خادم.. إلخ)، فقرر الفتى الذي درس الإنجلية السورية في بيروت والتي أصبحت فيما بعد جامعة بيروت الأمريكية وكان ذلك في عام 1881 وحدثت المفاجأة وتم قبول جرجي زيدان بكلية الطب ليضع قدمه على أولى سلم المجد ويصعد بضع درجات بعد أن نجح في العام الأول ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن حيث شارك زيدان في إضراب أطباء كبير لطلبة الكلية احتجاجا على فصل أحد الأساتذة وعندما فشلت الإدارة في فض الإضراب قررت فصل كل الطلبة المشاركين فيه ليجد جرجي نفسه يهوي مرة أخرى إلى جب الفاقه والعوز ولكن نداهة المجد كانت قد تمكنت منه وجاء خطاب الأستاذ ملحم شكور رئيس المدارس الإنجليزية بالفجالة في مصر ليصيح القشة التي يتعلق بها الغريق.
حيث أكد على أن وكيل مدرسة طب قصر العيني قد وافق على قبول الطلبة المفصولين بعد امتحاناتهم واقترض جرجي 6 جنيهات من جارهم "مصباح المحمصاني" وسارع بالذهاب إلى الميناء ليركب أول سفينة ذاهبة إلى مصر ويقول عن ذلك في مذكراته.. "كان وصولنا إلى الإسكندرية سنة 1883 وهي السنة الثانية لثورة عرابي، وقد قاسيت كثيرا من ركوب الباخرة التجارية التي أقلتنا إليها حاملة شحنة من البقر والغنم وأمضينا في الإسكندرية أياما شاهدنا فيها آثار ربها بالمدافع البريطانية والحرائق الهائلة التي دمرت كثيرا منها وأوقعت بها الخسارة الفادحة ثم انتقلنا إلى القاهرة حيث نزلت أنا وزميلي بأحد الفنادق وزرانا الأستاذ ملحم شكور فأكرم وفادتنا كل الإكرام وظل وقتا طويلا وهو يسعى وهو معنا في سبيل إلحاقنا بمدرسة الطب بقصر العيني ولكن هذه المساعي لم تكلل بالنجاح".
الحكمة وزيدان
لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.. حكمة عظيمة تعلق جرجي زيدان بأهدابها بعد أن انهارت أحلامه في دراسة الطب وبعد أن وجد نفسه غريبا مفلسا ولم يكن أمامه إلا البحث عن سفينة إنقاذ للخروج من هذا التيه.
وتذكر مقاله الذي كتبه في صباه الباكر عن الآباء الذين يهملون تعليم أبنائهم والذي أرسله إلى مجلة "المقتطف" ورغم أنه لم ينشر إلا أنه ظل دوما يحلم بالكتابة والصحافة، وعلى الفور ذهب إلى جريدة "الزمان" وهي الجريدة اليومية الوحيدة في القاهرة، ولم يدم به المقام كثيرا فيها، حيث التحق كمترجم في عام 1884 بالحملة الانجليزية إلى السودان لإنقاذ الحاكم الانجليزي "جوردون" من ثورة المهدي وعاد بعد عشرة أشهر حاصلا على ثلاثة أوسمة وفي عم 1885 استدعاه المجمع العلمي الشرقي ببيروت ليكون عضوا شرفيا به.. وهناك انتهى من أول كتبه الفلسفة اللغوية.. وفي عام 1886 سافر إلى إنجلترا وعاد إلى القاهرة ليدير مجلة المقتطف التي يصدرها يعقوب صروف لمدة عامين ألف خلالهما كتبه تاريخ مصر الحديث -تاريخ الماسونية العام- وفي عام 1889 قام بالتدريس فقي المدرسة العبيدية لمدة عامين ألف خلالهما روايته المملوك الشارد لتكون بداية لمشروعه الكبير روايات تاريخ الإسلام 22 رواية وهكذا عاود جرجي زيدان الصعود على سلم المجد بخطى ثابتة وواثقة بعد أن عرف الطريق وتعرف على ملكاته وقدراته.
عمل وإبداع
كل مهنة لها أدواتها وآلياتها.. ولا بد بالأخذ بها ليحصل الإنسان على التفوق والنجاح، فإذا ما ازدانت هذه الآليات بسياج من الأخلاق الرفيعة سمت وارتفعت وأصبحت نموذجا يحتذي به وهذا ما فعله جرجي زيدان والذي ألزم نفسه منذ صباه الباكر بمنظومة صارمة من الأخلاق الحميدة كشف عنها في مذكراته قائلا:"جعلت نصب عيني دائما أن أحافظ على نقاء سيرتي وأن أتجنب الكلام البذيء ومعاشرة غير الأدباء وأمسكت عن المزاج إمساكا تاما فغلب الجد على أقوالي وأعمالي وبالغت في الابتعاد عن مواطن الشبهات حتى أصبحت لا أرفع عيني إلى وجه امرأة ولا أمر بشارع فيه بيت يخوض الناس في سيرة إحدى ساكناته وكان صديق شاول من هذا الطراز أيضا فتوطدت الألفة بيننا واشتهر ذلك عنا بين البيروتيين حتى ضربوا بنا الأمثال"،.
وهكذا تفرغ جرجي زيدان للعمل والإبداع فقط لدرجة أن إدوارد فانديك الأستاذ بالمدرسة الخديوية قد تنبأ بأن زيدان سيموت مبكرا ضحية الجهد المضني الذي يبذله في العمل العقلي الليلي.
مجلة الهلال
أصدر جورجي زيدان مجلة "الهلال" في عام 1892 وكان يقوم بتحريرها بنفسه ثم ساعده إبنه اميل، وقد صدر العدد الأول من المجلة عام 1892 ثم أصبحت بعد خمس سنوات من أوسع المجلات انتشارا وكان يكتب بها عمالقة الفكر والأدب في مصر والعالم العربي، ورأس تحريرها كبار الأدباء والكتاب مثل أحمد زكي و حسين مؤنس و علي الراعي والشاعر صالح جودت وغيرهم.
وبعد أن تزوج جرجي زيدان في عام 1891 كان المفترض أن يبحث عن دخل ثابت ليرعى بيته وأسرته ولكنه في العام التالي مباشرة اشترك مع نجيب متري في تأسيس مطبعة التأليف ب"الفجالة" ربما ليصدر من خلالها مؤلفاته التي بدأت تتوالي وربما ليتخذ منها مشروعا تجاريا ولكن الشريكين اختلفا، فقرر زيدان أن يستقل بالمطبعة وأن يغير اسمها إلى "الهلال" وأن يغامر أكثر وأكثر ليصدر خلالها مجلة الهلال 1892، ليصبح نجمها الأول والأوحد، فهو محررها ومديرها والقائم على كل شئونها وسرعان ما استطاعت المجلة الوليدة أن تلفت الانتباه وأن تحقق النجاحات بفضل كتابات جرجي زيدان والذي أوكل إدارتها إلى شقيقه متري زيدان وتفرغ هو للكتابة والتأليف، ينشر ما يكتبه على صفحات الهلال أولا ثم تتحول هذه الكتابات إلى كتب وروايات.
درر تاريخية
إذا كانت العصامية هي التي دفعت جرجي من السفح إلى القمة فإن الموسوعية هي التي جعلته واحدا من رواد التنوير في الوطن العربي خاصة وهو الباحث دوما عن الحقيقة، ذلك البحث الذي يستلزم التقصي والتمعن والتمحيص والموازنة والمقابلة.
وكما كتب في هلال نوفمبر 1899 بأن الروايات التاريخية تحتاج إلى المراجعة والتنقيب لتمحيص الحوادث التاريخية وتطبيقها على الحوادث الغرامية حتى لا يظهر فيها التكلف أو الضعف، والأهم أنه لم يكن يستنكف النقد بل يستفيد منه.
وتلك الموسوعة في البحث والتنقيب هي التي ساعدت جرجي زيدان على غزارة الإنتاج، حيث توالت رواياته وكتبه لتصل إلى أكثر من خمسين كتابا، و22 رواية عن تاريخ الإسلام، و4 أجزاء عن تاريخ آداب اللغة العربية، جزءان من مشاهير الشرق، العرب قبل الإسلام، أنساب العرب القدماء ، طبقات الأمم، عجائب الخلق، تراجم ومشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، إلخ.
وقد ساعده إتقان الانجليزية، وقراءته للألمانية على أن يترك هذا الإنتاج الضخم في التاريخ والأدب واللغة والاجتماع والرواية والتراجم والسير، فقد أضاف المراجع الأجنبية إلى بحثه وتنقيبه في أمهات الكتب العربية مما جعله واحدا من الذين عملوا على بحث التراث العربي، وإحياء صفحاته وقراءته قراءة جديدة تتسق مع مناهج العصر الحديث.
وعن كتبه في التاريخ نجد منها: العرب قبل الإسلام - الجزء الأول، طُبع في مصر سنة 1908.- تاريخ التمدّن الإسلامي- خمسة أجزاء، طبع في مصر 1902-1906. - تاريخ مصر الحديث جزآن طُبع في مصر 1889. - تاريخ الماسونية العام في مطبعة الهلال - تراجم مشاهير الشرق.
أما في في اللغة وآدابها تجد منها: الألفاظ العربية والفلسفة اللغوية، بيروت 1889. - تاريخ آداب اللغة العربية، أربعة أجزاء- مصر 1911.- اللغة العربية كائن حي -بيروت 1988 -طبعة ثانية.
وعن مؤلفاته في سلسلة روايات تاريخ الإسلام فنجد منها: فتاة غسان - أرمانوسة المصرية، قصة فتح مصر على يد عمرو بن العاص - عذراء قريش: مقتل عثمان وواقعتي الجمل وصفين. نقلها إلى الفارسية خسروي الكرمانشاهي - 17 رمضان: أحداث الفتنة الكبرى ومقتل الامام علي بن أبي طالب - غادة كربلاء: مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب - الحجاج بن يوسف: الأحوال السياسية في العصر الأموي - فتح الأندلس: قصة فتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد - شارل وعبد الرحمن: الفتوح الإسلامية في أوروبا - أبو مسلم الخراساني: سقوط الخلافة الأموية - العباسة أخت الرشيد: أحوال البلاط العباسي في عهد هارون الرشيد - الأمين والمأمون: العصر الذهبي للدولة العباسية - عروس فرغانة: الدولة في عهد المعتصم بالله وعاصمة الخلافة الجديدة سامراء - أحمد بن طولون: مصر في القرن الثالث للهجرة - عبد الرحمن الناصر: العصر الذهبي في الأندلس - فتاة القيروان - صلاح الدين الأيوبي: الحروب الصليبية - شجرة الدر- الانقلاب العثماني: الأحوال السياسية في عهد عبد الحميد الثاني - أسير المتمهدي: وتحكى قصة الثورة العرابية بقيادة أحمد عرابي ثم ثورة المهدى قي السودان؛ وذلك من خلال أبطال القصة (شفيق) و(فدوى) المملوك الشارد - استبداد المماليك بيت القصيد - جهاد المحبين.
ثبات الأديب
تحول جرجي زيدان إلى سبيكة انصهرت عناصرها وتوحدت لدرجة يستحيل معها فصل عنصر عن آخر أو تميز عنصر عن آخر فهو مفكر لبناني كما ذكرنا آنفا، حيث كان يرى أن تاريخ الإسلام هو تاريخ الشرق الحديث أو هو تاريخ العالم كله بعد عصر الرومان والفرس.
وعندما افتتحت الجامعة المصرية عام 1908 تم انتداب جرجي زيدان لتدريس مادة التاريخ الإسلامي وكان قد أصدر كتابه "تاريخ التمدن الإسلامي" وسرعان ما تم استبعاده من التدريس بدعوى مسيحيته.. مع أن سعد زغلول في حل افتتاح الجامعة قال جملة أثيرة "الجامعة لا دين لها إلا بالعلم" لكنها ذهبت هباء مع موجة التشدد والمناخ المتعصب الذي كانت سلطات الاحتلال الإنجليزي تنفخ في ناره وقتها.
وفي هذا الإطار يقول صديقه لطفي جمعة الذي اقترب منه كثيرا خلال العامين الأخيرين من حياته "لم يخط جرجي سطرا واحدا ضد مصر والعرب والإسلام كما فعل أصحاب المقطم مع أنه بدأ بالعمل معهم في الإدارة والمطبعة وعاشرهم طويلا ثم انفصل عنهم وسار في خطة مغايرة لخطتهم ولو كان سايرهم لأحرز مالا كثيرا، ولكنه كان يرى أن المال المكتسب عن طريق "الدس" للمصريين ومعاونة الغاصب والمحتل - مال حرام- فاختار النفع عن طريق خدمة التاريخ واللغة والأدب وتعليم الشباب تاريخ وحضارة أجدادهم في مجلته وكتبه، ويضيف "جمعة" لقد كانت قلة مال وابتعاده عن أهل السلطة الغاشمة "الانجليز" أعظم في نظري ألف مرة من شهرة أنصار الاحتلال الذين زعموا أنهم فلاسفة ومصلحون. ولعل ما كتبه جمعة أبلغ وأقوى رد حول المزاعم التي رددها بعض المتنطعين عن علاقة زيدان بالإنجليز انطلاقا من رحلته معهم في بداية حياته إلى السودان ثم زيارته إنجلترا.
مئوية الراحل
خلال الأيام القليلة الماضية مرت ذكرى وفاة الأديب اللبناني، حيث توفى فجأة وهو بين كتبه وأوراقه في 27 شعبان 1332 هجرية/ 21 يوليو 1914. وقد رثاه كبار الشعراء من أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران.
وكان جرجي قد دعا إلى إنشاء جامعة مصرية وذلك في مقاله (مدرسة كلية مصرية في حاجتنا الكبرى).. المنشور في الهلال فبراير 1900. وقد سبق قاسم أمين في الدعوة إلى تحرير المرأة في عام 1894.
ورغم أن جرجي زيدان قد حقق كل ما يحلم به -وربما أكثر مما يحلم به- أي كاتب أو أديب من شهرة وتأثير إلا أنه في سنواته الأخيرة كان شغوفا بالحصول على الدكتوراه أو كما كان يكتبها (الدكتورية) ولعل الاحتفال بمئوية رحيل الرائد والأديب جرجي زيدان يكون مناسبة لمنح اسمه العديد من درجات الدكتوراه الفخرية إن كانت لوائح الجامعات تجيز هذا الأمر ورغم تشوفه غلى الدكتوراه كلقب علمي رفيع إلا أنه رفض أكثر من مرة الرتب والألقاب السياسية لأنها من وجهة نظره لا تلائم صناعة القلم.. رحم الله الأديب والفنان "جرجي زيدان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.