كانت ومازلت القضية الفلسطينية من أوائل القضايا التي تسترعي اهتماما كبيرا من دول العالم العربي بل والإسلامي , وفي ذكرى مرور مائة عام على الحرب العالمية الأولى , لابد أن نتذكر الجذور الأولى لمشكلة الصراع الصهيوني – العربي , الذي مازال يقض مضاجع شعوب العالم الإسلامي . لم تشكل فلسطين، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وحدة إدارية مستقلة، وإنما كانت ولاية صغيرة من ولايات الإمبراطورية العثمانية وجزءاً من المنطقة الجغرافية المعروفة ببلاد الشام ، وطوال عقود عديدة، ظلت فلسطين محط أنظار القوى الاستعمارية المختلفة لاعتبارات كثيرة منها الدينية والسياسية، التي بذلت جهودا حثيثة للسيطرة عليها، ليس بسبب ثرواتها الطبيعية، وإنما أساسا بسبب موقعها الجغرافي المتميز في قلب منطقة الشرق الأوسط. فما أن اندلعت الحرب العالمية الأولى حتى سارعتبريطانيا إلى ترتيب الخطط الملائمة لدخول جيوشها إلى فلسطين وبيت المقدس، تحت شعار مساعدة العرب في التخلص من الاحتلال التركي، بيد أن هدفها الحقيقي كان تدعيم الفكرة الصهيونية , وإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين . اجتمعت روسيا القيصرية وبريطانياوفرنسا , وانتهى الأمر إلى الاتفاق على ثلاث تعهدات : التعهد الأول سايكس بيكو الذي تضمن اقتسام الأراضي السورية ما بين بريطانياوفرنسا وتوزيعها بحيث تكون سوريا ولبنان تحت حكم فرنسا , وفلسطين والاردن والعراق تحت سيطرة بريطانيا , وحين قامت الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917 , كشفت هذه الثورة هذا الاتفاق الاستعماري السري , وحين احتج العرب على بريطانيا , نفت بريطانيا وجود مثل هذا الاتفاق , وقالت " اتصدقون الشيوعيين وتكذبون أهل الكتاب " التعهد الثاني بين المعتمد البريطاني (السير مكماهون)والشريف حسين , وهو استقلال الولايات العربية وتحريرها من أيد العثمانيين , وعرفت هذه المراسلات , بمراسلات حسين –مكماهون التعهد الثالث كان الاتجاه البريطاني الثالث هو التفاوض مع المنظمة الصهيونية العالمية حول مستقبل فلسطين. وقد دفعهم ذلك حاجتهم الماسة لاستخدام النفوذ اليهودي في الولاياتالمتحدة لدفعها للمشاركة في الحرب إلى جانب بريطانيا وحلفائها (وهذا ما حدث فعلاً في مارس 1917)، فضلاً عن وجود النفوذ اليهودي الصهيوني في بريطانيا وفي الحكومة البريطانية نفسها من خلال وزير الداخلية اليهودي الصهيوني هربرتصمويل H.Samuel، والأقباط المتصهينيين مثل رئيس الوزراء لويد جورجL.Goerge، ووزير الخارجية بلفورBalfour.هذا بالإضافة إلى دوافع وخلفيات دينية وسياسية واستراتيجية .... وكانت النتيجة صدور وعد بلفور في 2نوفمبر 1917 بتعهد بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وأتم البريطانيون احتلال جنوبفلسطين ووسطها في ديسمبر 1917، واحتلوا القدس في 9 ديسمبر 1917. وخطب قائد الجيش البريطاني اللنبي في القدس محتفلاً بانتصاره قائلاً: "والآن انتهت الحروب الصليبية" وفي سبتمبر 1918 احتل البريطانيون شمال فلسطين، كما احتلوا في سبتمبر-أكتوبر 1918 شرق الأردنوسوريا ولبنان. ومنذ ذلك الوقت فتحت بريطانيا بالقوة مشروع التهويد المنظم لأرض فلسطين، واستطاعت بريطانيا بعد ذلك إقناع فرنسا بالتخلي عن مشروع تدويل فلسطين كما في نصوص سايكس بيكو، مقابل رفع بريطانيا لدعمها للحكومة العربية التي نشأت في دمشق بزعامة فيصل بن الشريف حسين، حتى تتمكن فرنسا من احتلال سوريا، ثم وفرت بريطانيا لنفسها غطاءً دولياً باستصدار قرار من عصبة الأمم في 24 يوليو 1922 بانتدابها على فلسطين، وتم تضمين وعد بلفور في صك الانتداب، بحيث أصبح التزاماً رسمياً معتمداً دولياً. من هنا كانت بداية المعاناة الفلسطينية و الخديعة الكبرى بعد ذللك وتسليم فلسطين للعصابات اليهودية وبداية عهد جديد كانت بداياته هي الحرب العالمية الأولي .