تلك كانت أغرب حالة وفاة سمعت عنها. ووقعت في أحد المستشفيات الخاصة. قبل شهر دخل المستشفي مريض استثنائي. رجل يخطو نحو السبعين من عمره. شخصية معروفة في مجالها علي أعلي المستويات. ولد في أسرة ريفية ثرية. وتعلم مثل أفراد أسرته في الخارج. وعاد ليتسلم وظيفة مرموقة كانت بداية سلم حياته العملية. وسرعان ما صعد كنجم أو شهاب. كان وسيماً وغنياً. وكان مهذباً واسع الأفق. وكان محبوباً من كل الذين تعاملوا معه أو أحاطوا به..وشغله الكفاح في عمله عن نفسه وعن حياته الشخصية. فمضي قطار الزواج في حياته دون أن يشعر به. حين رآها لأول مرة في إحدي الحفلات. انقلب كل شيء فيه رأساً علي عقب. كأن نساء الدنيا كلهن اجتمعن في إمرأة واحدة. هي أصل الحب والحنان والعطاء والجمال. هكذا رآها منذ اللحظة الأولي في حكايتهما. وقد كانت لهما حكاية ! سأل عنها وليته لم يسأل. فقد جاءت الاجابة تحمل خلاصة ما ستكون حكايته معها. انها زوجة وأم. وهي تعيش مع زوجها وابنتها حياة مستقرة سعيدة هانئة. وهكذا حكم عليه أن ترقد مشاعره في مقبرة صدره. قبل حتي أن تولد منه. حكم عليه أن يحبها حتي الموت. دون أمل في اللقاء ! قال لي الذي حكي الحكاية أن صاحبنا العاشق العجوز أصابه مرض خطير. ونقل إلي المستشفي حيث اكتشف الأطباء أنه لن يعيش أكثر من شهور قليلة. وأن أخوته وأفراد عائلته لم يعارضوه عندما اصر علي كتابة وصية وهو راقد علي فراش المرض في المستشفي. يوصي فيها بكل ثروته وأملاكه لطفلتها التي كبرت وأصبحت فتاة جميلة. أحبها في قلبه كأنها ابنته. وفي ليلة رحيله عن الدنيا أفاق من الغيبوبة. وطلب بصوت ضعيف من الممرضة أن تطلب له رقم تليفون معين. وطلبت الممرضة الرقم فدق جرس التليفون في بيت الحبيبة التي كانت تجلس في صالونها مع زوجها وأسرع الزوج برفع السماعة. فإذا بالممرضة تخبره أن فلاناً بالمستشفي هو الطالب! ظل الزوج صامتاً لبرهة..ثم بكل هدوء لم يخف انفعاله قدم سماعة التليفون إلي زوجته..وقال لها : مكالمة.. لك !التقطت الزوجة منه سماعة التليفون وهي ترتجف وكأن قلبها تنبأ بنهاية قصة المحب الحزين. قالت : آلو.. من ؟جاء صوته متحشرجاً علي الناحية الأخري.. قال لها : كان كثيراً أن أموت.. دون أن أسمع صوتك ! وسكت الصوت. وسقطت سماعة التليفون من يدها. انتهت الحكاية. مات. أقسم محدثي أن القصة حقيقية بكل ما فيها. .قال إنه كان صديقه !